انتخابات مجلس الشعب التابع للنظام السوري: إقبال ضعيف وعدم اكتراث شعبي

16 يوليو 2024
صندوق اقتراع في أحد مراكز التصويت بدمشق، 15 يوليو 2024 (رويترز)
+ الخط -

انعكست الظروف المعيشية المتردية والأوضاع الأمنية والسياسية التي تعيشها سورية، على انتخابات مجلس الشعب التابع للنظام السوري، التي جرت أمس الاثنين، حيث غاب الإقبال في ظل اقتناع القاطنين في مناطق سيطرة النظام بعدم جدوى الإدلاء بأصواتهم بسبب معرفتهم بطرق وصول أعضاء المجلس إلى قبته، وذلك من طريق التزكية الحزبية أو الأفرع الأمنية.

وشهدت بعض المحافظات التي تضمّ مناطق معارضة داخلها، ولا سيما درعا والسويداء، عمليات مقاطعة علنية وصلت إلى الدفع إلى إغلاق بعض مراكز الانتخاب ومهاجمة أخرى. وفتحت مراكز الاقتراع البالغ عددها 8151 مركزاً في مناطق سيطرة النظام السوري أبوابها في ظل تشديدات أمنية عند الساعة السابعة صباحاً بالتوقيت المحلي، وأغلقت عند الساعة السابعة مساءً، بمشاركة 1516 مرشحاً لنيل العضوية في مجلس الشعب المكون من 250 مقعداً تظل معظمها محجوزة لحزب البعث وحلفائه.

دمشق

في العاصمة دمشق وجد بعض الشبان من معدومي الدخل فرصة في الانتخابات، ليكونوا مندوبين لدى المرشحين، لتحصيل عائد مالي لقاء هذا العمل ليوم واحد. وقالت الناشطة الإعلامية بصمة وفا إنها تابعت قبل اليوم دورتين لانتخابات مجلس الشعب في دمشق بحكم إقامتها، ولاحظت في هذه الدورة العديد من التغييرات عن الدورتين السابقتين، أبرزها أن المراكز التي زارتها في إحدى الوزارات، كان عدد المندوبين فيها أكثر من عدد الناخبين الذين أتوا خلال ساعتين من الانتظار. وأوضحت في حديث لـ"العربي الجديد" أنها شهدت أن كل مندوب (وهو حكماً موظف في الوزارة) ينال في هذا اليوم قدر راتبه الوظيفي، بين 300 ألف و500 ألف ليرة سورية، وهي فرصة لهم لتحسين وضعهم المادي المتدهور.

أما الملاحظة الثانية، وفق وفا، فتتمثل بأن المستقلين في العادة (رجال أعمال في الغالب)، كانوا يضخون بشكل كبير في الدورات السابقة المال والهدايا لشراء الأصوات، لكن خلال هذه الدورة، حتى الإعلانات بدت قليلة، والبذخ محدود، وكأن المستقلين حسموا أمورهم منذ أشهر. وأشارت إلى أن الناخبين لم يكونوا متحمسين بشكل عام للذهاب إلى الصناديق عدا المجبرين على ذلك، ولا سيما الموظفون، محذرة من أن "سكان مدينة دمشق وضواحيها في حالة غليان كلي، ويحتاجون لشرارة حتى ينفجروا، خصوصاً أن العجز وصل إلى مياه الشرب، فلماذا ينتخبون؟".

اللاذقية

في محافظة اللاذقية، أقصى الشمال الغربي من البلاد، أشار معتصم العلي من منطقة الصليبة داخل مدينة اللاذقية مركز المحافظة، إلى أن الإقبال لم يكن بمستوى الدورات السابقة، قائلاً لـ"العربي الجديد": "في ظل التطورات الاقتصادية الحاصلة يئس الناس وفقدوا الأمل بأعضاء مجلس الشعب وفاعليتهم"، مضيفاً: "يجب أن لا نلوم الناس الذين لم يؤدوا استحقاقهم الانتخابي، في ظل المعيشة التي لا تسمح لهم بهجر أعمالهم لأي سبب".

أما سعيد ج. من مدينة اللاذقية، الذي رفض الإفصاح عن كنيته لدواعٍ أمنية، فقد أكد أن معظم الناخبين يجبرون على التصويت تحت وطأة التهديد بالفصل التعسفي إن كانوا موظفين، أو الاعتقال إن كانوا مدنيين، لذلك لا حيلة لهم سوى الخضوع والإدلاء بأصواتهم صاغرين، وأضاف ساخراً: "حتى إن لم تقم بالتصويت سيصوتون عنك، ما أجمل الديمقراطية في بلادنا!".

