يتفاقم الجدل الدستوري في الصومال بعد إصدار الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو ورئيس حكومته محمد حسين روبلي قرارات متناقضة، وظهور الخلافات إلى العلن وتكرارها.
وتجددت مسألة تضارب الصلاحيات مع إعفاء مدير جهاز المخابرات والأمن الوطني فهد ياسين من منصبه على يد روبلي، يوم الأحد الماضي، وعين خلفاً له، في قرار عارضه فرماجو، الذي عين أمس، الأربعاء، مدير مخابرات إقليم بنادر في العاصمة مقديشو، العقيد ياسين عبد الله محمد، مديراً جديداً للمخابرات.
وبدأت الأزمة عقب اختفاء الضابطة إكرام تهليل (23 عاماً)، في يونيو/ حزيران الماضي، بعدما ذهبت إلى المقر المركزي للمخابرات في مقديشو، قبل أن تكشف المخابرات، يوم الخميس الماضي، عن إعدامها من قبل "حركة الشباب" بعد اختطافها من العاصمة. وكان رئيس الحكومة قد طلب من فهد ياسين تقديم تقرير دقيق حول اختفاء تهليل، ليعلن لاحقاً عن توقيفه عن العمل لاعتباره أن التقرير المقدم من قبله لم يكن مرضياً ويفتقر إلى أدلة. كما لجأ إلى تكليف مدير جديد لجهاز المخابرات، هو بشير محمد جامع، الأمر الذي رفضه الرئيس. ورد الأخير بتعيين مدير المخابرات المقال مستشاراً أمنياً لرئيس الدولة، وكلف الكولونيل ياسين عبد الله محمود، القريب من فهد ياسين، بإدارة وكالة الاستخبارات بالنيابة، ليصبح هناك مديران للمخابرات، الأول معين من رئيس الوزراء والثاني من رئيس الجمهورية.
انعكس اختفاء الضابطة إكرام تهليل وقتلها سلباً على الرئيس ومدير المخابرات السابق
ويدور الجدل حالياً حول شرعية قرارات فرماجو وروبلي، بسبب الغموض الذي يلف صلاحياتهما كأقوى شخصين في هيكلية الدولة. وتنصّ المادة 90 من الدستور الصومالي على حق رئيس الجمهورية في تعيين القيادات العسكرية بعد توصية من قبل مجلس الوزراء، بينما تنصّ المادة 99 من الدستور على أن من حق رئيس الحكومة تعيين كبار مسؤولي الدولة وإقالتهم. ويُكرّس هذا الالتباس الإشكاليات المتكررة في تفسير بنود الدستور منذ عام 2001؛ وهو ما أدى مراراً إلى إطاحة رؤساء حكومات، وآخرهم رئيس الوزراء السابق حسن علي خيري، الذي طرده البرلمان في يونيو 2020.
ويعتبر مراقبون أن رئيس الحكومة الصومالية يحظى حالياً بصلاحيات أوسع من رئيس الجمهورية الذي انتهت فترته الرئاسية في 8 فبراير/ شباط الماضي. كما ينصّ الدستور على أن صلاحيات الرئيس محددة بفترة حكمه فقط، وهي أربع سنوات منذ انتخابه رئيساً للجمهورية. وهو ما دفع الرئيس السابق حسن شيخ محمود، بعد انتهاء ولايته في أغسطس/ آب 2016، إلى إصدار لائحة قانونية من 20 بنداً حتى لا تفقد المؤسسات الرسمية صلاحياتها لحين اختيار رئيس جديد للبلاد. وهو ما لم يفعله فرماجو، بل تنازل عن ملفي الأمن والانتخابات، معلناً عن تكليف رئيس الحكومة بتسلّم هذين الملفين في إبريل/ نيسان الماضي، بإجماع برلماني.
وحول هذه التطورات، يشرح المحامي محمود محمد عبدي الإشكاليات الدستورية في حديث مع "العربي الجديد"، ويقول إن مراسيم وقرارات الرئيس الصومالي لا تحظى بصفة شرعية، تحديداً في مسألة تعيين قيادات ومسؤولين حكوميين، بسبب انتهاء فترته الدستورية. ويشير إلى أن رئيس الحكومة الفيدرالية هو الوحيد الذي يتمتع بشرعية وصلاحيات قانونية، لأن البرلمان الصومالي صوت بالإجماع، في إبريل الماضي، على توليه ملفي الأمن والانتخابات بعد تسلمهما من رئيس البلاد.
