تدخل المقاومة الشعبية التي بدأت بعد بناء جدار الضم والتوسع في القرى والبلدات المحاذية للمدن الفلسطينية المحتلة إبان عام النكبة 1948، عامها الثالث عشر كأسلوب جديد للرد على الاحتلال الإسرائيلي، عقب انتفاضتين شعبيتين ثانيهما مسلحة، فيما تميزت الأولى بمقاومتها الشعبية وزخمها الجماهيري الكبير.
مجمل تعريفات المحللين والمراقبين للساحة الفلسطينية تشير إلى أن مفهوم المقاومة الشعبية كإطار جماهيري شعبي واسع، يشمل العصيان المدني، والمقاطعة الاقتصادية والأكاديمية، والاحتجاجات الجماهيرية مثل المسيرات والمظاهرات اليومية والأسبوعية، بالإضافة إلى توسيع حركة التضامن الدولية المطالبة بمنح الشعب الفلسطيني حقوقه، وكسب التأييد العالمي في تقرير مصيره وحريته.
في عام 2011، استطاع أهالي قرية بلعين، أن يستعيدوا 1100 دونم من أصل 2300 دونم، صادرتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لكن القرية، لم تتلق سوى مبلغ بسيط من المال لدعم صمودها من قبل السلطة الفلسطينية، وفق ما قاله رئيس بلدية بلعين باسم منصور لـ"العربي الجديد"، لافتا إلى أن بلدته لم تحصل سوى على 30 ألف دولار من الحكومة الفلسطينية منذ بداية مقاومتها الشعبية، وتعبيد شارع بطول كيلومتر واحد.
ووفق منصور فإن الأراضي التي تمت استعادتها مُدّت فيها شبكات كهرباء ومياه، وتمت إقامة ملعب وكافتيريا وحديقة أطفال فيها، ويجري العمل على إقامة بيوت بلاستيكية فيها، بتمويل من جهات دولية، على الرغم من عدم وجود دور فعال للحكومة والفصائل والقوى العاملة على الساحة الفلسطينية.
وتظهر معطيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (OCHA) إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أتمت في سبتمبر/ أيلول 2017 بناء نحو 65% من مسار الجدار (ما يقارب 460 كم)، وهناك نحو 53 كم أخرى من المسار قيد البناء (ما يقارب 7.5%)، و 200 كم إضافية لم يبدأ بناؤها بعد.
غياب القيادة
الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، اعتبر أن الانقسام السياسي والفكري بين الفصائل الفلسطينية، وغياب القيادة الحقيقية، أدى إلى إفقاد المقاومة الشعبية زخمها الجماهيري، في ظل معاناة مبادرات الشارع الفلسطيني من مشاكل الارتجالية والمناسباتية، وعدم إسنادها سياسياً، خاصة أن السياسة العامة لم تنزل لمستوى الجماهير في المقاومة الشعبية.
وأورد عوض لـ "العربي الجديد" أن السلطة الفلسطينية تحاول أن تجعل من تعريف المقاومة الشعبية يتناسب مع أهدافها بسبب غموض مفهومها وأشكالها، وأن السلطة الوطنية تتوارى وراء طرح غامض وكبير لرفع الحرج عنها، وتنتقي الأداة التي تريد وتستغني عن ما يتعارض مع سياستها، بسبب مساوئ اتفاق أوسلو.
عددٌ من الباحثين والمتفحصين لشؤون المقاومة الشعبية رأوا أن الأخيرة بحاجة لاستراتيجية وطنية موحدة، لتغيير ميزان القوى على الأرض، باعتماد المقاومة الشعبية الشاملة في مواجهة سياسة الضم والتوسع الاحتلالية، وتوسيع حركة المقاطعة وفرض العقوبات على إسرائيل وسحب الاعتراف منها (BDS)، وتحقيق وحدة وطنية حقيقية، وبناء قيادة موحدة لها.
