الرئيس التونسي يراجع موقفه بشأن الحماية الفرنسية

22 أكتوبر 2021
قيس سعيّد يرفض أي انتقادات لتفرده بالسلطة (الرئاسة التونسية/Getty)
+ الخط -

دفعت الانتقادات الخارجية، ولا سيما الأوروبية، الموجهة للرئيس التونسي قيس سعيّد، لخطواته التي تفرد من خلالها بالسلطة، إلى إعادة النظر في توصيفه السابق للاحتلال الفرنسي لتونس بكونه حماية، إذ أكد أمس الخميس أنه استعمار في نهاية الأمر.
وكان سعيّد قد تطرق في 23 يونيو/ حزيران 2020، خلال مقابلة مع قناة "فرانس 24" على هامش زيارته إلى باريس، إلى مسألة مطالبة فرنسا بالاعتذار عن جرائم الاستعمار، التي طالب بها "ائتلاف الكرامة" ولم تحصل على تأييد في البرلمان التونسي، واعتبر أن فرنسا ارتكبت جرائم في تونس، ولكن في ظل نظام حماية لا استعمار مباشر كما حصل في الجزائر.
وردا على سؤال بخصوص تقديم فرنسا اعتذارا، قال سعيّد حينها "إن من يعتذر يدين نفسه"، مشددا على أن "تونس لها الحق أن تطلب الاعتذار لكن بطرق أخرى وليس بلائحة في البرلمان، والاعتذار من الأفضل أن يكون عبر تعويضات أو بعث مشاريع في البلاد".
كما اعتبر أنّ طلب الاعتذار في البرلمان "لم يكن بريئا"، متسائلا "لماذا نطلب الاعتذار الآن بعد 60 سنة؟".
وأثار ذلك الموقف دهشة التونسيين وقتها وخلف موجة كبيرة من ردود الفعل، ولكنه تراجع مساء أمس، في خطابه لدى إشرافه على مجلس الوزراء، وقال إن "الحماية هي استعمار في نهاية الأمر".
وفسر كثيرون هذا التحول في موقف سعيّد بتدهور العلاقات مع فرنسا بعد صدور قرار في البرلمان الأوروبي، أمس الخميس، يدعو إلى عودة المؤسسات ويعكس انزعاجا من تجميع السلطات بيد الرئيس، كذلك توقيع فرنسا على بيان السبع الكبار الداعي إلى عودة عمل المؤسسات الدستورية، وتأجيل القمة الفرنكوفونية، التي كان يفترض أن تُعقد الشهر القادم بجزيرة جربة التونسية، إلى العام القادم، بالإضافة إلى انتقادات كبيرة في الصحافة الفرنسية لقرارات سعيّد بشكل يكاد يكون يوميا.

واعتبر أستاذ التاريخ السياسي المعاصر بتونس عبد اللطيف الحناشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تغير موقف سعيّد يرجع إلى أسباب عديدة، من بينها أنه يحاول دائما أن يستجيب للشارع ولثقافة الشارع، التي هي في الواقع غير عقلانية، في حين أن الخطاب السياسي يجب أن يكون عقلانيا لأنه موجه للدول".
وأوضح المتحدث ذاته أن "هذا التراجع ربما يعود إلى الضغط الذي حصل حول قضية الاستعمار والحماية، خاصة أن عددا هاما من الشارع لم يتفاعل إيجابيا مع مفهوم الحماية وحصل تنديد عند تصريح سعيّد السابق".
وأضاف الحناشي أنه شخصيا كتب حينها عن الموضوع، وبين أنه استعمار وليس حماية، مضيفا أن "السبب الثاني لهذا التراجع قد يعود أيضا للخلافات الحادة بين فرنسا والجزائر حول موضوع الاستعمار وقضية الأرشيف والضحايا الذين سقطوا، وسعيّد يبدو أنه يريد أن ينساق مع الخطاب الجزائري، خاصة أن تونس تستعد لاستقبال الرئيس الجزائري (عبد المجيد تبون) قريبا".
وأضاف أن "الجزائر من الدول التي يعول عليها سعيّد لمساعدة تونس وتوقيع اتفاقيات وهبات"، مؤكدا أن "تونس مقبلة على موازنة تكميلية، وقد تستعين بالجزائر لتعبئة بعض الموارد".
وسجل الحناشي أن "سعيّد له خلفية قانونية، وكان من المفروض أن يستعين بخلفية علمية واضحة عند استعمال مثل هذه المصطلحات، لكي يكون صادقا مع نفسه وتوجهاته"، مبينا أن "الرئيس التونسي عندما تحدث عن حماية قد يكون استند إلى مرجعية القانون الدولي، ولكن الحماية لم تأت بالرضى بل نتيجة غزو وسقوط ضحايا وفرضت بالقوة وليس عن طريق علاقات دولية". وكشف أنها "ليست المرة الأولى التي يتراجع فيها سعيّد أو يستعمل مصطلحات غير دقيقة لأن خطابه ارتجالي".
وكتب رئيس "المرصد التونسي لاستقلال القضاء" والرئيس السابق والشرفي لجمعية القضاة التونسيين القاضي أحمد الرحموني، في تدوينة على حسابه بموقع "فيسبوك": "في خطاب اليوم، أصبحت الحماية استعمارا في نهاية الأمر.!".

ووجه الرئيس التونسي، أمس الخميس، خطابا شديد اللهجة إلى منتقديه من الدول الأوروبية وغيرها، مطالبا إياها بعدم التدخل في الشأن الداخلي لتونس واحترام السيادة، مؤكدا أن "دونها الموت" على حد تعبيره.
ورفض سعيّد التداول في الشأن التونسي في جلسات وبرلمانات أجنبية وتوجيه انتقادات وحلول لتونس، داعيا إلى احترام الدولة التونسية.

المساهمون