الحوثيون يبتزون المجتمع الدولي قبل انتهاء الهدنة

30 سبتمبر 2022
من أهم شروط الهدنة فتح طرقات تعز (أحمد الباشا/فرانس برس)
+ الخط -

تقترب الهدنة اليمنية، التي تنتهي بعد غدٍ الأحد، من اللحظات الحاسمة، لجهة التوافق على تمديدها، سواء لشهرين كما حصل منذ إعلانها المرة الأولى، في 2 إبريل/ نيسان الماضي، أو لستة أشهر دفعة واحدة كما تضغط واشنطن، أو لجهة اندلاع تصعيد جديد للصراع، في الوقت الذي تكثّف الجهود الدبلوماسية بين الأطراف اليمنية لتمديد جديد.

وتسود قناعة لدى مسؤولين ومراقبين يمنيين بأن جماعة الحوثيين يستغلون الإجماع الدولي لإبقاء الهدنة في اليمن قائمة، خصوصاً في ظل الرغبة في وضع حد للصراع في اليمن والحفاظ على الاستقرار في المنطقة مع اقتراب استضافة قطر كأس العالم في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، في ممارسة الابتزاز من أجل الحصول على مكاسب أكبر مما حصلوا عليها سابقاً.

ويركز الحوثيون هذه المرة على ضرورة دفع الحكومة اليمنية رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم. في مقابل ذلك، فإنهم يرفضون كثيراً من المتطلبات التي من المفترض القيام بها خلال الستة الأشهر الماضية من الهدنة، ومنها فتح الطرق في مدينة تعز، والذي يعد من أبرز الملفات الإنسانية.

وإلى جانب توقف المعارك على الجبهات الداخلية طيلة فترة الهدنة، فإنها قادت أيضاً إلى توقف الهجمات التي تنفذها جماعة الحوثيين عبر طائرات مسيّرة ضد أهداف في السعودية والإمارات.

وفي محاولة أخيرة لإقناع الحوثيين بتمديد الهدنة في اليمن، زار المبعوث الأممي هانس غروندبرغ العاصمة اليمنية صنعاء أول من أمس الأربعاء، والتقى مسؤولين في سلطة الجماعة، بعدما أنهى جولة له في السعودية وسلطنة عُمان، في الوقت الذي دعت 44 منظمة إنسانية ودولية عاملة في اليمن أطراف النزاع إلى تمديد الهدنة وتوسيعها.

يركّز الحوثيون هذه المرة على ضرورة دفع الحكومة اليمنية رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم

وقال غروندبرغ، عقب انتهاء زيارته إلى صنعاء، إنه "أجرى نقاشات مكثفة حول القضايا المتعلقة بدفع رواتب الموظفين والمسائل المتعلقة بالموانئ والمطار والحفاظ على هدوء الجبهات الأمامية". وأضاف، في بيان مقتضب نشره مكتبه أمس الخميس، أن "تجديد الهدنة وتوسيعها هو ضرورة إنسانية وضرورة سياسية، كما أنها فرصة لا يمكن أن نضيعها". ولفت إلى أن "الهدنة أحدثت أثراً ملموساً على حياة اليمنيين، لدينا الفرصة للبناء على هذه الفوائد وتوسيعها".

وأشار إلى أن "السعي لتحقيق السلام على الحرب يتطلب شجاعة وقيادة من جميع الأطراف، وإذا كانت هناك عودة للحرب، فإننا قد لا نحظى بهذا النوع من الفرص مرة أخرى مجدداً لفترة طويلة".

بدورها، شدّدت المنظمات الدولية العاملة في اليمن، أمس الخميس، في بيان مشترك، مخاطبةً أطراف الصراع، على أن "مستقبل الشعب اليمني في أيديهم". وقالت إن "تمديد الهدنة لفترة أطول سيكون الخطوة الأولى لمواصلة البناء على المكاسب التي تحققت خلال الأشهر الماضية لتقديم مساعدات طويلة الأمد".

وحذرت هذه المنظمات من أنه "إذا بدأ الصراع من جديد، فإنه لا يخاطر فقط بتدمير المكاسب التي تم تحقيقها، بل يهدد التنمية المستقبلية لليمن". ومن بين المنظمات الموقعة على البيان: "أوكسفام" و"المجلس النرويجي للاجئين" ومنظمات أخرى عاملة في اليمن.