وينتقد منسق تجمع شباب ضد الاستيطان عيسى عمرو طريقة تعاطي السلطة مع المقاومة الشعبية، واحتوائها لها، مما أدى إلى إخراجها عن مضمونها، وقال عمرو لـ "العربي الجديد": السلطة الفلسطينية تقول ولا تتخذ خطوات، وغير معنية بعمل برنامج وطني شامل وجامع وفق استراتيجية موحدة، وهي تريد مقاومة شعبية بدون تعبئة وطنية".
ويرى عمرو أن تنسيق السلطة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي لا يحمي المقاومة الشعبية، بل وفر غطاء لتقويض نتائجها ومخالفة لمفهومها، خاصة أن المقاومة الشعبية أقل ضررا للشعب الفلسطيني بسبب جماهيريتها، ولمنحها قوة وتعاطف دولي وكسب مواقف مناصرة للقضية الوطنية، في الوقت الذي تزيد فيه المقاومة الشعبية خسائر الاحتلال الإسرائيلي.
تبع اتفاقيات أوسلو (1993) توقيع بروتوكول باريس الاقتصادي (1994)، الذي أطر العلاقات الاقتصادية، الفلسطينية الإسرائيلية، ويعتبر مقوضاً حاداً لأهم دعائم الحركة الوطنية الفلسطينية، بما يمثِّله من عقبات أمام قدرة استمرار الشعب الفلسطيني في نضاله، تجد الجانب الإسرائيلي متمسكاً بكل قواه بالاتفاقيات، خاصة أن أوسلو وباريس تضعان الفلسطينيين في مواضع ضعيفة اقتصادية وسياسية.
سطرت بلدة بيت ساحور الواقعة إلى الشرق من مدينة بيت لحم جنوب الضفة المحتلة عام (1988)، نموذجا يحتذى به في المقاومة الشعبية، تمثل في عدم دفع الضرائب لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، ما دفع الاحتلال إلى اقتحام المنازل وكسر أقفال المحلات التجارية وتخريب الأسواق ومصادرة السيارات والأجهزة الكهربائية، واعتقال المئات لكسر مقاومتهم الشعبية.
بعد تلاشي وانحسار المقاومة المسلحة التي رافقت الانتفاضة الثانية، إثر بدء الاحتلال الإسرائيلي في عهد حكومة رئيس وزرائها الأسبق أريئيل شارون ببناء جدار الفصل العنصري، في يونيو/حزيران عام 2002، برزت المقاومة الشعبية بصورة جلية في المظاهرات الأسبوعية التي قادتها بلدتا نعلين وبلعين الواقعتان إلى الغرب من مدينة رام الله.
مشاركة المتضامنين الأجانب أصبحت من أبرز سمات المقاومة الشعبية، فعملوا على ربط أنفسهم بأشجار الزيتون حتى تكون أجسادهم نقاط الدفاع الأولى عن الأشجار التي تحاول الجرافات الإسرائيلية اقتلاعها، وربط مشانق على الأشجار وتعليق أنفسهم عليها، ومسيرات الشموع والحفلات الموسيقية والمباريات الرياضية وحفلات الزواج وغيرها الكثير من الأشكال.
لا تروق فكرة مشاركة النشطاء الأجانب في أساليب المقاومة الشعبية للعديد من المواطنين الفلسطينيين، كونه مجتمعاً محافظاً، كما أن مشاركتهم تثير العديد من الشبهات الأمنية في أوساط المجتمع الفلسطيني، وأدى اختلاطهم إلى تسهيل هجرة الشباب إلى الخارج، ما ألحق الضرر والأذى بالمقاومة الشعبية وسمعة المنخرطين في فعالياتها.
في صيف عام 2015، أثار تعري عدد من النشطاء الأجانب بمحاذاة جدار الفصل العنصري في مدينة بيت لحم، تعبيرا عن رفضهم لجدار الفصل، وتضامنهم مع القضية الفلسطينية، حفيظة المواطنين الفلسطينيين، منددين بهذا العمل الخادش للحياء العام، واعتبروه خارجا عن العادات والتقاليد والدين، ويرفضه المجتمع حتى لو كان نوعا من التضامن مع القضية الفلسطينية.
