الرئيس اللبناني يدعو إلى حوار وطني "في ظل التحولات الخارجية"

21 نوفمبر 2020
دعا عون إلى تحرير عملية تشكيل الحكومة من التجاذبات (حسين بيضون)
+ الخط -

دعا الرئيس اللبناني ميشال عون خلال كلمة توجه بها إلى اللبنانيين، مساء اليوم السبت، لمناسبة ذكرى الاستقلال السابعة والسبعين، إلى إطلاق حوار وطني "لبحث ما تفرضه التحولات في المنطقة والعالم من تغيرات في جميع القطاعات السياسية والأمنية والدفاعية، لنستطيع مواكبة هذه المرحلة، فتوضع كل الخلافات جانباً وتلتقي الإرادات للخروج معاً بموقف موحّد يحصّن لبنان ولا يسمح بأن يكون أضحية التفاهمات الكبرى وكبش محرقتها".

وتطرق الرئيس عون في كلمته إلى "المتغيرات والتحولات السياسية الجذرية دوليّاً وإقليميّاً، ومنها اعتراف دول عربيّةٍ عدة بإسرائيل وسيرها نحو التطبيع الكامل معها، وفي ذلك، ومع الأسف، قبول ضمني بضياع القدس والجولان، فضلاً عن ارتفاع وتيرة الضغوط الأميركية قُبيلَ تسلُّم الإدارة الجديدة، وكذا عودة روسيا إلى ملفِّ النازحين".

 

وتأتي كلمة الرئيس عون عشية مرور شهر على تكليف رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري تشكيل الحكومة في 22 أكتوبر/ تشرين الأول، في ظل الخلافات والعقد الكثيرة التي تحول دون ولادتها، بما يهدد مصير المبادرة الفرنسية التي يعتبرها لبنان بمثابة الفرصة الأخيرة للنهوض بالبلاد اقتصادياً وتفادي الانهيار الشامل، إذ إن الصراع على الحقائب الوزارية مستمرٌّ، ولا سيما بين الحريري ورئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، الذي أعلن صراحة أن الحكومة ستتأخر في حال عدم سير الحريري بوحدة معايير ومداورة شاملة في التشكيلة الوزارية.

ويرى باسيل أن الحريري يتعاطى باستنسابية في الملف الحكومي، وأعطى وعوداً لأحزاب بتسمية وزراء طائفتها، وخصوصاً "حركة أمل" التي يتزعمها رئيس البرلمان نبيه بري، وهو يريد تسمية وزراء الطائفة السنية، بينما يحرّم على باسيل المشاركة في التشكيلة وإبداء رأي فيها وأقله اختيار وزراء الطائفة المسيحية. كما يعمد الحريري، تجنباً للعقوبات الأميركية التي شملت باسيل وتهدد شخصيات سياسية أخرى من بينها من ينتمون إلى فريق الحريري، إلى رفض إعطاء بعض الوزارات لفريق "حزب الله" وباسيل والعهد، ولا سيما وزارات الخارجية والطاقة والمياه والاتصالات والصحة التي شددت المبادرة الفرنسية، ومن ورائها المجتمع الدولي، على ضرورة أن يتولاها مختصون ومستقلون نظراً لحجم الهدر والفساد فيها، بينما ترفض الولايات المتحدة دعم أي حكومة يكون "حزب الله" ممثلاً فيها أو صاحب القرار داخلها، وذلك جاء صراحة على لسان سفيرتها في لبنان دوروثي شيا.

وزاد رصيد باسيل عند "حزب الله" بعد العقوبات الأميركية، وشدد مصدر قيادي في الحزب، لـ"العربي الجديد"، على أن الحريري لا يمكنه إقصاء تكتلات وأحزاب وتركها بعيداً من مشاوراته واتصالاته، وعليه أن يتعاون مع كل الكتل النيابية التي بيدها منح حكومته الثقة.

وتساءل رئيس الجمهورية، في رسالته، "أولم يحن الوقت بعد، في ظل كلّ تلك الأوضاعِ الضاغطة، لتحرير عملية تأليف الحكومة العتيدة من التجاذبات، ومن الاستقواء والتستّر بالمبادرات الإنقاذية للخروج عن القواعدِ والمعاييرِ الواحدة التي يجبُ احترامُها وتطبيقُها على الجميع، كي يستقيمَ إنشاءُ السلطةِ الإجرائية وعملها؟".