شرط الرواتب لتمديد الهدنة

وتتمسك جماعة أنصار الله (الحوثيين) بشروط جديدة لتمديد الهدنة، إذ تضغط تحديداً في ما يخص تسليم رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها.

وأعلن الحوثيون أول من أمس الأربعاء رفضهم تجديد الهدنة ما لم يتم دفع الرواتب. وقال رئيس المجلس السياسي (الحوثي) مهدي المشاط إن "صرف رواتب كافة موظفي الدولة ومعاشات المتقاعدين مطلب أساسي وإذا لم يتحقق ذلك وتتحسن مزايا الهدنة فلن نقبل بتجديدها، لأن ذلك يعتبر قبولاً باستمرار الحرب والحصار بطريقة أشرس من الحرب العسكرية"، وفق ما نقلت وسائل إعلام حوثية.

ويطالب الحوثيون بدفع الرواتب بمناطق سيطرتهم من قبل الحكومة اليمنية. واتهم رئيس وفد الحوثيين التفاوضي محمد عبد السلام التحالف الذي تقوده السعودية بنهب موارد اليمن. وقال في تغريدة على "تويتر" أمس، إن "إيرادات اليمن السيادية من النفط الخام والغاز والتي تنهب وتورد إلى خارج اليمن كفيلة بصرف الرواتب لكافة الموظفين اليمنيين ومعاشات المتقاعدين". وأضاف أن "هذه استحقاقات إنسانية وقانونية لا منّة لأحد فيها، والمراوغة عنها لن تؤدي إلى سلام ثابت وحقيقي".

في المقابل، تطالب الحكومة الشرعية الحوثيين بدفع الرواتب من عوائد ميناء الحديدة، بالإضافة إلى ضرورة الالتزام بالبند الأساسي المتعثر في فتح الطرقات بتعز ومحافظات أخرى.

تطالب الحكومة الشرعية الحوثيين بدفع الرواتب من عوائد ميناء الحديدة وفتح طرقات تعز

وقال عضو مجلس الرئاسة اليمني سلطان العرادة، أمس الخميس، إن "المجلس الرئاسي قدم الكثير من التنازلات من أجل إحلال السلام والاستقرار، والتخفيف من المعاناة الإنسانية في البلاد". وأكد "ضرورة الضغط على الحوثيين للوفاء بالتزاماتهم بموجب الإعلان الأممي، بما في ذلك فتح طرق تعز وباقي المحافظات، ودفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم من عوائد موانئ الحديدة"، وفق ما نقلت وكالة "سبأ" بنسختها التي تديرها الحكومة اليمنية.

إلى ذلك، اعتبر نائب رئيس لجنة المصالحة عبد الملك المخلافي أن "الهدنة مصلحة للشعب اليمني وللسلام، ولكن الحوثي بما يطرح من شروط يريدها مصلحة له ولمشروعه".

وقال، في تغريدات على "تويتر"، إن "الحكومة الشرعية مع فتح الطرقات الداخلية، وفي المقدمة طرقات تعز، ومع فتح مطار صنعاء ومع صرف الرواتب، ولكنها ليست مع مماطلات وانتقائية الحوثي في الطرق، وليست مع محاولته تمرير جواز (سفر) مزور يضعف الجواز اليمني، وليست مع نهب موارد الحديدة المخصصة للرواتب وعدم صرفها للرواتب كما يشترط الحوثي".

وأضاف المخلافي أن "اتفاق استوكهولم نصّ على تخصيص موارد ميناء الحديدة لدفع الرواتب، والتي لم تدفع بسبب الحوثي، ومنذ ذلك الوقت تراكمت مئات المليارات التي تكفي لرواتب أشهر كثيرة". ورأى أنه "ينبغي على الحوثي أن يثبت مصداقيته في المطالبة بدفع الرواتب للبدء بتنفيذ هذا الاتفاق قبل أن يطالب باتفاق جديد".