الناطق الإعلامي باسم اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان في قرية المعصرة محمد بريجية يرى أن المقاومة الشعبية أصبحت أكثر زخماً بمشاركة المتضامنين الأجانب، كونهم يعودون إلى بلدانهم وينقلون ما يرونه على الأراضي الفلسطينية، وهو ما يساهم في دعم المقاطعة لكيان الاحتلال الإسرائيلي وفضح سياساته وجرائمه على الأرض الفلسطينية.
المتضامنون الأجانب المشاركون في مسيرات المقاومة الشعبية ينالون نفس النصيب من التنكيل والاعتداء من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وإصابة العشرات منهم برصاص الاحتلال وغازاته السامة، ومنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي للعديد منهم الحصول على تأشيرات لدخول الأراضي الفلسطينية، عوامل تؤكد مصداقية نواياهم، يضيف بريجية.
بينما يعتبر أمين سر حركة فتح في البلدة القديمة في الخليل مهند الجعبري أن مشاركتهم ألحقت الضرر بالمقاومة الشعبية، وأدت لفقدان شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني الثقة فيها نتيجة مشاركة المتضامنين الأجانب و "الإسرائيليين" في فعالياتها، مطالباً بأن تقتصر مشاركتهم على توثيق انتهاكات الاحتلال والعمل على فضحه أمام شعوبهم وبرلماناتهم.
حصول بعض نشطاء المقاومة الشعبية على وظائف في المؤسسات الحكومية الفلسطينية أضر بنشاطهم الجماهيري، بسبب انشغالهم في وظائفهم، والمفهوم الواسع وغياب البرنامج الموحد للمقاومة الشعبية، يعتبرها الجعبري أسباب أخرى أدت إلى عدم توسع القاعدة الجماهيرية للمقاومة الشعبية.
أثر الربيع العربي
الربيع العربي الذي ما زالت موجاته مستمرة، قد انعكس فعلاً على التجربة الفلسطينية في المقاومة الشعبية بالرغم من مواجهتها بالقمع البوليسي والعصا الأمنية والبلطجة الشوارعية، بالإضافة إلى تجارب غاندي في الهند، ومارتن لوثر كينغ في أميركا، ونيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، نماذج تستلهمها المقاومة الشعبية في فعالياتها.
ارتداء الكوفية الفلسطينية ورفع العلم الفلسطيني، وترديد الهتافات باللغتين الإنكليزية والعبرية ورفع اللافتات التي تطالب بإزالة جدار الفصل وتفكيك البؤر الاستيطانية الإسرائيلية، هي أحد أدوات المتضامنون الأجانب المشاركون بشكل دوري في المسيرات الأسبوعية التي تنظمها المقاومة الشعبية لمناهضة الجدار الفاصل والاستيطان في العشرات من قرى الضفة الغربية المحتلة.
مسؤولة العلاقات الدولية في اللجنة التنسيقية للمقاومة الشعبية منال التميمي تقول لـ "العربي الجديد" إن إنجازات المقاومة الشعبية على الصعيد المحلي بسيطة، وكبيرة في كسب تأييد وتضامن دولي واسع مع القضية الفلسطينية، وقالت: استطاعت المقاومة الشعبية تغيير وجهات نظر العديد من دول أوروبا بصورة خاصة.
التميمي تعتبر زيارات ومشاركات العديد من دبلوماسيي الدول الأوروبية وأعضاء برلمانها، ومشاركتهم في فعاليات المقاومة الشعبية، جزء أساسي من فضح سياسة الاحتلال في مصادرة الأراضي والاستيلاء على مقومات حياة المجتمع الفلسطيني، وتمكين النشطاء الأجانب من نقل الصورة الحقيقية إلى دولهم وبرلماناتهم.
تعددت نماذج المقاومة الشعبية في مختلف الأراضي الفلسطينية، من زبوبا وعانين والطيبة وطورا الغربية في جنين، إلى دير الغصون وعزبة طبيب في طولكرم، وكفر قدوم وجيوس وفلامية وحبلة وعزون في قلقيلية، إلى نعلين وبلعين وبدرس في رام الله، مروراً بالمعصرة وأم سلمونة والولجة في بيت لحم وانتهاء في بيت أمر ويطا في الخليل، بأدوات مختلفة للوصول إلى يوم إنهاء الاستيطان واستعادة الحقوق الوطنية كاملة من أبشع احتلال عرفته البشرية.