ويستدرك محمد عبدي بالقول إن صلاحيات رئيس الحكومة هي أيضاً مؤقتة، كونه يتولى فقط ملفي الأمن والانتخابات، فإذا تمّ تشكيل حكومة جديدة فإن قراراته السابقة تصبح لاغية ولا اعتبار لها، لأن البلاد تمر بمرحلة انتقالية. ويضيف أن الأزمة الدستورية الراهنة سببها تناقضات في تفسير بنود الدستور المؤقت، بسبب تضارب الصلاحيات والمسؤوليات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وهي التي لم يتم فصلها بشكل واضح. ويرى أن هذه الأزمة ستتكرر مستقبلاً ما لم يتم استكمال بنود الدستور من جهة وتأسيس المحكمة الدستورية من جهة أخرى، لفصل الصلاحيات واختصاصات رئيس الحكومة ورئيس البلاد.
ويخشى مراقبون من أن تؤدي أزمة الصلاحيات التي تشهدها البلاد إلى مشاكل وتعقيدات في عملية تنظيم الانتخابات، فضلاً عن تداعياتها الوخيمة على الأمن النسبي في البلاد. وتحذّر جهات أمنية من مغبة وقوع تفجيرات انتحارية في خضم هذه الأزمة، بعد ورود أنباء عن سيارات مفخخة تجوب العاصمة، وإمكانية استهدافها مقار حكومية حساسة، من بينها مكتب رئيس الوزراء وفنادق يرتادها مسؤولون حكوميون.
في السياق، يقول الصحافي الصومالي نور محمد، في حديث مع "العربي الجديد"، إن قضية الضابطة تهليل يمكن أن تعرقل مسار جهود استكمال العملية الانتخابية في البلاد التي تمر بمرحلة انتقالية حرجة. ويشدّد على أن الوضع السياسي والأمني في البلاد لا يحتمل مزيداً من التعقيدات التي قد تهدد جهود استكمال الانتخابات النيابية، التي تواجه أصلاً شبهات وتحديات كثيرة حول نزاهتها وآلية تنظيمها من قبل رؤساء الولايات الفيدرالية والعشائر واتحاد المرشحين للانتخابات.
يرى محللون أنه من الواجب استكمال بنود الدستور لتوضيح الصلاحيات
ويضيف محمد أن الأزمة الحالية التي تتصاعد يوماً بعد الآخر تبعث برسائل سلبية وغير مطمئنة للداخل والخارج، ما لم يتنازل الطرفان لمصلحة الوطن والشعب. وبرأيه، فإن الأزمة الدستورية الحالية لها تبعات سلبية أخرى على المشهد السياسي الصومالي، خصوصاً خلال مرحلة الانتخابات، كما أن كيفية تعاطي فرماجو ومدير جهاز المخابرات السابق فهد ياسين مع قضية اختفاء الضابطة تركت آثاراً سلبية على مستقبل ترشح الرئيس للانتخابات الرئاسية، وكذلك على إمكانية ترشيح ياسين لعضوية البرلمان، ويعتبر أن للقضية تأثيرات كبيرة على مستقبلهما السياسي.
ومع أن فرماجو كان يحظى بقاعدة شعبية كبيرة بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية عام 2017، إلا أنه يخسر معظم أرصدته السياسية والشعبية في هذه الفترة، نتيجة لسوء تعامله مع ملفات سياسية وأمنية وحقوقية خلال فترة حكمه، فضلاً عن محاولته تمديد ولايته الرئاسية عامين إضافيين، قبل أن يتراجع عنها لاحقاً بسبب ضغوط داخلية وخارجية. وهذا الأمر يمكن أن يقلل من حظوظه وفرص فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة في أواخر العام الحالي.
ويرى مراقبون أن حلقات صراع الصلاحيات بين كبار مسؤولي الدولة ستستمر، وربما تعمّق الانقسامات السياسية داخل البيت الحكومي، ما لم تتوسط أطراف إقليمية أو أممية لنزع فتيل التوتر بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ويبدون خشيتهم من حدوث انقسامات داخل المؤسسة العسكرية، وبروز فصائل مسلحة في مقديشو، وانعكاس هذه التطورات سلباً على سير العملية الانتخابية ونزاهتها مع قرب موعد الانتخابات النيابية في الشهر الحالي.