انفجار مرفأ بيروت: تمرّد 4 مدعى عليهم برفض المثول أمام المحقق وشخصيات سياسية وأمنية ستنضم للائحة

16 ديسمبر 2020
المحقق العدلي سيدعي على المزيد من الشخصيات السياسية والأمنية (حسين بيضون/ العربي الجديد)
+ الخط -

تستمرّ المواجهة بين المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، القاضي فادي صوان، والمدعى عليهم بجرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص، في ظلّ التمرّد على القرارات القضائية بذرائع الدستور والأصول القانونية التي يلجأ إليها الأفرقاء السياسيون استنسابياً تبعاً للحاجة التي تخدم مصالحهم.

وعلم "العربي الجديد" أن وزير المال اللبناني السابق النائب علي حسن خليل، ووزير الأشغال العامة والنقل السابق النائب غازي زعيتر، لم يمثلا اليوم الأربعاء أمام القاضي فادي صوان، الذي ادعى عليهما، إضافة إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، ووزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، بجرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص، الأمر الذي دفع القاضي صوان الى إرجاء جلسة الاستجواب إلى 4 يناير/ كانون الثاني المقبل.

وقال علي حسن خليل، لـ"العربي الجديد": "لم أمثل اليوم أمام القاضي صوان لأني لم أتبلغ وفق الأصول القانونية، في منزلي أو من خلال مجلس النواب".

كذلك، قال مصدر مقرّب من زعيتر، لـ"العربي الجديد"، إنّ الأخير لن يحضر أو يمثل أمام المحقق العدلي، وهو يمارس كالمعتاد نشاطه واجتماعاته في مكتبه. وبالتواصل مع زعيتر أكد لـ"العربي الجديد" أنّه تقدم والنائب حسن خليل، عبر وكلائهما القانونيين، بطلب لنقل الدعوى من القاضي صوان إلى قاضٍ آخر لوجود ارتياب مشروع، وعدم حيادية المحقق العدلي. في الإطار، يؤكد مصدر قانوني صعوبة هذه الخطوة لأن المحقق العدلي يعيّن بموجب مرسوم من مجلس الوزراء.

في المقابل، تؤكد مصادر دياب، لـ"العربي الجديد"، أنه لم يتخذ قراره حتى الآن بالمثول أمام صوان، بعد رفضه الاستماع إليه أول من أمس الاثنين في السرايا الحكومية، علماً أنّ دياب يمارس نشاطه بشكل عادي في دارته في تلة الخياط ببيروت.

 

هذه الذرائع يضعها مصدر قضائي متابع للملف في خانة "التهرّب من المسؤولية، والخوف من الانكشاف". ويعتبر المصدر أنّ "رفض المدعى عليهم المثول أمام القاضي صوان يؤكد أننا في شريعة غاب لا دولة قانون ومؤسسات، ويدل على أنهم يخشون على صورتهم وأرضيّتهم التي ستهتزّ في حال إدانتهم، إذ سيخسرون عندها كل شيء، من هنا أهمية حضورهم إذا كانوا متأكدين من براءتهم، وعليهم التسلّح بذلك، والذهاب إلى المحقق العدلي بخطى ثابتة وواثقة. أما القاضي صوان، فعليه أن يبتعد عن مبدأ الادعاء على دفعات، ولا يستثني أي مسؤول من ادعاءاته".

من جهته، أعلن فنيانوس أنه سيواجه على طريقته وبتوقيته الادعاء، باعتباره محامياً ولا حصانة نيابية له، بعكس المدعى عليهما حسن خليل وزعيتر، وقراره يتخذه منفرداً. وقالت أوساطه إنّ الوزير السابق توجه إلى قصر العدل أمس الثلاثاء للمثول أمام القاضي صوان، لكنه لم يبلغ رسمياً بأن المحقق العدلي أرجأ الجلسة.

 مصادر دياب: لم يتخذ قراره حتى الآن بالمثول أمام صوان، بعد رفضه الاستماع إليه أول من أمس الاثنين في السرايا الحكومية

 

في السياق، أكد مصدر مقرّب من القاضي صوان، لـ"العربي الجديد"، أن "المحقق العدلي سيدعي على المزيد من الشخصيات السياسية والأمنية، تباعاً، وهو سيستمع إلى عدد من الرؤوس الأمنية الكبيرة في الملف بصفة شهود".

وعقب اجتماع هيئة مجلس النواب اليوم، قال نائب رئيس البرلمان إيلي فرزلي، "تبلغنا رسالة القاضي صوان ولكننا اتخذنا القرار بعدم نشرها احتراماً للقضاء وحتى يقوم بواجبه على أكمل وجهٍ"، لافتاً إلى أن الهيئة أرسلت رسالة إلى المحقق العدلي "بانتظار أن يأتينا جواب يتضمّن الملف الذي يحمل الشبهات الجدية حتى يبنى على الشيء مقتضاه".

ولفت فرزلي إلى أنه "قد يكون سها عن بال القاضي صوان أن يبيّنَ الاتهامات والشبهات الجدية التي تعلّقت بالذين وردت أسماؤهم بالرسالة التي تبلغناها، وبعض الأسماء لم تذكر على الرغم من أنها وردت ضمن تلك التي اعتبرها المحقق العدلي مسؤولة، وهم كل الوزراء ورؤساء مجلس الوزراء منذ عام 2013 وحتى عام 2020".