مجمل تعريفات المحللين والمراقبين للساحة الفلسطينية تشير إلى أن مفهوم المقاومة الشعبية كإطار جماهيري شعبي واسع، يشمل العصيان المدني، والمقاطعة الاقتصادية والأكاديمية، والاحتجاجات الجماهيرية مثل المسيرات والمظاهرات اليومية والأسبوعية، بالإضافة إلى توسيع حركة التضامن الدولية المطالبة بمنح الشعب الفلسطيني حقوقه، وكسب التأييد العالمي في تقرير مصيره وحريته.
في عام 2011، استطاع أهالي قرية بلعين، أن يستعيدوا 1100 دونم من أصل 2300 دونم، صادرتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، لكن القرية، لم تتلق سوى مبلغ بسيط من المال لدعم صمودها من قبل السلطة الفلسطينية، وفق ما قاله رئيس بلدية بلعين باسم منصور لـ"العربي الجديد"، لافتا إلى أن بلدته لم تحصل سوى على 30 ألف دولار من الحكومة الفلسطينية منذ بداية مقاومتها الشعبية، وتعبيد شارع بطول كيلومتر واحد.
ووفق منصور فإن الأراضي التي تمت استعادتها مُدّت فيها شبكات كهرباء ومياه، وتمت إقامة ملعب وكافتيريا وحديقة أطفال فيها، ويجري العمل على إقامة بيوت بلاستيكية فيها، بتمويل من جهات دولية، على الرغم من عدم وجود دور فعال للحكومة والفصائل والقوى العاملة على الساحة الفلسطينية.
وتظهر معطيات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة (OCHA) إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي أتمت في سبتمبر/ أيلول 2017 بناء نحو 65% من مسار الجدار (ما يقارب 460 كم)، وهناك نحو 53 كم أخرى من المسار قيد البناء (ما يقارب 7.5%)، و 200 كم إضافية لم يبدأ بناؤها بعد.
غياب القيادة
الكاتب والمحلل السياسي أحمد رفيق عوض، اعتبر أن الانقسام السياسي والفكري بين الفصائل الفلسطينية، وغياب القيادة الحقيقية، أدى إلى إفقاد المقاومة الشعبية زخمها الجماهيري، في ظل معاناة مبادرات الشارع الفلسطيني من مشاكل الارتجالية والمناسباتية، وعدم إسنادها سياسياً، خاصة أن السياسة العامة لم تنزل لمستوى الجماهير في المقاومة الشعبية.
وأورد عوض لـ "العربي الجديد" أن السلطة الفلسطينية تحاول أن تجعل من تعريف المقاومة الشعبية يتناسب مع أهدافها بسبب غموض مفهومها وأشكالها، وأن السلطة الوطنية تتوارى وراء طرح غامض وكبير لرفع الحرج عنها، وتنتقي الأداة التي تريد وتستغني عن ما يتعارض مع سياستها، بسبب مساوئ اتفاق أوسلو.
عددٌ من الباحثين والمتفحصين لشؤون المقاومة الشعبية رأوا أن الأخيرة بحاجة لاستراتيجية وطنية موحدة، لتغيير ميزان القوى على الأرض، باعتماد المقاومة الشعبية الشاملة في مواجهة سياسة الضم والتوسع الاحتلالية، وتوسيع حركة المقاطعة وفرض العقوبات على إسرائيل وسحب الاعتراف منها (BDS)، وتحقيق وحدة وطنية حقيقية، وبناء قيادة موحدة لها.
وينتقد منسق تجمع شباب ضد الاستيطان عيسى عمرو طريقة تعاطي السلطة مع المقاومة الشعبية، واحتوائها لها، مما أدى إلى إخراجها عن مضمونها، وقال عمرو لـ "العربي الجديد": السلطة الفلسطينية تقول ولا تتخذ خطوات، وغير معنية بعمل برنامج وطني شامل وجامع وفق استراتيجية موحدة، وهي تريد مقاومة شعبية بدون تعبئة وطنية".
