المغرب: مطالب بالتحقيق في اتهامات باستعمال "المال الانتخابي"

01 سبتمبر 2021
تُجرى الانتخابات المغربية في 8 سبتمبر (فاضل سينا/فرانس برس)
+ الخط -

دخلت الاتهامات التي طفت على سطح المشهد الانتخابي في المغرب بشأن استعمال "المال الانتخابي" لاستمالة الناخبين، منعطفاً جديداً، بعدما تقدمت الجمعية المغربية لحماية المال العام، اليوم الأربعاء، بشكوى ضد مجهول إلى رئاسة النيابة العامة، مطالبة بفتح تحقيق معمق في تلك الاتهامات.
وكشف رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، لـ"العربي الجديد"، أن التوجه نحو رئاسة النيابة العامة أملته الاتهامات التي تضمنتها تصريحات صحافية منسوبة لرئيس الحكومة سعد الدين العثماني، أكد من خلالها أن الأموال توزع بشكل كبير خلال الانتخابات الحالية، وكذلك تصريحات ممثلي بعض الأحزاب السياسية الأخرى والتي تنحو المنحى ذاته(حزب الأصالة والمعاصرة- حزب التقدم والاشتراكية).
واعتبر أن "مثل تلك التصريحات وغيرها تزيد المشهد السياسي غموضاً وضبابية"، كما أن الاتهامات التي تضمنتها تشكل مساساً بنزاهة الانتخابات وصدقيتها، وتمس بالمبادئ الدستورية ذات الصلة بالشفافية والتنافس والمساواة، خاصة أنها صادرة عن رئاسة الحكومة والتي أسند لها الدستور والقانون حصراً مهمة الإشراف على كل الجوانب المتعلقة بالانتخابات وضمان إجرائها في شروط قانونية سليمة تضمن التنافس الشريف بين كل المتنافسين"، لافتاً إلى أنه من المفروض أن تكون الحكومة ورئيسها هما من يتصديان لمثل هذه الممارسات التي تشكل ضربا لمصداقية الانتخابات.

ووفق الغلوسي، فإن التزام الصمت إزاء مثل هذه التصريحات والادعاءات الصادرة عن مسؤولين عموميين وسياسيين والاستنكاف عن التدخل وعدم اتخاذ أية إجراءات بخصوصها، من شأنه أن يفهم على أنه يشكل تساهلاً مع الظاهرة، وتشجيعاً عليها ومحاباة للمرشحين المشتبه بأنهم يوزعون الأموال.
ومع بدء العد التنازلي للانتخابات المحلية والجهوية والتشريعية المقررة في الثامن من سبتمبر/أيلول المقبل، برزت اتهامات باستعمال المال لاستمالة الناخبين، فيما بدا مثيراً للانتباه التزام اللجنة المركزية لتتبع الانتخابات ورئاسة النيابة العامة الصمت إزاء تلك الاتهامات.
ولم تتردد بعض الأحزاب السياسية وقياداتها في انتقاد استعمال المال في الانتخابات، موجهة أصابع الاتهام، بشكل مباشر وغير مباشر، إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، الساعي إلى إزاحة الإسلاميين وقيادة الحكومة المقبلة.
ونددت الإدارة المركزية للحملة الانتخابية لـ"العدالة والتنمية"، الأربعاء، بـ"الاستعمال الفاحش للأموال في استمالة الناخبين، وكذا بعض المشرفين على مكاتب التصويت"، وتساءلت عن مصدر تلك الأموال.
وفي وقت سابق، اعتبرت الأمانة العامة للحزب الإسلامي أن هذه "الممارسات المشينة مخالفة للمقتضيات القانونية المتعلقة بتحديد سقف مصاريف الحملات الانتخابية الخاصة بكل اقتراع، والتي تخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين المتنافسين، وتمس بنزاهة ومصداقية العمليات الانتخابية".
من جهته، عبّر المكتب السياسي لحزب "الأصالة والمعاصرة"، أمس الثلاثاء، عن إدانته المطلقة لـ"استفحال ظاهرة المال البشع، وسعي طرف سياسي إلى إغراق الساحة الانتخابية بحجم رهيب من المال والإغراءات المختلفة، إما لاستمالة مرشحي حزبنا وباقي الأحزاب بشكل مباشر، أو لثنيهم عن المشاركة في العملية الانتخابية، في مسّ خطير بمبدأ تكافؤ الفرص والتنافس الشريف".

