السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا برئاسة المنفي ودبيبة: نقاط القوة والضعف وفرص النجاح

06 فبراير 2021
الأنظار تتجه صوب المرحلة المقبلة (تويتر)
+ الخط -

بعدما نجح ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف، أمس الجمعة، في اختيار سلطة انتقالية جديدة، سيكون عليها التحضير لانتخابات نهاية العام الحالي، والترحيب المحلي والدولي الواسع بذلك، إلا أن تساؤلات تثار بشأن شكل السلطة والتحالفات التي دفعت بها إلى واجهة المشهد، وكذا مدى إمكانية نجاحها في قيادة المرحلة المقبلة. 
وجاءت تشكيلة السلطة الجديدة خلافاً لكل التوقعات، برأسيها، المجلس الرئاسي والحكومة، بعدما خلت من الأسماء البارزة في ليبيا، مع سقوط قائمة عقيلة صالح وفتحي باشاغا وأسامة الجويلي، وذلك بعد انسحاب خالد المشري، فيما لم يترشح أصلاً رئيس حكومة الوفاق فائز السراج لأي منصب.
وأعلنت البعثة الأممية إلى ليبيا، أمس، بعد جولتي تصويت لملتقى الحوار، بحضور المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا يان كوبيتش، ورئيسة بعثة الدعم الأممية بالإنابة ستيفاني وليامز، فوز القائمة الثالثة، التي ضمّت محمد يونس المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، وعبد الله اللافي وموسى الكوني نائبين لرئيس المجلس، وعبد الحميد دبيبة رئيساً للحكومة. 

وفيما لا يُعرَف لعضوي المجلس الرئاسي، اللافي والكوني، أي مواقف سياسية مؤثرة طوال السنوات الماضية، عرف عن المنفي مواقفه المعارضة لحرب اللواء المتقاعد خليفة حفتر على طرابلس، وصلاته ببعض رموز النظام السابق. 
ولم يسبق للمنفي تولي أي مناصب سياسية بارزة، باستثناء عضوية المؤتمر الوطني العام (أول برلمان ليبي بعد الثورة)، قبل أن تسميه حكومة الوفاق سفيراً لها في اليونان، التي أعلنت، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، طرده احتجاجاً على توقيع حكومة الوفاق اتفاقاً بحرياً مع الحكومة التركية. 


أما دبيبة، فرغم كونه معروفاً في الأوساط الليبية كرجل أعمال، وانخراطه في أعمال مصالحة وطنية وتأسيسه لـ"تيار ليبيا المستقبل"، إلا أن مواقفه السياسية جاءت متباينة، فقد صنفه مجلس النواب، المجتمع في طبرق، ضمن قوائم "الشخصيات الإرهابية"، في يوليو/ تموز 2017، ضمن عشرات الأسماء المعارضة لمشروع حفتر العسكري، من جانب، ومن جانب آخر تتناقل وسائل إعلام ليبية تأييده للمفاوضات التي جرت بين نائب رئيس المجلس الرئاسي، أحمد معيتيق، وممثلي حفتر، والتي انتهت بتوقيع اتفاق يقضي بإعادة استئناف تصدير النفط، في سبتمبر/ أيلول الماضي. 

هذه الخلفيات تشير إلى ارتباط السلطة الجديدة في ليبيا الضعيف بأقطاب الصراع، بحسب المحلل السياسي الليبي، عبد العزيز كشير، موضحاً في تصريح لـ"العربي الجديد" أنه "علاوة على عدم التحفظ عليهم داخل المجاميع المسلحة في غرب البلاد، فالمنفي ودبيبة يرتبطان بحفتر بصلة غير مباشرة، ما يمكن أن يضمن مواقف أقل حدة من جانبه"، وفق رأيه. 
وأضاف كشير أن "المنفي رغم موقفه من حفتر إلا أنه لا يمكنه الانسلاخ عن موقف قبيلته المعروفة بتأييدها لحفتر ودبيبة حليف معيتيق الذي ارتبط خلال الأشهر الماضية باتفاق مع حفتر بشأن إعادة تدفق النفط".
ويرى كشير في وجود اللافي، المتحدر من مدينة الزاوية، في السلطة جديدة ترضية للمجموعات المسلحة في المدينة التي وقفت إلى جانب وزير الدفاع بحكومة الوفاق، صلاح الدين النمروش، الرافض لهيمنة وزير الداخلية، فتحي باشاغا، على المشهد الأمني والعسكري في طرابلس. 
وتوقع كشير أن تساعد كل هذه العوامل والخلفيات السلطة الجديدة على البقاء في سدة الحكم دون تصادم مع أيٍّ من الأطراف، التي اعتبرها "حكومة التهدئة وتجميد الأوضاع حتى الوصول إلى فترة الانتخابات المقبلة".
وزاد موضحاً أن "كل الأطراف لا تتحفظ على أعضائها، كذلك إن الفترة المتاحة لها قصيرة"، ولكون "أعضاء السلطة لا يمتلكون أيضاً ارتباطات قوية بأطراف التنافس الإقليمي التي تدعم الأطراف الرئيسية في الصراع الليبي". 
لكن نجاح السلطة الجديدة في الوصول إلى مرحلة الانتخابات المقبلة المتوقع إجراؤها نهاية العام الحالي، تقف أمامها مصاعب عديدة، من بينها "كسب الشرعية"، وسط انتشار العشرات من المجموعات المسلحة في كبرى المدن، وتلامس مباشر بين قوات الوفاق ومليشيا حفتر في تخوم مدينة سرت. 
وتبدو مسألة كسب ثقة مجلس النواب إحدى أكبر العقبات التي قد تواجهها السلطة الجديدة، وهي المهمة التي لم تنجح حكومة الوفاق في الحصول عليها، رغم وجودها في السلطة منذ ست سنوات.
وفي هذا الصدد، يعتقد النائب الأول لرئيس مجلس النواب، المجتمع في طبرق، فوزي النويري، أن "تقديم تشكيلة حكومة مقنعة بكفاءاتها سيسهل التصديق عليها". ودعا النويري في تصريح لـ"العربي الجديد" السلطة الجديدة إلى أن تستفيد من أخطاء الماضي، قائلاً: "لا يكفي لحكومة تسعى إلى توحيد البلاد الاستناد إلى الشرعية الدولية، بل يجب عليها كسب ثقة الشرعية المحلية لضمان نجاحها وقبولها من كل الأطراف". 

