يشهد الصومال ظروفاً سياسية معقدة منذ 8 فبراير/ شباط الماضي، إثر فشل الشركاء السياسيين في البلاد في التوصل إلى اتفاق ينهي الأزمة السياسية ويحدد مساراً جديداً للانتخابات البرلمانية والرئاسية. مع العلم أن الاجتماعات مستمرة في مقديشو، للاتفاق على تدشين جولة جديدة من المفاوضات بين رؤساء الولايات الفيدرالية من جهة، والحكومة الصومالية من جهة ثانية.
وكان من المقرر أن تبدأ المحادثات تحت رعاية أممية في 22 مارس/ آذار الماضي في معسكر حلني الدبلوماسي داخل مطار مقديشو، الذي يضم أغلب البعثات الغربية في الصومال، ويخضع لحراسة أمنية مشددة من قبل بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال "أميصوم" والاتحاد الأوروبي. لكن رئيسي إقليمي بونتلاند، سعيد عبد الله دني، وجوبالاند، أحمد محمد إسلام مدوبي، رفضا المشاركة في المؤتمر، بحجة السماح للقوات الصومالية التابعة للرئيس محمد عبد الله فرماجو، بتأمين مقر المؤتمر، بدلاً من القوات الأفريقية، وطالبا بتسليم ملف الانتخابات لرئيس الحكومة محمد حسين روبلي، بدلاً من فرماجو. وفشل مبعوث الأمم المتحدة لدى الصومال جيمس سوان في دفعهما إلى تغيير رأيهما، فاقتصرت المشاركة في المؤتمر على فرماجو وروبلي ورؤساء ولايات هرشبيلي وجنوب غربيّ الصومال وجلمدغ.
يترافق التعقيد السياسي مع تدهور أمني مستمر
ويترافق التعقيد السياسي مع تدهور أمني مستمر، كان آخر مظاهره أمس السبت، بشنّ حركة "الشباب" المرتبطة بتنظيم "القاعدة"، هجوماً فجراً، على قاعدتين عسكريتين في إقليم شبيلى السفلى بولاية هرشبيلي بجنوب البلاد، ما أدى إلى وقوع خسائر، وخصوصاً في صفوف الحركة. ونقلت إذاعة عسكرية حكومية عن مسؤول عسكري قوله إن الجيش الصومالي كان مستعداً لصد هجوم الحركة فجر أمس، وكبدها خسائر فادحة في الأرواح والمعدات بعد هجوم عناصرها على قاعدتين منفصلتين في بلدتي بريري وأوطيغلي جنوب مقديشو. وقال قائد قوات المشاة في الجيش الصومالي، الجنرال محمد تهليل، للإذاعة العسكرية الرسمية، إن القوات الصومالية تصدت للهجوم، وقتلت نحو 116 عنصراً من الحركة وأصابت الكثير منهم بجروح خطرة، واستولت على معدات عسكرية. بدورها، تبنّت حركة الشباب الهجوم على القاعدتين العسكريتين، وأعلنت إلحاقها خسائر بصفوف الجيش الصومالي.
سياسياً، ومن أجل تقريب وجهات النظر بين الشركاء السياسيين، تمكن رؤساء الولايات الفيدرالية الخمس من عقد اجتماع بغياب فرماجو ورئيس حكومته في فندق ديغالي في مقديشو في 25 مارس الماضي، واتفقوا على مواصلة المؤتمرات الجانبية بين رؤساء الولايات الفيدرالية فقط، وذلك لحلحلة الأزمة السياسية الراهنة بين الأطراف الصومالية. كما عُقد اجتماع موسع بين رؤساء الولايات الفيدرالية وسفراء أجانب، بحضور سوان في 29 مارس الماضي. وفي بيان صحافي مقتضب، أشاد المبعوث الأممي بالجهود المبذولة لإجراء مؤتمر تشاوري جديد بين الشركاء السياسيين في البلاد، وذلك من أجل التوصل إلى اتفاق لاستكمال مخرجات مؤتمر سبتمبر/ أيلول الماضي، وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية في البلاد.
وتدور الخلافات حالياً بين الحكومة الصومالية ومعارضيها حول نقطتين؛ أولاهما تتمثل في تأمين مقر المؤتمر، والجهة التي تتحمل مسؤولية الحفاظ على الأمن. ورفض رئيسا بونتلاند وجوبالاند أن تتولى القوات الصومالية أمن مقر الاجتماعات، بحجة أن فرماجو استخدمها أداةً لتنفيذ أجنداته السياسية، وطالبا بتولّي القوات الأفريقية مسؤولية الحفاظ على أمن مقر الاجتماعات. أما النقطة الثانية فمرتبطة بأجندة المؤتمر والمشاركين فيه مثل بعثة الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، والسفيران الأميركي دونالد ياماموتو والبريطانية كايت فوستر أوبي.
