الغضب يتنامى داخل إدارة بايدن بسبب الانحياز لإسرائيل

15 نوفمبر 2023
بايدن وبلينكن في البيت الأبيض، 10 أكتوبر (ديميتريوس فريمان/Getty)
+ الخط -

تجد الإدارة الأميركية نفسها بعد مضي 38 يوماً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في مواجهة غضب متنام داخل أروقتها، خصوصاً في وزارة الخارجية، بشأن الانحياز الطاغي لإسرائيل وتبرير جرائمها بحق أهالي القطاع.

وإذا كانت الاعتراضات المتكررة في وزارة الخارجية قد أجبرت الوزير أنتوني بلينكن، الذي يشهد أدقّ مرحلة من النزاع الداخلي في وزارته منذ تعيينه في منصبه في 26 يناير/كانون الثاني 2021، على الإقرار بوجودها، فإن الرئيس الأميركي جو بايدن نفسه بات يتعرض لانتقادات متزايدة من داخل الحزب الديمقراطي.

وقع 500 موظف سابق في حملة بايدن الانتخابية لرئاسيات عام 2020 على رسالة مفتوحة تدعو إلى وقف إطلاق النار، حذّروا فيها من أنه "إذا فشلتم في التصرف بسرعة، فإن إرثكم سيكون تواطؤاً في مواجهة الإبادة الجماعية".

كذلك وقّع أكثر من 400 موظف سابق من حملة السيناتورة الديمقراطية إليزابيث وارن الرئاسية لعام 2020 رسالة مماثلة، كما فعل 400 مساعد سابق لحملات السيناتور بيرني ساندرز لرئاسيات عامي 2016 و2020، وإن كان الأخير رفض الدعوات لوقف إطلاق النار.

كما وقع أخيراً أكثر من 400 من موظفي وكالات حكومية أميركية وثيقة يحتجون فيها على دعم بايدن لإسرائيل في حربها على غزة، بحسب "نيويورك تايمز" فيما يواجه بايدن اتهامات بـ"المشاركة في الإبادة الجماعية على غزة".

دعوى قضائية ضد بايدن

وفي السياق، رفع "مركز الحقوق الدستورية" بالولايات المتحدة، دعوى قضائية ضد بايدن وإدارته، بتهمة دعمه "الإبادة الجماعية" التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

وتقدم المركز بالشكوى القضائية نيابة عن شخصيات ومنظمات مجتمع مدني فلسطينية. وتضمنت مذكرة الشكوى القضائية أن "هذه الدعوى يتم رفعها نيابة عن الفلسطينيين نظراً لعدم التزام بايدن، ووزيريه للخارجية أنتوني بلينكن والدفاع لويد وأوستن، بمسؤولية منع الإبادة الجماعية (في غزة)".

واعتبرت المذكرة أن "الإبادة الجماعية" المتواصلة في غزة لم تكن لتحدث لولا "الدعم المفتوح" لإسرائيل من قبل بايدن وبلينكن وأوستن. وأوضحت أن الولايات المتحدة وبصفتها "الحليفة الوثيقة لإسرائيل وأكبر مقدمة للدعم العسكري لها"، تملك الأدوات والوسائل التي يمكنها ردع تل أبيب لوقف "الإبادة الجماعية" في غزة.


رفع "مركز الحقوق الدستورية" الأميركي دعوى قضائية ضد بايدن وإدارته، بتهمة دعمه "الإبادة الجماعية"

وعلى الرغم من الاعتراضات التي تتوالى والتي لا يبدو أنها ستنتهي قريباً فإن  بلينكن ظل محافظاً على انحيازه لإسرائيل، حتى بما يتعلق بضرورة وقف إطلاق النار، بل أيّد مبدأ "الهدنة المؤقتة" من دون وقف العمليات العسكرية.

