أثار إعلان "ألوية العمالقة" المدعومة من الإمارات في اليمن، إعادة تموضعها وإنهاء العملية العسكرية التي تكلّلت باستعادة مديريات بيحان وعسيلان وعين غربي شبوة، جنوب شرقي اليمن، وكذلك مديرية حريب جنوبي مأرب، الكثير من الجدل بشأن مستقبل المعارك ضد جماعة الحوثيين في محافظة مأرب الغنية بالنفط شمالي اليمن، والتي يحاول الحوثيون السيطرة عليها منذ عامين.
دور "العمالقة" في معركة مأرب
وبدأت تحركات الحوثيين للتقدم نحو مأرب مطلع عام 2020 من جبال نهم شرقي صنعاء، مستفيدين من هدنة غير معلنة مع التحالف بقيادة السعودية، توقفت خلالها الضربات الجوية التي تستهدف الجماعة في مناطق سيطرتها، في محافظات يمنية هي الأهم لتحركات الجماعة عسكرياً، لتبدأ الأخيرة بشنّ هجمات دامية استمرت حتى أواخر 2021.
ومطلع العام الحالي، أطلق التحالف السعودي عملية عسكرية لاستعادة مديريات شبوة الثلاث، ومديريات جنوبي مأرب، بمشاركة أربعة ألوية من قوات "العمالقة" التي جرى نقلها من الساحل الغربي، في عملية "إعادة التموضع" الشهيرة إلى مدينة عتق مركز محافظة شبوة، أواخر العام الماضي.
وصلت قوات "العمالقة" في أبعد مدى لها، إلى منطقة الجفرة، أولى قرى مديرية العبدية في مأرب
ومثّل دخول "ألوية العمالقة" تحولاً مهماً في مسار المعركة ضد الحوثيين الذين تحوّلوا من الهجوم إلى الدفاع، وتلقوا انتكاسات متكررة بتحرير المديريات الأربع، ما مكّن القوات الحكومية في مأرب من التقاط أنفاسها وشنّ عمليات هجومية لاستعادة مواقع كانت خسرتها أخيراً في الجبهة الجنوبية للمحافظة.
ووصلت قوات "العمالقة" في أبعد مدى لها على الأرض، إلى منطقة الجفرة، أولى قرى مديرية العبدية، أقصى جنوبي مأرب، التي سيطر عليها الحوثيون في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعد حصارها لنحو شهر.
وكان خط سير المعركة التي تنفذها "ألوية العمالقة" يشير إلى أنها ستتجه إلى مديرية ماهلية، لقطع خط الإمداد الرئيسي للحوثيين الذي يغذي كامل الجبهة الجنوبية لمأرب عبر محافظة البيضاء.
إعادة تموضع في شبوة
وبشكل مفاجئ، أعلنت "ألوية العمالقة"، مساء الجمعة الماضي، أنها "استكملت عملية إعصار الجنوب والتي تكللت بتحرير مديريات بيحان في محافظة شبوة ومديرية حريب في محافظة مأرب"، وبناء على ذلك، تم تنفيذ عملية بإعادة تموضع لقواتها في محافظة شبوة، و"بدأت بنقل ألويتها إلى عرينها بجهوزية عالية".
أثار قرار "ألوية العمالقة" الكثير من التكهنات. ففي حين ذهبت بعض الآراء إلى اعتبار ذلك رضوخاً من الإمارات للتهديدات الحوثية لها بسحب القوات التي تدعمها من جنوبي مأرب مقابل وقف الهجمات الجوية على أبوظبي، كان بعضها الآخر يؤكد أن الانسحاب لا يطاول القوات كافة.
وقال مصدر عسكري في الجيش اليمني، وآخر ميداني في مديرية حريب، لـ"العربي الجديد"، إن الجزء الأكبر من قوات "العمالقة" لا يزال يرابط عند خطوط النار التي وصلت إليها في مديريتي حريب والعبدية (مأرب)، ويقوم بمهام الاشتباك الروتيني، إلا أن هذه القوات توقفت عن تطوير الهجوم والعمليات في الوقت الحالي، بانتظار تعليمات جديدة من قيادتها العامة والتحالف العربي.