وقد أعرب مجلس الأمن الدولي الخميس الماضي عن قلقه إزاء المأزق الحالي في الصومال نتيجة تعطيل إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
في السياق، يقول أستاذ الإعلام أحمد جيسود في حديث لـ"العربي الجديد"، إن ثمة أسبابا عدة تدفع البلاد نحو انسداد الأفق السياسي، ومنها عدم توفر هامش للثقة بين الأطراف السياسية في البلاد، التي أخفقت في التوصل إلى اتفاق حول عدد من المسائل المتعلقة بعملية الانتخابات. ويضيف أن كل الأطراف تراهن على عامل الوقت، من أجل تحقيق مكاسب سياسية وإعادة تشكيل التحالفات والتوازنات، استعداداً لخوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية. ويعتبر أن الأزمة نتيجة تراكمات سياسية خلال السنوات الأربع الأخيرة، وأنّ حل الإشكالية السياسية يكمن في تقديم المصالح العامة على المصالح الشخصية الضيقة. ويستبعد جيسود تمديد ولاية البرلمان الصومالي والحكومة الصومالية، مشدّداً على أنه "سيكون، في حال حصل، فاقداً للشرعية داخلياً وخارجياً. وسبق أن عبّر المجتمع الدولي الداعم للحكومة عن رفضه المطلق لأي محاولات تمديد للفترة الرئاسية والبرلمانية في البلاد".
من جهته، يعتبر مدير تحرير موقع "مقديشو برس"، عبد القادر عثمان، أن سبب الأزمة الحالية، هو تعنت رئيسي إقليمي بونتلاند وجوبالاند في رفضهما المشاركة في المؤتمر. ويكشف أن جهود إقناعهما بالمشاركة لا تزال مستمرة، في ظلّ وساطة الولايات الفيدرالية. ويشير عثمان في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن الأنظار تتجه حالياً نحو تلك الوساطات. لكنه في المقابل يوضح، أنه إذا فشلت هذه المحاولات، فإن الخيار الأخير سيكون بيد البرلمان الصومالي، لحسم الخلافات السياسية وفصل النزاع بين مختلف الأطراف.
ويرجح عثمان فرضية تمديد ولاية المؤسسات التنفيذية والتشريعية في البلاد لمدة سنتين كحد أقصى، في حال فشلت مفاوضات الأطراف الصومالية حول اتخاذ قرار متعلق بالانتخابات الرئاسية والبرلمانية. ويشير إلى أن هذا التمديد سيمكّن الحكومة من تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية تحظى بإجماع وطني.
خشية من تمديد ولايات المؤسسات الدستورية وانقسام البرلمان
وبحسب خبراء فإن خطوة رئيس البرلمان الصومالي محمد شيخ مرسل توقيف نواب عن جلسات البرلمان، ستؤدي إلى انقسام داخله. وهو ما قد يعقد الأزمة السياسية والدستورية، إذ يُمكن أن يشكل النواب المعارضون للحكومة الفيدرالية غرفة برلمانية جديدة، في تكرار لسيناريو عام 2008، عندما أعلن برلمانيون تشكيل مجلس نواب آخر عُرف باسم "النواب الأحرار"، إبّان التدخل العسكري الإثيوبي في الصومال (2006-2009).
ويبدي الكثير من المحللين اعتقادهم بأن إقدام البرلمان الصومالي على مشروع التمديد، سيكون بمنزلة "انقلاب" بالنسبة للمعارضة وللمرشحين للانتخابات الرئاسية. وهي تجربة لم يخضها الصومال من قبل، وتهدد مسار عملية التحول الديمقراطي والانتقالي السلمي للسلطة، وتُكرس انقساماً عمودياً وأفقياً في البلاد. ويرصد المحللون سيناريوهات عدة في المرحلة المقبلة، نتيجة المأزق السياسي الراهن، ومنها توصل مختلف الأطراف إلى عقد مؤتمر تشاوري جديد، تشرف على تنفيذ مخرجاته الأوساط الدولية والإقليمية، كي لا تعود الخلافات.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في أن تتولى بعثة الأمم المتحدة مسألة تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في البلاد، وهو سيناريو غير ممكن نسبياً في الوضع الحالي، نظراً لاستقلالية الحكومة الصومالية، التي تشجب دوماً التدخلات الدولية في شأنها الداخلي وتمس سيادتها باستمرار. أما السيناريو الثالث فمتعلق باستمرار الأوضاع السياسية المقلقة كما هي عليه الآن، أو أن يصوّت البرلمان الصومالي لمشروع التمديد. وهو ما سيفجر الأوضاع وصولاً إلى انزلاق البلاد إلى الوقوع في شرك المواجهات الدامية.
يذكر أن جلسة للبرلمان الصومالي في 27 مارس الماضي انتهت بالفشل، فقد كان من المقرر أن يناقش أعضاء البرلمان مشروعاً حول وباء كورونا، وهي الأجندة التي أعلنتها رئاسة البرلمان قبل يوم من انعقاد الجلسة، إلا أن برلمانيين أبدوا خشيتهم من تمرير مشروع تمديد للبرلمان والرئاسة الصومالية فقاطعوا الجلسة، ونفذوا اعتصاماً داخل البرلمان. الأمر الذي دفع رئيس البرلمان الصومالي محمد شيخ مرسل في 28 مارس الماضي، إلى إصدار مرسوم يقضي بحظر 15 نائباً من المشاركة في 5 جلسات للبرلمان، لكن النواب الموقوفين عن الجلسات رفضوا قراره، بل أعلنوا إفشالهم مخططاً لتمديد ولايات المجالس التنفيذية والتشريعية.