طرطوس

في محافظة طرطوس، غربي البلاد، التي تعتبر معقلاً للحاضنة الشعبية للنظام، فقد شهدت صناديق الاقتراع "إقبالاً مقبولاً"، بحسب حسن منصورة، أحد أبناء المحافظة، الذي أضاف لـ"العربي الجديد" أنه رغم حالة التململ العامة لدى الغالبية العظمى لعدم جدوى الانتخابات، إلا أنّ المواطنين في منطقته ملتزمون أوامر القيادة و"البعث"، وأردف: "قد يخرج من بين هؤلاء المرشحين أحد يكون صوتاً لنا". أما علي الشعار (اسم مستعار لناشط من طرطوس)، فيرى أن انتخابات مجلس الشعب لا تعدو كونها "مسرحية هزلية رخيصة"، بحسب وصفه.

وتساءل الشعار في حديث لـ"العربي الجديد": "ما الفائدة إذا كان الشعب مقتنعاً بمقولة ’فينا وبلانا ناجحين’، وأنه لا فائدة من المقاطعة"، في إشارة منه إلى أنّ أعضاء مجلس الشعب سيُختارون سواء صوّت السوريون أو لا. وأضاف أن ناشطين حاولوا في الأيام الماضية الدعوة إلى مقاطعة الانتخابات، لكن الاحتياطات التي اتبعتها الأجهزة الأمنية حالت بينهم وبين مساعيهم تلك، ما أثار مخاوفهم من حدوث عمليات اعتقال. وأوضح في هذا الصدد: "جميع السوريين يدركون كمّ الترهيب الذي يُمارَس بحقِّ أبناء الساحل المعارضين، والذي يزيد بأضعاف عن كميته مع الفئات السورية الأخرى".

حمص

أما في محافظة حمص، وسط سورية، التي كانت معقلاً للثورة والحراك ضد النظام، فشهدت مراكز الانتخاب "إقبالاً خجولاً"، وفق ما شاهد عبد الحميد ق. الذي طلب إخفاء كنيته لدواعٍ أمنية، مضيفاً: "إلا أن دعوات أطلقها الحزبيون عبر مكبرات الصوت حثت سكان الأحياء والمناطق الموالية للنظام على التوافد للإدلاء بأصواتهم، فيما ذهب مندوبو بعض المرشحين مذهباً آخر ليجمعوا بطاقات الناخبين من المنازل". ولفت عبد الحميد إلى أن الأحياء التي يقطنها معارضون، اكتفت فقط بافتتاح مراكز متواضعة وبعدد قليل، لكنها لم تشهد ذلك الإقبال الكبير، بينما استخدم مرشحون عسكريون، كالمدعو خير الله عبد الباري، أحد القادة العسكريين في مليشيا الحرس الثوري الإيراني، سلطته لنقل عناصر عسكريين يعملون تحت إمرته بباصات للتصويت له، مقابل مكافأة مالية مقدارها 20 ألف ليرة سورية (الدولار=  حوالى 14800).

السويداء

في محافظة السويداء جنوبيّ سورية، التي تشهد حراكاً ضد النظام منذ أشهر، فقد شهدت تصعيداً غير مسبوق في الحراك الشعبي الرافض لانتخابات مجلس الشعب، تخللته مواجهات بين المتظاهرين وعدد من المسؤولين في أثناء توجه وفد حكومي للاقتراع في مجلس المدينة بالقرب من ساحة الكرامة. ومنع متظاهرون آخرون في عدة بلدات بالسويداء إجراء الانتخابات ووصول الصناديق، وقالوا عبر لافتات رفعت إن الانتخابات هذه لا تمثل اختيارات السوريين. كذلك امتدت تلك الاحتجاجات إلى محافظة درعا المجاورة للسويداء، وهي مهد الثورة على النظام.

في الشمال الشرقي من البلاد، الذي تسيطر على معظمه "الإدارة الذاتية" الكردية، وذراعها العسكرية "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وتحديداً في محافظات الحسكة والرقة ودير الزور، فقد جرت الانتخابات في المربعات الأمنية التي لا تزال تحت سيطرة النظام وسط السيطرة الكردية، وذلك وسط مقاطعة "الإدارة الذاتية" للانتخابات. وقال الناشط محمد جلود، لـ"العربي الجديد"، إن "قسد قاطعت الانتخابات، لكنها لم تمنعها"، لافتاً إلى أن المناطق التي شهدت الانتخابات هي المربع الأمني في الحسكة، وبعض قرى الريف الجنوبي لمدينة القاملشي التابعة للحسكة.

المساهمون