بناء الثقة وتفاصيل معقدة

وشكلت بنود الهدنة وعدم تحديدها بشكل دقيق حالة من التعثر الحاصل في تنفيذها، في ظل عدم الثقة بين الأطراف اليمنية، حيث ظل مصطلح "توسيع الهدنة"، الذي أعلن في التمديد السابق للهدنة في 2 أغسطس/ آب الماضي، ويضم مطالبات الأطراف اليمنية، بلا أي إجراء عملي.

وقال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، إن "التفاصيل التي تخص شرط الحوثيين بدفع الرواتب معقدة، حيث يتطلب الاتفاق قبل ذلك على مجموعة من الإجراءات الثنائية، وأولها الالتزام باتفاق الحديدة في ما يخص الإيرادات، بالإضافة إلى إنهاء حالة الانقسام النقدي، وإلغاء منع الحوثيين للفئات النقدية التي طبعها المصرف المركزي".

واعتبر وزير الخارجية اليمني الأسبق أبو بكر القربي أن "اتفاقية الهدنة تواجه صعوبة تفسير الغموض البَنّاء في صياغتها وعدم وضوح نوايا الأطراف وضمانات التنفيذ". وأضاف في تغريدة على "تويتر"، أن "الخلاف الآن هو حول فترة الهدنة والموارد لصرف الرواتب وكشوف المستحقين ومن سيُمول العجز"، مشيراً إلى أن "هذا سيكشف من يرى من أطراف الصراع في الهدنة كفرصة لوقف الحرب ومن يريدها مجرد استراحة محارب".

يُرجح أن تُمدد الهدنة بضغوط من قبل الدول الإقليمية الداعمة للأطراف اليمنية

ومع ذلك، ورغم التعقيدات التي تفرض أمام التمديد لها، يرجح أن تمدد الهدنة بالفعل بضغوط من قبل الدول الإقليمية الداعمة للأطراف اليمنية. ورأى المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات، ماجد المذحجي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الإرادة السياسية للدفع بتمديد الهدنة متصلة بالفاعلين السياسيين الدوليين والإقليميين فأميركا مقبلة على انتخابات نصفية بالإضافة إلى كأس العالم في قطر، والعالم لا يريد أي صداع من اليمن في هذا الوقت".

ويأتي ذلك علماً أن القيادي البارز في جماعة الحوثيين، رئيس ما يسمى باللجنة الثورية العليا للحوثيين، محمد الحوثي، كتب على "تويتر" أخيراً: "للشقيقة ‎قطر 2022، مستعدون للمساعدة من خلال المشاركة في تأمين فعالية كأس العالم إذا تطلب الأمر لديكم لذلك"، وهو ما طرح تساؤلات حول الهدف من هذه التغريدة.

من جهته، أعرب المحلل السياسي اليمني، حسين الصوفي، عن اعتقاده بأن "سلوك الابتزاز الحوثي ليس في الهدنة فقط وحاجة المجتمع الدولي لذلك لتأمين الطاقة مع الأزمة العالمية بمنع استهداف السعودية من جديد، بل مارسوا من قبل تهديدات على أمن الملاحة الدولية بالألغام البحرية". ويتعدى الاستغلال برأيه، "حتى في ما يخص القضايا التي يمكن أن تسبب كوراث لليمنيين بالدرجة الأولى، ومنها رفضهم إصلاح خزان صافر".

وأضاف الصوفي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن التهديدات الحوثية المستمرة من خلال الاستعراضات العسكرية مستغلين المخاوف الدولية على أمن الطاقة، تؤكد أنهم ذراع إيرانية يتم استخدامهم من أجل ابتزاز المجتمع الدولي فقط".

وقال الصوفي: "من مصلحتهم تمديد الهدنة لأن هناك الكثير من الدلال يحيط بهم من قبل المجتمع الدولي، لم نجد الضغط عليهم في أهم الملفات الإنسانية بدءاً من الإفراج عن المختطفين الذي كان الملف الأساسي أثناء تفاوض إعلان الهدنة في إبريل الماضي". وتابع: "أيضاً رفضوا لاحقاً بنداً من بنود الهدنة وهو فتح الطرق في تعز مقابل تدشين رحلات من مطار صنعاء الذي تمّ بالفعل، لكنهم ومع ذلك يواصلون الاشتراطات والابتزاز لتحقيق مكاسب، وهذه ربما التزاماً بتوجيهات إيرانية بعد تعثر الاتفاق النووي".

المساهمون