 

من جهة ثانية، دعا الرئيس عون القضاء "إلى الإسراع من دون التسرّع في التحقيق في انفجار مرفأ بيروت لأن للبنانيين، وخصوصاً لمن طاولتهم الكارثة مباشرة، من جرحى وأهل الضحايا أو أصحاب الحقوق، الحق بمعرفة النتائج". علماً أن اللبنانيين غاضبون من مماطلة القضاء بالتحقيقات بعد مرور أكثر من 3 أشهر على الكارثة، في حين تقتصر التوقيفات على شخصيات إدارية وأمنية وتستثني رجال السياسة من الصف الأول، المسؤولين عن الانفجار عن قصدٍ أو لإهمال وظيفي، واكتفاء القضاء بالاستماع إليهم بصفة شهودٍ.

من جهة أخرى، رأى عون "أنه لا قيام لدولة قادرة وفاعلة في ظل الفساد، والبداية هي في فرض التحقيق المالي الجنائي، ثم عبر إقرار مشاريع واقتراحات قوانين الإصلاح والمحاسبة، والانتظام المالي الموجودة في مجلس النواب وفي مقدّمِها استعادةُ الأموالِ المنهوبة والمحكمةُ الخاصة بالجرائمِ الماليّة، والتحقيقُ التلقائي في الذمةِ الماليّة للقائمينَ بخدمةٍ عامّة... وأقلَّه إقرارُ قوانين تحفظُ وتصونُ كرامةَ الإنسان، وأولها قانون ضمان الشيخوخة".

وأكد رئيس الجمهورية أنه "لن يتراجعَ أو يحيدَ عن معركته ضد الفساد المتجذِّر في مؤسساتِنا"، وأنه "لن يتراجعَ في موضوعِ التدقيق المالي الجنائي مهما كانت المعوقات، وسوف يتخذ ما يلزمُ من إجراءات لإعادة إطلاق مسارِه المالي".

 

وأضاف: "وطنُنا اليوم، أسيرُ منظومةِ فسادٍ سياسيٍ، مالي، إداري، مغطّى بشتّى أنواعِ الدروعِ المُقَوننة، الطائفية والمذهبية والاجتماعية، كما أنه أسير منظومة تمنع المحاسبة بالتكافـلِ والتضامن، وتؤمّن ما يلزم من الذرائع والابتكاراتِ لتخطّي القوانين، وعرقلة تطبيقِها، بالإضافة إلى أنه أسيرُ اقتصادٍ ريعي قتل إنتاجه وذهبَ به نحو الاستدانة ووضعه مُجبراً في خانةِ التبعية لتلبيةِ احتياجاته والارتهانِ للدائنين، وأسيرُ قضاءٍ مُكَبـّلٍ بالسياسةِ وبهيمَنةِ النافذين وسياسات كيدية معرقِـلة وإملاءات وتجاذُبات خارجية وارتهانات داخلية تجعل الاستقلال والسيادة والديمقراطية مجرّد كلمات جوفاء".

 

يشار إلى أن وزير المال اللبناني في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني، أبلغ الرئيس عون بأنه تلقى كتاباً، أمس الجمعة من شركة "ألفاريز ومارسال" بإنهاء الاتفاقية الموقعة مع وزارة المال للتدقيق المحاسبي الجنائي، بسبب "عدم حصول الشركة على المعلومات والمستندات المطلوبة للمباشرة بتنفيذ مهمتها، وعدم تيقنها من التوصل إلى هكذا معلومات حتى ولو أعطيت لها فترة ثلاثة أشهر إضافية لتسليم المستندات المطلوبة للتدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان".

ووقعت خلافات داخلية وسياسية كبيرة بشأن التدقيق الجنائي، في حين تمنّع حاكم البنك المركزي رياض سلامة عن تسليم كافة البيانات للشركة بذريعة السرية المصرفية وقانون النقد والتسليف.