ورجّح المصدر العسكري ألا تخلي قوات العمالقة مواقعها، وأن تظل حاضرة في المعركة الأوسع التي يتم الإعداد لها من قبل التحالف.
من جهته، قال ركن التوجيه المعنوي في "اللواء الأول عمالقة"، صالح العكمي، في تسجيل صوتي منسوب له، إنهم "ما زالوا في مواقعهم يهاجمون"، مؤكداً أن "الجبهات مشتعلة".
وأضاف العكمي، نافياً الأخبار التي تحدثت عن انسحاب: "أن يعود إلى عدن خمسة أطقم (عربات) أو عشرة أو حتى مائة، هذا لن يؤثر شيئاً في القوة، فالقوة كبيرة جداً والتخفيف منها أحياناً مطلوب".
كما نقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول في "ألوية العمالقة" لم يكشف عن هويته تأكيده أن "القوة التي أعادت التموضع لم تترك الجبهات، وانما بدأت بوضع تحصينات دفاعية لصد أي هجمات عسكرية للحوثيين".
وسارع ناشطون محسوبون على المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، إلى الحديث عن توقف المعركة، وأنهم كجنوبيين معنيون فقط بتحرير المحافظات الجنوبية، فيما لم تصدر أي تعليقات من هذا القبيل من المحسوبين على "العمالقة" أو مركزها الإعلامي.
وتعتمد قوات "العمالقة"، التي يشكل المحسوبون على التيار السلفي النسبة الأكبر من قوامها، على تقليل الحديث الإعلامي، مكتفية ببلاغات مقتضبة خلال تنفيذها للعمليات من خلال المركز الإعلامي التابع لها. وليس لـ"ألوية العمالقة"، حالياً، متحدث باسمها، خصوصاً في معارك شبوة ومأرب.
في الأثناء، تدور أنباء عن تكليف الشيخ عبد الهادي القبلي، بتشكيل وقيادة "اللواء الرابع عمالقة"، كأول لواء للسلفيين في محافظات شمالي اليمن. والقبلي، هو نجل الشيخ عبد اللطيف القبلي المرادي، الذي يشرف على مجموعات من المقاتلين السلفيين، وكان منزله جنوبي مأرب هدفاً لهجوم دام للحوثيين أواخر أكتوبر الماضي.
وكان وزير الدفاع اليمني محمد المقدشي، صرّح يوم الأربعاء الماضي، خلال زيارته الجبهة الجنوبية في مأرب مع كبار قادة الجيش، أن "قوات الجيش والمقاومة الشعبية سوف تلتحم قريباً بقوات العمالقة لاستكمال تحرير ما تبقّى من مأرب والانتقال إلى المحافظات المجاورة"، مُرجعاً ما تحقق إلى "التلاحم الوطني ووحدة الصف الجمهوري".
وتشهد جبهة مأرب الجنوبية معارك مستمرة، أحرز خلالها الجيش اليمني والمقاومة تقدماً في صحراء البور والفليحة والردهة القريبة من مديرية الجوبة للالتفاف على جبال البلق الاستراتيجية من الجهة الشرقية الجنوبية، فيما تقوم بعض وحدات الجيش بتحضيرات للانضمام إلى المعركة، بحسب مصادر ميدانية في مأرب تحدثت لـ"العربي الجديد".
خسائر كبيرة للحوثيين
وحول أثر الخطوة التي قامت بها "ألوية العمالقة" على جبهات مأرب، أكد الخبير العسكري اليمني، العميد ركن محمد الكميم، لـ"العربي الجديد"، أنها كانت ذات أثر إيجابي وواضح.
وأضاف: "رأينا أنه بمجرد تحرك الأرتال العسكرية من عدن، خفّ الضغط على مأرب، وهي المحافظة التي ظلت تقاوم وحيدة لعامين، وضحّى الحوثيون على أسوارها بـ30 ألف مقاتل".