لكنه يحاول احتواء الغضب، إذ وجّه رسالة إلى موظفيه في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، لتطويق "برقية المعارضة"، وهي وثيقة تنتقد السياسة الأميركية عبر قناة داخلية محمية في وزارة الخارجية، مستخدماً عبارات من قبيل "الأثر العاطفي" على الموظفين في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة و"الظروف الصعبة" التي تؤثر على السلك الدبلوماسي الأميركي، إلا أنه لم يبدّل عملياً المسار الدبلوماسي الأميركي. 

وأدى ذلك إلى تنامي التيار المعارض للمسار الأميركي الحالي، ما دفع بلينكن للإقرار بوجود خلافات داخل وزارة الخارجية حول نهج إدارة بايدن تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة، وذلك في رسالة وجّهها بالبريد الإلكتروني إلى موظفي الوزارة، مساء أول من أمس الاثنين.

وجاء في الرسالة، بحسب ما كشفت شبكة "سي أن أن": "أعلم أنه بالنسبة للكثيرين منكم، فإن المعاناة الناجمة عن هذه الأزمة لها تأثير شخصي عميق"، معتبراً أن "الإحباط المتأتي من رؤية الصور اليومية للرضع والأطفال والمسنين والنساء وغيرهم من المدنيين الذين يعانون في هذه الأزمة، أمر مؤلم. أشعر بذلك".

ورأى بلينكن أن "بعض الأشخاص في الوزارة قد يختلفون مع الأساليب التي نتخذها أو لديهم وجهات نظر حول ما يمكننا القيام به بشكل أفضل". وأشار إلى أنه "نظمنا منتديات في واشنطن للاستماع إليكم، وحثثنا المدراء على إجراء مناقشات صريحة في مختلف مكاتبنا الإقليمية لنسمع ملاحظاتكم".

وشدّد بلينكن على أن "الهدف الشامل للولايات المتحدة لا يزال هو نفسه: إنهاء هذا الصراع الرهيب في أسرع وقت ممكن، مع التمسك بحق إسرائيل والتزامها، بما يتفق تماماً مع القانون الإنساني الدولي، لضمان عدم وقوع هجوم إرهابي مثل 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي مرة أخرى". واعتبر أن "الكثير من المدنيين الفلسطينيين قد لقوا حتفهم... وينبغي القيام بالكثير للحد من معاناتهم".

وأضاف أنه "نحن نؤمن بالحكم الذي يقوده الفلسطينيون في غزة، وتوحيد غزة مع الضفة الغربية. ويجب دعم إعادة إعمار غزة بآلية مستدامة".

وكشفت شبكة "سي أن أن" الأميركية، أن رسالة بلينكن وُجّهت في أعقاب رحلاته الأخيرة إلى الشرق الأوسط، على وقع تزايد الغضب لا بين موظفي الوزارة فحسب، بل أيضاً داخل مختلف أقسام الإدارة الأميركية.

وذكرت "سي أن أن" الأسبوع الماضي أن مئات الموظفين في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية وقعوا رسالة مفتوحة تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، مع تقارير عن تفعيل "برقية المعارضة" داخل وزارة الخارجية، للمرة الرابعة منذ منتصف الشهر الماضي.

وآخر تلك البرقيات، أرسلتها الموظفة في وزارة الخارجية سيلفيا يعقوب اعتراضاً على سياسة البيت الأبيض تجاه إسرائيل، متهمة الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه "متواطئ في الإبادة الجماعية" تجاه شعب غزة، وفق ما ذكر موقع "أكسيوس" الأميركي. وأرسلت يعقوب، رسائل بالبريد الإلكتروني الأسبوع الماضي لجمع التواقيع على البرقية. وتدعو البرقية إلى إجراء تغيير كبير في سياسة الإدارة الأميركية.

ونشرت يعقوب رداً على تغريدة من بايدن يدعو فيها إلى زيادة المساعدات العسكرية الأميركية لإسرائيل. وكتبت في 2 نوفمبر الحالي على منصة "إكس" (تويتر سابقاً): "أنتم تقدمون مساعدات عسكرية أكبر بكثير للحكومة التي تهاجم سكان غزة الأبرياء بشكل عشوائي... أنتم متواطئون في الإبادة الجماعية".

