بين التطبيع السياسي والشعبي

19 فبراير 2023
من الدمار الذي خلّفه الزلزال، جنديرس، حلب (محمد سعيد/الأناضول)
+ الخط -


لعل من أبرز المكاسب التي حققها النظام السوري، استغلالاً لكارثة الزلزال المدمر الذي ضرب جنوبي تركيا، وشمالي سورية في السادس من الشهر الحالي، هو فكّ الحصار الاقتصادي المفروض عليه بشكل جزئي، والتعاطف الدولي الإنساني الكبير، والذي سخّرته بعض الدول لاتخاذ خطوات سياسية تجاه التطبيع مع نظام بشار الأسد. وكان أبرز هذه الخطوات إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع النظام السوري، في ما يبدو أنه خطوة أولى باتجاه إعادة العلاقات بشكل كامل، بعد أن كانت تونس قد قطعتها كلياً قبل نحو عشر سنوات، لتعيد في عام 2017 بعثة محدودة بدعوى تعقب المقاتلين الجهاديين التونسيين في سورية.

وبرّر الرئيس التونسي رفع تمثيل بلاده الدبلوماسي مع النظام السوري بأن قضية النظام مع السوريين هي شأن داخلي يخص السوريين بمفردهم، وأن "السفير" يعتمد لدى الدولة وليس لدى النظام. لكنه تناسى كل الجرائم التي ارتكبها النظام بحق السوريين، وأن القضية السورية أصبحت منذ زمن قضية دولية، وأن الأسباب التي دفعت تونس في بداية الثورة لقطع علاقاتها مع النظام في سورية قد تضاعفت، وأن معدل الجرائم التي يرتكبها بحق الشعب السوري لا يزال في ازدياد، وأن بنية النظام قد تحوّلت أشبه بعصابة مافيا تعتمد في مواردها على تجارة المخدرات.

بالتوازي مع الموقف الرسمي التونسي، هناك جزء من الجمهور التونسي، يرى الثورة السورية من خلال الجهاديين التونسيين الذين انضموا للتنظيمات المتشددة التي تحارب النظام، وبالتالي فصورة الثورة السورية لديهم مرتبطة بالتشدد، فيما يرون في المقابل نظاماً عروبياً ممانعاً، وإن كان مستبداً فهو يحارب عدواً مشتركاً هي التنظيمات الإرهابية. وما يعزز هذا الموقف في تونس هو نشاط الهيئات والتنظيمات المدعومة من إيران والتي تروّج للنظام السوري وتعمل تحت شعارات مثل "مناهضة الصهيونية" وغيرها، والتي تؤثر عاطفياً على تلك الشريحة من الجمهور.

كما أن انشغال التونسيين بشأنهم الداخلي وعدم وصول الإعلام السوري المنحاز للثورة إلى الجمهور التونسي بشكل كافٍ، مقابل ضخ إعلامي معاكس، ساهم بشكل كبير في ترسيخ مفهوم مغلوط عن الثورة السورية وربطها بالإرهاب.

هذا المفهوم المغلوط عن الثورة السورية لدى بعض الجمهور العربي بشكل عام والتوجهات التطبيعية لدى سياسييه، يحتّم على القوى السياسية السورية المعارضة للنظام العمل جنباً إلى جنب مع النخب والمؤسسات الثقافية والإعلامية لإيصال الثورة بصورتها الأصح.
 

المساهمون