ويشرح مدعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي، لـ"العربي الجديد"، أن "التبليغ أصولاً يكون إما شخصياً باليد، أو في منزل المدعى عليهم بواسطة أحد أفراد عائلتهم، أو العاملين فيه، وكذلك لصقاً، سواء عند باب المنزل أو ساحة البلدة، أو المختار".

من جهة ثانية، يوضح ماضي أنّ "المدعى عليه في حال لم يحضر أمام القاضي في المرّة الأولى، يمكن للأخير أن يدعوه مرّة ثانية أو ثالثة بالطريقة نفسها، وإذا لم يحضر فهذا يدل على وجود نيّة بعدم الحضور، إلا في حال اعتذر المدعى عليه بعد تبليغه وقَبِلَ القاضي عذره، عندها لا يمكن اعتبار أنه تخلّف عن الحضور".

ومن الخطوات التي يمكن أن يلجأ إليها القاضي صوان، يقول ماضي، "إصدار مذكرة إحضار تبلغ إلى الضابطة العدلية، وتنفذ بواسطة الدرك أو الشرطة، التي عليها أن تجلب المدعى عليه قبل 24 ساعة من موعد الجلسة". 

وفي وقتٍ أعلن وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي أنه لن ينفذ أي قرار قضائي في حال صدر بتوقيف المدعى عليهم، يؤكد ماضي أنّ "الضابطة العدلية هي تحت إمرة النائب العام، وللدرك أو الشرطة تنفيذ القرار حتى لو رفض وزير الداخلية ذلك، والذي عندها سيتحمل مسؤولية قراره وتمكن ملاحقته".

كذلك يمكن للقاضي صوان أن "يلزم المدعى عليهم بدفع غرامة مالية لعدم الحضور". أما الخيار الآخر والأصعب، فيكون بـ"إصدار مذكرة توقيف غيابية"، يقول ماضي.

ولفت مدعي عام التمييز السابق إلى أنّ هذه الخطوات تأتي في إطار التسلسل المنطقي، الذي هو في الوقت نفسه غير ملزم، بمعنى أن إجراءات القاضي استنسابية، مثلاً له أن يصدر مذكرة التوقيف من دون أن يصدر مذكرة إحضار.

وعن احتمال تنحي القاضي صوان، يضع ماضي هذه الخطوة إن حصلت، في دائرة "انكسار القضاء"، ويشدد على أنّه "بذلك تنكسر الدولة بجميع مؤسساتها، وتضيع حقوق الناس والضحايا وكلّ الخسائر التي منيَ بها لبنان وبيروت من جراء الانفجار"، مؤكداً: "يجب أن ينتصر القضاء مهما كانت الاعتبارات والأسباب والدوافع، وممنوع للقضاء أن ينكسر، من هنا أتمنى على صوان عدم الانسحاب أو التنحي، فهذه جريمة العصر، واللبنانيون يريدون معرفة الحقيقة، وهم حكماً سيقفون إلى جانبه لتقديم الدعم اللازم له لمواجهة كل الضغوطات ومتابعة الملف حتى النهاية".

 

من جهته، يقول علي مراد، الأستاذ الجامعي والناشط السياسي في مجموعة "عامية 17 تشرين"، لـ"العربي الجديد"، إن المشكلة الأساسية تكمن في المسؤولية السياسية لا الإدارية التفصيلية، أو التقنية أو البيروقراطية، وفي عجز المنظومة السياسية عن إيجاد حلّ لمواد نترات الأمونيوم الموجودة في مرفأ بيروت طوال هذه السنين، قبل حصول الجريمة، رغم التحذيرات والمراسلات بشأنها، وعلى القضاء أن يتصدّى لها"، مشيراً إلى أنّ "رفض مثول المدعى عليهم أمام القاضي صوان هو هروب من المسؤولية السياسية، دائماً يقوم به أهل السياسة، حتى في الملفات الاقتصادية، لا أحد يقرّ أو يعترف بتحمل مسؤولية انهيار البلد مالياً ونقدياً ومعيشياً".

ويرى مراد أن "كل من يضع الادعاء في دائرة الاستهداف السياسي، ويلجأ إلى محاولات التطييف، وحماية موقع الرئاسة الثالثة، يقوم بخطوات استباقية لحماية نفسه"، مشيراً إلى أنّ "السلطة السياسية تنتهك بشكل فاضح القانون، وعلى المدعى عليه أن يذهب إلى التحقيق عند استدعائه ويدافع عن نفسه إذا كان واثقاً من براءته وعدم مسؤوليته عن الانفجار، وإلا فيكون بمثابة فار وهارب من وجه العدالة".

ويقول مراد: "لن يقدر أحد على إقفال ملف انفجار مرفأ بيروت، وعلى القضاء أن يتحمل مسؤوليته ويكون القاضي صوان صوت الناس ليحصل على الحماية الشعبية التي تمكّنه من الذهاب بعيداً في القضية، أما المظلات الطائفية، فهدفها حماية رؤوس أشخاص آخرين يمكن أن تطاولهم الادعاءات في مراحل مقبلة، وهم يعتبرون أنفسهم فوق المحاسبة، من هنا يتلطون خلف حسان دياب".

المساهمون