ويرى عمرو أن تنسيق السلطة الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي لا يحمي المقاومة الشعبية، بل وفر غطاء لتقويض نتائجها ومخالفة لمفهومها، خاصة أن المقاومة الشعبية أقل ضررا للشعب الفلسطيني بسبب جماهيريتها، ولمنحها قوة وتعاطف دولي وكسب مواقف مناصرة للقضية الوطنية، في الوقت الذي تزيد فيه المقاومة الشعبية خسائر الاحتلال الإسرائيلي.
تبع اتفاقيات أوسلو (1993) توقيع بروتوكول باريس الاقتصادي (1994)، الذي أطر العلاقات الاقتصادية، الفلسطينية الإسرائيلية، ويعتبر مقوضاً حاداً لأهم دعائم الحركة الوطنية الفلسطينية، بما يمثِّله من عقبات أمام قدرة استمرار الشعب الفلسطيني في نضاله، تجد الجانب الإسرائيلي متمسكاً بكل قواه بالاتفاقيات، خاصة أن أوسلو وباريس تضعان الفلسطينيين في مواضع ضعيفة اقتصادية وسياسية.
سطرت بلدة بيت ساحور الواقعة إلى الشرق من مدينة بيت لحم جنوب الضفة المحتلة عام (1988)، نموذجا يحتذى به في المقاومة الشعبية، تمثل في عدم دفع الضرائب لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، ما دفع الاحتلال إلى اقتحام المنازل وكسر أقفال المحلات التجارية وتخريب الأسواق ومصادرة السيارات والأجهزة الكهربائية، واعتقال المئات لكسر مقاومتهم الشعبية.
بعد تلاشي وانحسار المقاومة المسلحة التي رافقت الانتفاضة الثانية، إثر بدء الاحتلال الإسرائيلي في عهد حكومة رئيس وزرائها الأسبق أريئيل شارون ببناء جدار الفصل العنصري، في يونيو/حزيران عام 2002، برزت المقاومة الشعبية بصورة جلية في المظاهرات الأسبوعية التي قادتها بلدتا نعلين وبلعين الواقعتان إلى الغرب من مدينة رام الله.
مشاركة المتضامنين الأجانب أصبحت من أبرز سمات المقاومة الشعبية، فعملوا على ربط أنفسهم بأشجار الزيتون حتى تكون أجسادهم نقاط الدفاع الأولى عن الأشجار التي تحاول الجرافات الإسرائيلية اقتلاعها، وربط مشانق على الأشجار وتعليق أنفسهم عليها، ومسيرات الشموع والحفلات الموسيقية والمباريات الرياضية وحفلات الزواج وغيرها الكثير من الأشكال.
لا تروق فكرة مشاركة النشطاء الأجانب في أساليب المقاومة الشعبية للعديد من المواطنين الفلسطينيين، كونه مجتمعاً محافظاً، كما أن مشاركتهم تثير العديد من الشبهات الأمنية في أوساط المجتمع الفلسطيني، وأدى اختلاطهم إلى تسهيل هجرة الشباب إلى الخارج، ما ألحق الضرر والأذى بالمقاومة الشعبية وسمعة المنخرطين في فعالياتها.
في صيف عام 2015، أثار تعري عدد من النشطاء الأجانب بمحاذاة جدار الفصل العنصري في مدينة بيت لحم، تعبيرا عن رفضهم لجدار الفصل، وتضامنهم مع القضية الفلسطينية، حفيظة المواطنين الفلسطينيين، منددين بهذا العمل الخادش للحياء العام، واعتبروه خارجا عن العادات والتقاليد والدين، ويرفضه المجتمع حتى لو كان نوعا من التضامن مع القضية الفلسطينية.
الناطق الإعلامي باسم اللجنة الشعبية لمقاومة الجدار والاستيطان في قرية المعصرة محمد بريجية يرى أن المقاومة الشعبية أصبحت أكثر زخماً بمشاركة المتضامنين الأجانب، كونهم يعودون إلى بلدانهم وينقلون ما يرونه على الأراضي الفلسطينية، وهو ما يساهم في دعم المقاطعة لكيان الاحتلال الإسرائيلي وفضح سياساته وجرائمه على الأرض الفلسطينية.
