انقلاب السودان: ضغط على حمدوك للتخلي عن حلفائه

01 نوفمبر 2021
يستند الرافضون للتفاوض مع العسكر على صوت الشارع (محمود حجاج/الأناضول)
+ الخط -

بحذر شديد، تسير الوساطات الداخلية والخارجية، لإنهاء الأزمة السياسية في السودان، والتي فاقمها، الإثنين الماضي، إقدام الجيش وقائده الفريق أول عبد الفتاح البرهان، على الانقلاب على السلطة، بتعليق مواد أساسية في الوثيقة الدستورية، وإعلان الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء. 
وتصطدم تلك الوساطات بمواقف قوية في الشارع السوداني الذي نظم أمس الأول "مليونية 30 أكتوبر" ومن التنظيمات النقابية والمهنية ولجان المقاومة وأحزاب سياسية، جميعها ترفض بشكل قاطع التفاوض مع العسكر، وتضغط نحو إنهاء الشراكة معهم، والتي تُطلق عليها "شراكة الدم"، وتنادي بحكم مدني كامل، يتفرغ فيه العسكر لحماية البلاد والدستور. 

تتضمن وساطة بيرتس إعادة العمل بالوثيقة الدستورية

ومن أبرز الوساطات النشطة، والتي تجد الضوء الأخضر خصوصاً من العسكر، وساطة فولكر بيرتس، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، رئيس البعثة الأممية المتكاملة لدعم الانتقال السياسي في السودان، والذي يقود تواصلاً مستمراً بين البرهان ورئيس الوزراء عبد الله حمدوك، من مقر إقامته الجبرية بمنزله بضاحية كافوري بمدينة الخرطوم بحري. ويتكتم بيرتس، على بنود وساطته، لكن طبقاً لمصادر "العربي الجديد" فإن الوسيط طرح على الطرفين، العسكر وحمدوك، إعادة العمل بالوثيقة الدستورية وإطلاق سراح المعتقلين، وعودة حكومة رئيس الوزراء لمواصلة مهامها، على أن يبدأ بعد ذلك مباشرة حوار جدي وحقيقي يشارك فيه المكون العسكري، ورئيس الوزراء، وتحالف "قوى إعلان الحرية والتغيير"، وأطراف العملية السلمية من الحركات المسلحة التي وقعت على اتفاق سلام مع الحكومة السودانية العام الماضي.
ويصرّ العسكر، حسب المعلومات المتاحة، على أن ينحصر الحوار في الوقت الراهن بينهم وبين حمدوك، وهو أمر يرفضه تماماً الأخير الذي يتمسك بمشاركة كل الأطراف، بما في ذلك "قوى الحرية والتغيير"، وأن يشمل الحوار محاور رئيسية يعتقد أنها سبب الخلاف، وأهمها بند تسليم رئاسة مجلس السيادة للمدنيين، تنفيذاً للوثيقة الدستورية، وهو البند الذي يُعتقد أنه الدافع الأساسي وراء إقدام البرهان ونائبه في مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو، المعروف بـ"حميدتي"، في استعجال الانقلاب، مع اقتراب موعد التسليم في نوفمبر/تشرين الثاني الحالي (وإن كان تاريخ التسليم مختلفاً عليه بعد تمديد الفترة الانتقالية إذ يرى البعض أن الموعد الجديد هو إبريل/نيسان 2022).

وأمس الأحد، غرد بيرتس من حسابه في "تويتر"، نافياً أنباء تحدثت عن إعادة اعتقال حمدوك، ونقله من منزله إلى جهة غير معلومة. وأكد أنه زار رئيس الوزراء ووجده بحالة جيدة، وأنه ناقش معه خيارات وساطته وسبل المضي قدماً بالنسبة للسودان. وتعهد المسؤول الأممي بمواصلة الجهود مع أصحاب المصلحة السودانيين الآخرين، دون الكشف عن معلومات إضافية.
وساطة أخرى، تبنتها مجموعة من رجال الأعمال وكبار الصحافيين وقيادات مجتمعية ونشطاء، تحت مسمى "وساطة حكماء السودان"، أبرز المشاركين فيها رجل الأعمال أنيس حجار، والصحافي محجوب محمد صالح، والقيادي السابق في الحزب الشيوعي السوداني الشفيع خضر. وهذه المجموعة هي ذاتها التي سبق أن توسطت، في يوليو/تموز 2019، بين المجلس العسكري الانتقالي وتحالف "الحرية والتغيير"، عقب جريمة فض اعتصام محيط قيادة الجيش، حيث جمعت الطرفين، ما ساهم ضمن وساطة الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا في التوقيع على الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية في أغسطس/آب 2019، وبموجبها تشكلت هياكل السلطة الانتقالية بشراكة بين العسكر والمدنيين.

