دفع البيان المشترك المعلن من قبل رئيسي مجلسي النواب والدولة الليبيّين عقيلة صالح وخالد المشري، أمس الخميس، آمالاً جديدة لاستئناف العملية السياسية في البلاد، إلا أنّ أسئلة كثيرة ما زالت تُطرح حول قدرة المجلسين على الوصول إلى توافق يفضي إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة منذ أكثر من عام.
وأصدر صالح والمشري، أمس الخميس، بياناً مشتركاً بشأن الوثيقة الدستورية من العاصمة المصرية القاهرة، قالا إنه "ينبع من حرصهما على إنجاز أساس دستوري توافقي يوصل للانتخابات".
وينبثق اتفاق الرئيسين من نواة مشروع الوثيقة الدستورية، والذي كان حصيلة ما توصلت إليه اللجنة المشتركة من المجلسين المكلفة بإنجاز المسار الدستوري في جملة اجتماعات أجرتها العام الماضي في القاهرة، برعاية أممية.
ووفقاً لبيان الخميس، فقد اتفق صالح والمشري على أن "تحيل اللجنة وثيقتها الدستورية إلى المجلسين لإقرارها طبقاً لنظام كل مجلس".
وفي الإطار العام للعملية السياسية، اتفق الرئيسان على "وضع خريطة طريق جديدة، واضحة ومحددة، يعلن عنها لاحقاً، لاستكمال كل الإجراءات اللازمة لإتمام العملية الانتخابية، سواء التي تتعلق بالأسس والقوانين، أو المتعلقة بالإجراءات التنفيذية وتوحيد المؤسسات".
وخلال المؤتمر الصحافي الذي جمعهما بالقاهرة، أكد صالح اتفاقه مع المشري على "الإسراع في إنجاز القاعدة الدستورية الخاصة بالانتخابات"، مؤكداً في الوقت عينه، "الحاجة لوجود سلطة موحدة"، في إشارة إلى رفضه وجود حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، والتي تسيطر على عاصمة البلاد ومؤسساتها، وترفض تسليم مهامها إلا بعد الانتخابات.
وفي حين أشار صالح إلى أنّ الانتخابات هي الهدف لحلّ الأزمة الليبية، شدد على ضرورة الاتفاق مع مجلس الدولة بخصوص قوانينها المنظمة قبل إصدارها.
وفيما بيّن صالح أنه "حين تكون الأمور جاهزة من الناحية اللوجستية والأمنية، ستكون الانتخابات في أقرب الآجال"، أعلن عن لقاء في منطقة داخل ليبيا حول هذا الأمر، دون أن يخوض في تفاصيل أخرى تتعلق بمكان اللقاء، أو موعده، وأجندته، والجهات المدعوة لحضوره.
من جهته، اعتبر المشري المرحلة التي توصلا إليها "متقدمة جداً"، قائلاً: "لقد أنهينا بها الكثير من الجدل، واستطعنا بها وضع العربة على سكة الانتخابات للوصول إليها بأسرع وقت ممكن".
ومع ثنائه على اتفاق اللجنة المشتركة بخصوص أغلب بنود الوثيقة، إلا أن المشري أشار إلى أن الاتفاق "لم يشمل مادتين"، في إشارة إلى مادتي ترشح العسكريين ومزدوجي الجنسية للانتخابات، أكثر المواد جدلاً في الوثيقة، إذ يرفضهما مجلس الدولة، ويطالب بهما مجلس النواب.
والجديد في الاتفاق هو ما أعلن عنه الطرفان من أنّ "عدم اتفاقهما على أي بند في القاعدة الدستورية يعني إحالة الرأي فيه لليبيين عبر استفتاء عام"، الأمر الذي قد يفتح فسحة من الأمل، على الرغم من أنّ الاتفاق يدفع بجملة من الأسئلة حول واقعيته، لا سيما وأنه يأتي في وقت أظهر أغلب السياسيين تشبثاً حاداً بالسلطة، أوصل البلاد إلى حالة الانسداد الحالية.
ومع أن عضو مجلس النواب جبريل وحيدة يبدي ترحيباً باتفاق صالح والمشري، إلا أنه يعرب في الوقت نفسه عن مخاوف من "عدم القدرة على تطبيق أي اتفاق قد يتوصلان إليه"، مستشهداً باتفاقهما السابق على تغيير حكومة الوحدة الوطنية ورئيسها عبد الحميد الدبيبة، والفشل في تطبيق ذلك على أرض الواقع، و"خلط الأوراق من جديد"، على حد وصفه.
ويوضح وحيدة في حديثه مع "العربي الجديد"، اليوم الجمعة، أنّ التخوّف من إمكانية تطبيق أي اتفاق يرجع لمن سمّاها بـ"القوى المؤثرة على الأرض؛ سواء المسلحون في الداخل، أو القوى الخارجية المتداخلة في الملف الليبي".
وعلى الرغم من التراتبية في اتفاق صالح والمشري الذي يبدأ بالتوافق على القاعدة الدستورية للانتخابات، ثم الذهاب إلى "تغيير الحكومة، واختيار أخرى جديدة"، إلا أنّ وحيدة يتوقع أن تكون أولى عقبات هذا الاتفاق معارضة "رئيس حكومة الوحدة الذي سيرفض الإذعان"، مضيفاً: "في السابق، رفض الدبيبة تسليم السلطة، مدعوماً بقوى داخلية وخارجية رأت مصلحتها في بقائه، هذا بالإضافة لاستمرار اعتراف المجتمع الدولي به، ولا ضمانات حتى الآن على أنّ ذات السيناريو لن يتكرر".
