كان الأحرى بجماعة الحوثيين أن تعلن الإفراج عن الصحافيين المعتقلين ظلماً في سجونها منذ 7 سنوات وفك الحصار عن مدينة تعز، أو حتى الكشف عن مصير السياسي المخفي قسرياً محمد قحطان، الذي لا تعرف أسرته إن كان على قيد الحياة أم لا، بدلاً من تقمّص دور الأمم المتحدة وطرح مبادرة سلام، لا أثر فيها للسلام والنوايا الحسنة.
التحركات الصادقة لإنهاء معاناة اليمنيين تستحق التقدير بغض النظر عن هوية الجهة التي تقوم بها، لكن المبادرة التي أعلن عنها القيادي الحوثي مهدي المشاط، في مستهل أول أيام العام الثامن للحرب اليمنية، وحدد صلاحيتها بمدة ثلاثة أيام، ابتداءً من مساء أول من أمس الأحد، لا معنى لها سوى أن انتهاكات الحوثيين قد امتدت إلى مبادرات السلام أيضاً.
لا تعاني الأزمة اليمنية من فقر في الحلول حتى يجتهد الحوثيون بصناعة مبادرة قصيرة المدى قابلة للتطوير على غرار طائراتهم المسّيرة، بل من تخمة في المبادرات والرؤى التي لم تجد طريقها للتنفيذ، منذ المبعوث الأممي الأول جمال بن عمر وحتى الرابع هانس غروندبرغ.
جميع المبادرات المقدمة في جنيف والكويت وصنعاء والرياض ومسقط، بما فيها تلك التي طرحتها السعودية قبل عام، لم يتم التعاطي معها بروح المسؤولية، وتم تشييعها واحدة تلو أخرى.
التصلّب المبالغ به ورفع سقف الشروط المسبقة من أجل تحقيق انتصارات سياسية لتعويض إخفاقات الميدان، جعل من اليمن مقبرة واسعة للمبادرات، وليس للغزاة كما تقول الروايات التاريخية.
لكن ما يثير الدهشة، هو أنه في وقت تقزّمت فيه طموحات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي إلى حد إقناع طرفي الحرب بمجرد هدنة إنسانية تزامناً مع حلول شهر رمضان قد تشمل بعض المعالجات الإنسانية، ارتفعت طموحات جماعة الحوثيين إلى درجة الاعتقاد بأنها جديرة بتقديم مبادرة سلام شاملة.
الجماعة التي رفضت كافة المبادرات الأممية والدولية وتدير ظهرها للمبعوث غروندبرغ منذ 6 أشهر، امتلكت الجرأة وعرضت مبادرة سلام، بل وتعتقد أن السعودية ستوافق عليها خلال 3 أيام، على الرغم من أن الجماعة رفضت مبادرة الرياض قبل عام، ورفضت قبل أيام دعوة مجلس التعاون الخليجي للانضمام إلى المشاورات التي تنطلق اليوم الثلاثاء، قبل أن تمطر أراضي المملكة بعشرات الصواريخ وتحرق 5 ملايين برميل نفط.
إذا كان الحوثيون يتطلعون حقاً للسلام، فعليهم أولاً محاكمة الشخص الذي وسوس لهم بتقديم المبادرة، وجعلهم محط سخرية الجميع بتقديم رؤية سلام لم يرحب بها سوى برلمان صنعاء غير المعترف به دولياً وبعض الأحزاب التي فرختها الجماعة، والتعهد بعدم إطلاق أي مبادرات ولو على مستوى محلي.
لا توجد مبادرات سلام تسعى لفرض الإملاءات التي تم العجز عن فرضها عسكرياً، كما هو الحال في مسألة وقف معركة مأرب المشروطة بتطبيق النقاط التسع، ولا يمكن بأي حال أن تتحول صناعة السلام إلى عمل طفولي بإطلاق مبادرة حوثية رداً على المبادرة السعودية، بهدف تسجيل مواقف فقط.
الظروف المزرية التي وصل إليها اليمنيون ليست مسرحاً للمقامرة، والبلد المنكوب ليس حقل تجارب للمبادرات الطائشة سواء من جانب الحوثيين أو السعودية.
والأهم من ذلك أن أطراف الحرب الرئيسية لا يجوز لها تقديم مبادرات سلام تسعى لتوظيفها سياسياً للالتفاف على خصومها وتحقيق ما عجزت عنه الحرب. دورها يقتصر على عدم التشويش على التحركات الدولية والموافقة على وقف إطلاق النار، ثم الجلوس مع باقي الفرقاء لمناقشة كيفية التكفير عن الانتهاكات وترميم الندوب الغائرة التي حفروها في وجوه 30 مليون نسمة منذ 7 سنوات.