عبدالله خاطر: لا بديل إلا جلوس الأطراف على طاولة الحوار

وأكد أحد أعضاء المبادرة، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن لقاء وشيكاً بين ممثلين للجيش و"الحرية والتغيير" سيتم في منزل رجل الأعمال أنيس حجار، لمناقشة أولاً سبل تهيئة الأجواء للحوار المخطط إجراؤه بسرية تامة بعيداً عن وسائل الإعلام. وأوضح، لـ"العربي الجديد"، أن المبادرة تعتمد بداية على إزالة الرواسب الشخصية عند بعض الأطراف، وطمأنة الجيش بشأن عدم رغبة الأطراف الأخرى في الإعلان عن حكومة مستقلة، مشيراً إلى أن ممثلين للجيش أبلغوهم أن هناك معلومات وردت في 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو اليوم الذي خرج فيه السودانيون لدعم الحكم المدني، بأن المخطط كان يقوم على اقتحام مقر البرلمان القومي في أم درمان، للإعلان عن أسماء المجلس التشريعي الانتقالي من طرف واحد، وهو ما أثار قلقاً كبيراً في أوساط الانقلابيين. ونبّه المصدر إلى أن ما يساعد على إنجاح المبادرة، هو إحساس مجموعات، حتى داخل الجيش، بأن البرهان استعجل خطوة الانقلاب، وأن الفرصة كانت متاحة قبل 25 أكتوبر الماضي، لحلحلة القضايا الخلافية مع المكون المدني، وأن تلك المجموعة متحمسة أكثر لإجراء الحوار.
ومن خارج الحدود، تشير بعض المعلومات إلى وساطة أميركية، تحاول فيها إشراك الإمارات فيها، اعتقاداً من واشنطن بأن مفتاح الانقلاب في أبوظبي وليس في الخرطوم، استناداً إلى الدعم الذي يجده الانقلابيون من الإمارات. وليس هناك أي معلومات أو تفاصيل عن المبادرة، لكن من المرجح عدم ابتعادها كثيراً عن المواقف القوية للإدارة الأميركية المناهضة للانقلاب، والداعية لعودة الحكم المدني والسماح لحكومة رئيس الوزراء بمواصلة مهامها، مع إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، على أن تنتهي عملية الوساطة بجلوس كل الأطراف حول طاولة حوار ممتد.
أما آخر الوساطات فتأتي من دولة جنوب السودان التي وصل وفد منها إلى الخرطوم أمس الأحد. وتمتلك الدولة الوليدة خبرة في التوسط في الشأن السوداني، برعايتها لمفاوضات بين الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح، والتي انتهت بالتوقيع على اتفاق في 3 أكتوبر العام الماضي، والذي أصبح جزءاً من الوثيقة الدستورية، وشاركت بموجبه الحركات المسلحة في السلطة الانتقالية. واصطفت 3 من تلك الحركات مع تيار مقاومة الانقلاب، وهي "الشعبية لتحرير السودان" التي اعتقل نائب رئيسها ياسر عرمان، و"تحرير السودان ــ المجلس الانتقالي" بقيادة عضو مجلس السيادة الهادي إدريس الذي اعتقل في اليوم الأول للانقلاب ثم أطلق سراحه لاحقاً. والحركة الثالثة هي "تجمع قوى التحرير" برئاسة الطاهر حجر، الذي اعتقل لفترة وجيزة أيضاً.
وأكد الكاتب الصحافي عبد الله آدم خاطر أنه لا بديل للخروج من النفق الحالي إلا بجلوس الأطراف على طاولة الحوار بأسرع ما يمكن، حتى لا تنزلق البلاد نحو الفوضى والمجهول. وبين، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن استخدام السلاح والعنف في هذا الوقت لن يثير إلا المزيد من الغضب الداخلي والغضب الإنساني العالمي، وأن الوقت قد حان تماماً لتدخل العقلاء والعقل، محذراً من خطورة الرسائل الإعلامية الحالية التي تعتمد على التأجيج ونشر المعلومات المغلوطة. وأشار إلى أن على الصحافة واجب القيام بدورها التاريخي في تقريب شقة الخلاف ورفع الوعي، وانتهاج الحيادية والاستقلالية، ضماناً لتضميد كل الجروح.