ومقابل وضوح تراتبية خطوات الاتفاق، أوضح وحيدة أنّ خريطة الطريق سيتم إعدادها من المجلسين بناء على اتفاق الرئيسين، لافتاً إلى أنّ "كل مجلس سيناقش الوثيقة وفقاً لنظامه ولائحته الداخلية".
الخريطة المنتظرة
من ناحية أخرى، تعتبر عضو مجلس الدولة نعيمة الحامي، أنّ إجراء الانتخابات وتغيير الحكومة "أمران مرتبطان"، وتقول: "نحن بحاجة ضرورية لانتخابات عاجلة، ولكن من سيقوم بها وينفذها؟ فحكومة الوحدة الوطنية غير قادرة على بسط نفوذها في كامل الدولة، ولا تستطيع تولي أمر مثل انتخابات على مستوى كامل الدولة".
وضمن حديث لـ"العربي الجديد"، اليوم الجمعة، كشفت الحامي عن أنّ الخريطة المنتظرة "ستشمل استكمال القاعدة الدستورية، والموافقة على قوانين الانتخابات، وتحديدها بالمهام والمدد الزمنية، بالإضافة لاستحداث حكومة جديدة، واستكمال مشروع التوافق على المناصب السيادية، وتوحيد السلطة التنفيذية".
وشددت عضو مجلس الدولة على ضرورة "التوافق على مادتي العسكريين ومزدوجي الجنسية"، مستدركة بالقول: "التوافق حول المواد الخلافية يجب أن يتم بين المجلسين، وليس الرئاستين، وإنْ وضع الرئيسان خطوطها العريضة، فيجب إقرارها والتصويت عليها من المجلسين، وهذا ما تضمنته كل الاتفاقات السابقة".
وأكدت الحامي تطلعها لأن يكون الاتفاق "ليبياً خالصاً"، وأن تتولى البعثة الأممية دورها الذي وصفته بـ"المهم" في "مراقبة ومتابعة آليات التنفيذ".
وأيّدت الحامي المخاوف الخاصة باحتمال معارضة هذا الاتفاق من بعض الجهات، وعللت ذلك بالقول: "إذا تم التوافق على صياغة الخريطة كاملة، فما على الدبيبة إلا أن يكون صادقاً مع الشعب في تطلعه للانتخابات كما يقول، وأن يقوم بتسليم السلطة، حتى نتجه إلى الصناديق ويقول الشعب كلمته المنتظرة، ولكن إن استمر في إصراره على عدم التسليم إلا لحكومة منتخبة، فسيكون المعرقل الأول، وهنا نتوقع دوراً للمجتمع الدولي".
وفي المجمل، لم تخفِ عضو مجلس الدولة تفاؤلها بقرب التوافق، قائلة: "حتى لو اتفقنا على 70% من القاعدة الدستورية، وتركنا الـ30% الباقية للشعب عبر الاستفتاء، فسنكون حققنا إنجازاً عظيماً".
وفيما لم تصدر أي مواقف من جانب المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية والحكومة المكلفة من مجلس النواب حيال اتفاق صالح والمشري، أعربت البعثة الأممية في ليبيا عن ترحيبها بالاتفاق، وحثها المجلسين بقوة على الإسراع في التوصل إلى اتفاق كامل ونهائي، بما في ذلك حول القضايا الخلافية، بغية استكمال الخطوات الضرورية لإجراء انتخابات وطنية شاملة ضمن إطار زمني محدد.
وجدّدت البعثة، في بيان لها، ليل الخميس، تأكيد استعدادها "لدعم المبادرات الهادفة إلى تحقيق توافق وطني يمهد الطريق لحل ليبي-ليبي للأزمة السياسية التي طال أمدها"، وفق الوصف.
وفي السياق عينه، اعتبر المبعوث الأميركي الخاص وسفيرها(الولايات المتحدة) لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، أنّ اختتام النقاشات بين قادة المجلسين "لا يترك أي سبب لتأجيل وضع تاريخ مبكر لانتخابات برلمانية ورئاسية".
وقال نورلاند، في تغريدة عبر حساب السفارة على "تويتر" ليل الخميس: "نحن نشارك كل الليبيين رغبتهم في رؤية القادة الليبيين يتبنون الإجراءات اللازمة بأسرع وقت ممكن للسماح للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات بالشروع في تفعيل العملية الانتخابية"، معبراً عن تقديره للحكومة المصرية على تيسيرها اتفاق الطرفين الذي وصفه بـ"الإنجاز".
2/2 نحن نشارك كل الليبيين رغبتهم في رؤية القادة الليبيين يتبنون الإجراءات اللازمة بأسرع وقت ممكن للسماح للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات بالشروع في تفعيل العملية الانتخابية. ونحن نعبر عن تقديرنا للحكومة المصرية على تيسيرها لهذا الإنجاز." #ليبيا
— U.S. Embassy - Libya (@USEmbassyLibya) January 5, 2023