كما انتقد الأمين العام لحزب "التقدم والاشتراكية" المعارض، محمد نبيل بنعبد الله، استعمال المال في الانتخابات، لافتاً إلى أن حزبه يعول على تصويت المواطنين لمعاكسة "الاستعمال البشع للمال والفساد بشكل لم يسبق له مثيل".
وتعليقاً على اتهامات الأحزاب السياسية لحزب "التجمع الوطني للأحرار" بتوظيف المال في انتخابات قال مصدر قيادي في الحزب، طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخول له بالتصريح للصحافة، لـ"العربي الجديد"، إن "تلك الاتهامات تسيء للتجربة الديمقراطية في المغرب بشكل عام، كما جميع الضمانات والآليات لضبط العملية الانتخابية"، لافتاً إلى أن "مواقف بعض الأحزاب مردها إلى شعورها بالتقدم الكبير الذي يعرفه الحزب حالياً، وإدراكها أن حظوظها الانتخابية باتت مهددة".
وأضاف: "البلاد لها من الآليات والمؤسسات التي تتحمل مسؤولية السهر على نزاهة وسلامة العملية الانتخابية، وأخال أنها لو تبين لها أن تلك الادعاءات حقيقية لتدخلت، لكن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة من البعض للإساءة للحزب وفرملة تقدمه والتأثير على حملته الانتخابية المتميزة".
ويشكل استعمال "المال الانتخابي"، أحد أصعب التحديات التي تواجه الانتخابات البرلمانية والجهوية والمحلية المقبلة، وذلك من خلال شراء الذمم وأصوات الناخبين نقدا أو عينا.
وبحسب رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، فإن استعمال المال في الانتخابات المغربية عملة تكاد تكون رائجة، غير أن التنافس من أجل احتلال المرتبة الأولى التي تكفل لمحتلها قيادة الحكومة وفقا لما ينص عليه الدستور المغربي في الفصل 47 هو الذي أضفى طابع الحدة على الجدل القائم بشأن "المال الانتخابي".

وبرأي أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بالكلية المتعددة التخصصات بتازة، إسماعيل حمودي، في حديث لـ"العربي الجديد"، فإن خطورة استعمال ذلك المال تكمن في وجود محاولة حثيثة لما سماه الأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة"، عبد اللطيف شراء الفصل 47 من الدستور، الذي ينص على أن الملك يعين رئيس الحكومة من الحزب الذي يتصدر نتائج انتخابات مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان)، ما يجعل الأحزاب تتنافس على الظفر بالرتبة الأولى لقيادة الحكومة.
وكان وهبي انتقد في لقاء انتخابي مع مرشحي حزبه بمنطقة أزيلال (وسط) الأحد الماضي، بشدة استعمال المال، وقال إن هناك من يريد "تحويل الفصل 47 من الدستور، إلى موضوع تجاري ومالي"، وهو الأمر الذي اعتبره "إهانة للدستور". ولمح إلى أن هناك من يستعمل المال للظفر بالرتبة الأولى حتى يضمن تعيين رئيس الحكومة منه، في إشارة إلى حزب التجمع الوطني للأحرار. وقال وهبي: "لقد أصبحت خائفاً على الدستور، وعلى المس بالفصل 47، وعلى الديمقراطية بالمغرب".
وبرأي حمودي، فإنه "في حال نجاح الأحرار في مسعاهم ستكون النتيجة مدمرة للعملية السياسية والانتخابية، ما سينعكس على مشروعية الحكومة المقبلة ومنسوب أخلاقياتها السياسية"، معتبراً في حديث مع "العربي الجديد "، أن الجدل القائم حالياً يشكل تحدياً كبيراً للتجربة الديمقراطية في المغرب.
وتنحصر المنافسة في انتخابات 8 سبتمبر بين "العدالة والتنمية"، الذي يراهن على قيادة الحكومة المغربية للمرة الثالثة على التوالي، و"التجمع الوطني للأحرار"، الذي يضع في أولوياته إزاحة الإسلاميين، وحزب "الأصالة والمعاصرة"، الذي لا تخفي قيادته طموحها لتصدّر الانتخابات، وحزب "الاستقلال"، الساعي لاستعادة ماضيه الانتخابي.

المساهمون