يعتمد العسكر على السيطرة على القوات النظامية، من جيش وشرطة ودعم سريع وجهاز مخابرات، كعامل قوة

ومهما جاءت التحركات لتقريب المسافات البعيدة، بين العسكر والمدنيين، فإن أحزاباً رئيسية وشريكة في الحكم، مثل "المؤتمر" السوداني، أصدرت بيانات صريحة وواضحة برفض أي دعوات للتفاوض مع المكون العسكري في مجلس السيادة، مشددة على واجب إسقاط الانقلاب العسكري وإلغاء الطوارئ وتسليم السلطة كاملة للمدنيين، وتسليم جميع أعضاء المجلس العسكري الانقلابي لمحاكمات عاجلة وفورية بتهمة الانقلاب وتقويض السلطة الانتقالية، وهو ذات الموقف الذي اتخذه تجمع المهنيين السودانيين، ولجان المقاومة وكيانات أخرى.
وتستند الأحزاب الرافضة للتفاوض مع العسكر على صوت الشارع، الذي أعلن القطيعة مع العسكر في مواكب 21 أكتوبر/تشرين الأول قبل الانقلاب، ومواكب 30 أكتوبر بعد الانقلاب، وكلاهما يضع موازين القوى، حسب تقدير الكثيرين، لصالح المكون المدني، الذي يراهن أيضاً على العزلة الدولية التي واجهها الانقلابيون على مستوى الدول المؤثرة، والمنظمات الإقليمية والدولية، وتدعو جميعها إلى عودة الحكم المدني وحكومة حمدوك. ووجد حمدوك نفسه محاطاً بزخم شعبي هو الأكبر منذ توليه السلطة في أغسطس/آب 2019، وتحول أخيراً إلى مركز إجماع عام، ما قاد الانقلابيين إلى خطب وده من جديد، والطلب منه مواصلة العمل معهم كرئيس وزراء، لكن بموجهات العسكر الانقلابية وهو ما رفضه حمدوك جملة وتفصيلاً. ومن المؤكد أن ذلك الزخم سيصب لصالح المكون المدني ككل حال الدخول في أي عملية تفاوضية.
من جهة العسكر، يتم الاعتماد على السيطرة على القوات النظامية، من جيش وشرطة ودعم سريع وجهاز مخابرات، كعامل قوة، بالإضافة إلى عنصر قوة سياسية، أساسه مجموعة أحزاب "الميثاق الوطني"، وبعضها منشق من تحالف "الحرية والتغيير" وأخرى تشكلت مؤخراً وثالثة "مجهولة الهوية". وكانت تلك الأحزاب قد هيأت المناخ للانقلاب، بتنظيم اعتصام محيط القصر الرئاسي، وبعضها يدافع عما جرى في وسائل الإعلام، بالإنابة عن العسكر. لكن المجموعة ذاتها تعرضت لهزة برفض بعضها للانقلاب بالشكل الذي أعلنه البرهان، مثل حزب البعث السوداني وكيان الشمال (وهو كيان جهوي لشمال السودان يرأسه محمد سيد أحمد، كان أنشئ قبل سنوات بواسطة عدد من أبناء شمال السودان، لكن بعد توقيعه على اتفاق السلام وجد معارضة من كثير من أبناء الشمال بحجة أنه لا يمثلهم).

المساهمون