وفي تغريدة أخرى كتبت: "الرئيس بايدن، طالما أنك تستمر في إظهار الدعم المطلق لبيبي (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو) من دون خطوط حمراء واضحة وقابلة للتنفيذ أو دعوات لوقف إطلاق النار، فإنك تواصل دعم الإبادة الجماعية. لقد أدى خطابكم ونهجكم منذ اليوم الأول إلى مقتل الآلاف. أيديكم ملطخة بالكثير من الدماء".


وجد العديد من الموظفين الديمقراطيين في الكونغرس أنفسهم في مواجهة رؤسائهم

ويعقوب، أميركية من أصل مصري، وبدأت كمتدربة في وزارة الخارجية الأميركية، في يوليو/تموز 2021، في مكتب الشرق الأدنى في قسم الشؤون الإقليمية متعددة الأطراف، لمدة 6 أشهر، قبل أن تصبح موظفة في المكتب نفسه في ديسمبر/كانون الأول 2021. وتهتم بملفات متعلقة بالجندر وحقوق الإنسان والعمال والنزاعات والأمن السيبراني والمساواة العرقية.

و"برقية المعارضة" وثيقة تنتقد السياسة الأميركية عبر قناة داخلية محمية في وزارة الخارجية. وينظر في العادة إلى مثل هذه البرقيات على أنها بيانات تُظهر خلافات خطيرة داخل الوزارة في لحظات تاريخية حاسمة.

مع العلم أن "برقية المعارضة" تأسست في خضمّ صراع داخلي عميق داخل النظام الأميركي خلال حرب فيتنام (1955 ـ 1975)، وانخرط فيها الجيش الأميركي بين عامي 1961 و1973. ومنذ ذلك الحين، استخدم دبلوماسيو وزارة الخارجية هذه الطريقة للاعتراض أو التحذير من أي قرار أميركي يُصنّف أنه "خطير".

وسبق أن أعلن جوش بول، الذي عمل مديراً للشؤون العامة والكونغرس في مكتب الشؤون السياسية والعسكرية بوزارة الخارجية، والذي يتعامل مع عمليات نقل الأسلحة، استقالته من وزارة الخارجية في 18 أكتوبر الماضي، معللاً ذلك في صفحته على موقع "لينكد إن" بـ"الخلاف حول السياسة المتعلقة بمساعدتنا الفتاكة المستمرة لاسرائيل".

وقال بول إن "رد إسرائيل على هجمات حماس الوحشية ضد المدنيين الإسرائيليين في 7 أكتوبر يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية لـ2.2 مليون فلسطيني". وأضاف، في حديثٍ لبرنامج "نيوز أور" على شبكة "بي بي إس"، بعد أيام على استقالته، أن "هجوم حماس على إسرائيل كان وحشياً"، مبدياً اعتقاده في المقابل أن "الرد الذي تعتمده إسرائيل، ومعه الدعم الأميركي، لن يؤديا إلا إلى معاناة أكثر وأعمق للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني، ولن يصبا في المصلحة الأميركية على المدى الطويل".

ومما قاله بول في المقابلة: "تابعنا الردود الإسرائيلية في غزة أعوام 2009 و2014 و2021، وشهدنا على سقوط العديد من الضحايا المدنيين. آلاف الفلسطينيين قُتلوا بسبب القنابل التي استُخدمت لتدمير المباني".

اعتراض موظفين في الكونغرس

ولا تتوقف الاعتراضات على موظفي وزارة الخارجية الأميركية فقط، بل إن أكثر من مائة موظف في الكونغرس شاركوا في وقفة احتجاجية تكريماً للمدنيين الذين سقطوا في العدوان الإسرائيلي على غزة، الأسبوع الماضي.