ولفت الكميم إلى أن "تدخّل العمالقة حوّل المعارك في مأرب من الدفاع إلى الهجوم، واستطاعت قوات الجيش الوطني أن تعيد إدارة المعارك بطريقة أفضل. الآن قوات الجيش والعمالقة على وشك الالتحام جنوبي مأرب".
وأكد الكميم أهمية استمرار العمليات "نظراً للخسائر الكبيرة للحوثيين وعجزهم عن إدارة المعارك وحشد المزيد من المقاتلين، بالإضافة إلى الزخم الهجومي للجيش في مأرب وشبوة، وأيضاً تعز، التي تشكل جبهة عظيمة"، معرباً عن اعتقاده بأنه "لو تحركت (جبهة تعز) بشكل كامل فستشكل النهاية" لجماعة الحوثيين.
تدور أنباء عن تشكيل "اللواء الرابع عمالقة"، كأول لواء للسلفيين في محافظات شمالي اليمن
ونبّه الخبير العسكري اليمني، مما وصفها بـ"الأخطاء السابقة، إذ تتوقف العمليات العسكرية بناء على اتفاقيات لم ينفذ الحوثيون منها شيئاً". وأضاف: "علينا ألا نكرر هذا الآن، ونترك المجال للحوثيين لالتقاط أنفاسهم وترتيب أوضاعهم".
وحول إعادة تموضع القوات، رأى الكميم أن "التموضع كان لقوة فائضة أنهت مهامها في شبوة ومأرب وسلّمت المناطق للجانب الأمني"، معرباً عن اعتقاده بأن القوات المنسحبة "ستتجه لدعم جبهات أخرى"، في إشارة إلى أن جبهات أخرى قد تتحرك خلال الفترة المقبلة.
وكان قائد قوات الدعم والإسناد السعودي للقوات اليمنية يوسف الشهراني وصل إلى مأرب في العاشر من شهر يناير/كانون الثاني الحالي، وعقد اجتماعاً بقادة الجيش ومحافظ مأرب سلطان العرادة، لمناقشة العمليات المقبلة، وزار خطوط النار جنوبي مأرب، في رسالة دعم لقوات الجيش.
وعلى الرغم من أفضلية الوضع العسكري للقوات الحكومية في مأرب، إلا أنها ما تزال تواجه الحوثيين على أكثر من محور بالقرب من مدينة مأرب، سواء من الجهة الشمالية ومحور الجوف، أو من محور الكسارة ورغوان وصرواح، شمال غربي وغربي المحافظة.
وأحدث بيان "العمالقة" إرباكاً لدى الحوثيين، الذين بادر بعض مسؤوليهم إلى اعتباره إعلاناً مخادعاً، في حين عدّه آخرون رضوخاً من قبل الإمارات للتهديدات الحوثية المتكررة بقصف مزيد من الأهداف فيها، كونها المحرك الرئيسي لـ"ألوية العمالقة" في المعارك الأخيرة.
وقال مندوب الحوثيين لدى إيران إبراهيم الديلمي، في تصريحات نقلها إعلام الجماعة، إن ما وصفها بـ"قوى العدوان" أعادت الانتشار سابقاً بهدف "البحث عن إنجاز عسكري على الأرض، واليوم هي تلجأ للمخادعة وإعلان انسحابات وإعلان تموضع في شبوة".
ويبدو أن "ألوية العمالقة" ستكون هدفاً للصواريخ الحوثية حتى بعد إعلان انسحابها من جبهات جنوبي مأرب.
وأول من أمس السبت، أعلن المتحدث العسكري للجماعة، يحيى سريع، استهداف تجمّع لقوات "العمالقة" في مديرية عسيلان غربي شبوة، بصاروخ باليستي، زعم أنه أسفر عن مقتل وإصابة أكثر من 40 عنصراً. لكن مصدراً عسكرياً أكد لـ"العربي الجديد"، مقتل 5 من قوات "العمالقة" فقط، وإصابة آخرين جرّاء الهجوم الصاروخي.