المتضامنون الأجانب المشاركون في مسيرات المقاومة الشعبية ينالون نفس النصيب من التنكيل والاعتداء من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، وإصابة العشرات منهم برصاص الاحتلال وغازاته السامة، ومنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي للعديد منهم الحصول على تأشيرات لدخول الأراضي الفلسطينية، عوامل تؤكد مصداقية نواياهم، يضيف بريجية.
بينما يعتبر أمين سر حركة فتح في البلدة القديمة في الخليل مهند الجعبري أن مشاركتهم ألحقت الضرر بالمقاومة الشعبية، وأدت لفقدان شرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني الثقة فيها نتيجة مشاركة المتضامنين الأجانب و "الإسرائيليين" في فعالياتها، مطالباً بأن تقتصر مشاركتهم على توثيق انتهاكات الاحتلال والعمل على فضحه أمام شعوبهم وبرلماناتهم.
حصول بعض نشطاء المقاومة الشعبية على وظائف في المؤسسات الحكومية الفلسطينية أضر بنشاطهم الجماهيري، بسبب انشغالهم في وظائفهم، والمفهوم الواسع وغياب البرنامج الموحد للمقاومة الشعبية، يعتبرها الجعبري أسباب أخرى أدت إلى عدم توسع القاعدة الجماهيرية للمقاومة الشعبية.
أثر الربيع العربي
الربيع العربي الذي ما زالت موجاته مستمرة، قد انعكس فعلاً على التجربة الفلسطينية في المقاومة الشعبية بالرغم من مواجهتها بالقمع البوليسي والعصا الأمنية والبلطجة الشوارعية، بالإضافة إلى تجارب غاندي في الهند، ومارتن لوثر كينغ في أميركا، ونيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا، نماذج تستلهمها المقاومة الشعبية في فعالياتها.
ارتداء الكوفية الفلسطينية ورفع العلم الفلسطيني، وترديد الهتافات باللغتين الإنكليزية والعبرية ورفع اللافتات التي تطالب بإزالة جدار الفصل وتفكيك البؤر الاستيطانية الإسرائيلية، هي أحد أدوات المتضامنون الأجانب المشاركون بشكل دوري في المسيرات الأسبوعية التي تنظمها المقاومة الشعبية لمناهضة الجدار الفاصل والاستيطان في العشرات من قرى الضفة الغربية المحتلة.
مسؤولة العلاقات الدولية في اللجنة التنسيقية للمقاومة الشعبية منال التميمي تقول لـ "العربي الجديد" إن إنجازات المقاومة الشعبية على الصعيد المحلي بسيطة، وكبيرة في كسب تأييد وتضامن دولي واسع مع القضية الفلسطينية، وقالت: استطاعت المقاومة الشعبية تغيير وجهات نظر العديد من دول أوروبا بصورة خاصة.
التميمي تعتبر زيارات ومشاركات العديد من دبلوماسيي الدول الأوروبية وأعضاء برلمانها، ومشاركتهم في فعاليات المقاومة الشعبية، جزء أساسي من فضح سياسة الاحتلال في مصادرة الأراضي والاستيلاء على مقومات حياة المجتمع الفلسطيني، وتمكين النشطاء الأجانب من نقل الصورة الحقيقية إلى دولهم وبرلماناتهم.
تعددت نماذج المقاومة الشعبية في مختلف الأراضي الفلسطينية، من زبوبا وعانين والطيبة وطورا الغربية في جنين، إلى دير الغصون وعزبة طبيب في طولكرم، وكفر قدوم وجيوس وفلامية وحبلة وعزون في قلقيلية، إلى نعلين وبلعين وبدرس في رام الله، مروراً بالمعصرة وأم سلمونة والولجة في بيت لحم وانتهاء في بيت أمر ويطا في الخليل، بأدوات مختلفة للوصول إلى يوم إنهاء الاستيطان واستعادة الحقوق الوطنية كاملة من أبشع احتلال عرفته البشرية.