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن الموظفين ارتدوا أقنعة لإخفاء هوياتهم، واعتبر ثلاثة منهم في أحاديث للصحيفة: "نحن موظفون في الكونغرس، لم نعد مرتاحين للبقاء صامتين... معظم رؤسائنا في كابيتول هيل (مقر الكونغرس) لا يستمعون إلى الأشخاص الذين يمثلونهم". ويعمل الموظفون مع أعضاء مجلسي النواب والشيوخ في الكونغرس، كمساعدين.


تقود الموظفة في الخارجية سيلفيا يعقوب حملة لتوقيع "برقية معارضة"

وجاء اعتراض هؤلاء إثر رفض الغالبية العظمى من المشرّعين في الحزبين الديمقراطي والجمهوري الدعوات لوقف إطلاق النار، قائلين إن لإسرائيل "الحق في ملاحقة حماس بعد هجومها الوحشي في جنوب إسرائيل". واعتبر العديد من المشرّعين بأن وقف إطلاق النار "لن يؤدي إلا إلى تشجيع حماس والسماح لها بإعادة تنظيم صفوفها".

لكن العديد من موظفي الكونغرس الديمقراطيين، ومعظمهم دون سن 35 عاماً، وجدوا أنفسهم في خلاف صارخ مع رؤسائهم وإدارة بايدن حول قضية تمس صميم قيمهم، وفقاً لمقابلات مع أكثر من عشرة مساعدين واستراتيجيين، تحدث معظمهم لـ"نيويورك تايمز"، شرط عدم إعلان أسمائهم، خوفاً من تعريض وظائفهم للخطر.

وذكر هؤلاء أنهم "يقاتلون للتوفيق بين قناعاتهم الشخصية والتزاماتهم المهنية، والتي تتطلب بحكم تعريفها أن يحتفظوا بآرائهم لأنفسهم وأن يدافعوا بحماس عن موقف عضو الكونغرس الذي يوظفهم". غير أن كل ذلك تغيّر، وخلص الكثيرون إلى أن لا خيار لديهم سوى التحدث علناً، إثر رفض أعضاء الكونغرس الاستماع إليهم.

ويؤدي المساعدون عادة دوراً مهماً وراء الكواليس في تقديم المشورة وتوجيه المواقف السياسية للمشرعين. لكن المظاهر العامة الكبيرة للخلاف، وتعدد الرسائل المفتوحة الموجهة إلى المشرعين، تعكس انقساماً عميقاً بين الأجيال في صفوف الديمقراطيين حول المدى الذي يجب أن يذهبوا إليه في انتقاد العدوان الإسرائيلي على غزة.

وظهر العشرات من الموظفين في تظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، بما في ذلك على بعد خطوات من البيت الأبيض، حيث رفع البعض لافتات كتب عليها "الكونغرس: موظفوكم يطالبون بوقف إطلاق النار". وجاء في إحدى الرسائل أن "أصوات أعضاء الكونغرس لها قوة هائلة. لقد رأينا ذلك مباشرة... نطلب منهم الآن استخدام هذه القوة لحماية المدنيين المعرضين لخطر وشيك".

وتابعت الرسالة، وقعها أكثر من 550 موظفاً اعتبارا من 9 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، وضمنهم مساعدون يهود ومسلمون: "نقدّر رؤية كل عضو في الكونغرس تقريباً يعبر عن تضامن لا لبس فيه مع الشعب الإسرائيلي، لكننا منزعجون للغاية من أن مثل هذه العروض الإنسانية بالكاد امتدت إلى الشعب الفلسطيني".

وعلّق جيريمي سليفين، مستشار النائبة إلهان عمر، في حديثٍ لـ"نيويورك تايمز" على الرسالة قائلاً: "لا أستطيع التفكير في جهد مماثل من قبل الموظفين"، مضيفاً أنه "لا يشبه أي شيء رأيناه على الإطلاق".