ولقاء الترحيب الواسع بالسلطة الجديدة من جانب رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، ورئيس المجلس الرئاسي فايز السراج، ورئيس مجلس النواب في طبرق، عقيلة صالح، لم يصدر عن المجاميع المسلحة في البلاد أي مواقف رسمية حتى الآن، فيما قالت وليامز، خلال مؤتمر صحافي في ختام ملتقى الحوار، إن "(حفتر) عبّر لي شخصياً عن دعمه لمباحثات الملتقى، وقبل ممثلوه في القاعة اليوم بنتائج" انتخاب السلطة الجديدة.

إلى ذلك، يرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، المبروك الشاوش، أن "أطراف دولية سعت للتأثير في المفاوضات السياسية من أجل تشكيل سلطة لا يمتلك فيها فرقاء السلاح الليبيين المدعومين من أطراف خارجية أي تمثيل أو ارتباط بهدف عزلهم في المشهد المقبل". 
ووفق الشاوش، فإن ملتقى الحوار تمكن من إبعاد الشخصيات الجدلية، كوزير الداخلية الذي دخل في صدام غير مباشر مع المجاميع المسلحة في طرابلس، وعقيلة صالح، المرتبط بعلاقات غير واضحة بين القاهرة وموسكو، دون أن يستبعد صدور تصريحات رافضة للسلطة الجديدة من جانب بعض الأطراف المسلحة. 
وليست نتيجة التصويت مفاجأة للداخل الليبي فقط، بحسب الشاوش، بل أيضاً لأطراف إقليمية شديدة الصلة بالملف الليبي، كـ"القاهرة التي تؤيد عقيلة صالح واقترب منها باشاغا بشكل كبير، وأبوظبي أيضاً التي شجعت انخراط الشريف الوافي حليف حفتر في الانتخابات النهائية"، مشيراً إلى تدخل عواصم ذات ثقل كبير لتغيير اتجاه الأوضاع في ليبيا بهدف فرضه على أطراف قريبة من ميدان الصراع العسكري في ليبيا. 
وبشكل أوضح، يرى الشاوش أن واشنطن كانت تقف وراء وصول المسار السياسي الى هذه النتيجة، وقال إن "إصرار واشنطن على بقاء الدبلوماسية الأميركية ويليامز في منصبها الأممي حتى بعد تعيين مبعوث جديد وتصريحات السفير الأميركي كلها تدل على تأثير واشنطن لفرض رؤيتها الخاصة المنشغلة بإبعاد حلفاء موسكو من السلطة".
ولفت الشاوش إلى أن تشكيل السلطة الجديدة من أعضاء محايدين يدل على نية واشنطن وحلفائها تجميد الأوضاع خلال الأشهر القليلة المتاحة لها. 
وإثر اتهام نشطاء ليبيين للسفير الأميركي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند، بمحاولة التأثير بمجريات ملتقى الحوار لفرض أجندة بلاده، نقلت السفارة، عبر صفحتها الرسمية على "تويتر" الخميس الماضي، على لسان السفير قوله إن "القول بأن الولايات المتحدة تحاول فرض نتيجة معينة على ملتقى الحوار الليبي، تفكير قديم وإهانة للشعب الليبي الذي استودع آماله في هذه العملية".

لكن الشاوش يؤكد أنه لا مجال لإنكار التأثير الأميركي بمجريات الحوار ونتائجه، متسائلاً: "لماذا جاء رد السفارة في هذا التوقيت الحساس، رغم أن التدخل الأميركي في كل الشؤون معلوم ومعروف، ما يدل حقيقة على سعي واشنطن إلى فرض رؤية خاصة بها لأهداف تتعلق بمصالحها ومصالح حلفائها". 

ويرجّح الشاوش أن تحقق السلطة الجديدة رغبة واشنطن بعزل موسكو وحلفائها مثل حفتر، والضغط عليها من خلال لجنة مراقبة دولية لاتفاق وقف إطلاق النار ستطالب السلطة الجديدة بتسريع إرسالها. 
وسارعت واشنطن إلى جانب المملكة المتحدة وإيطاليا وفرنسا وألمانيا إلى تحذير "من يهددون الاستقرار أو يقوضون العملية السياسية في ليبيا"، بحسب بيان مشترك صادر أمس الجمعة. وطالب البيان جميع الأطراف الليبية بـ"دعم السلطة التنفيذية الجديدة في أداء واجباتها تجاه الشعب الليبي، والتنفيذ الكامل لحظر الأسلحة، ودعم الانسحاب الفوري لجميع المقاتلين والمرتزقة الأجانب".

المساهمون