الحكم على الباقر وأكسجين وعبد الفتاح: ورقة ضغط جديدة

22 ديسمبر 2021
عبد الفتاح في منزله في عام 2019 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

لم يلتفت النظام السياسي الحاكم في مصر إلى أي من المناشدات الدولية سواء الرسمية أو غير الرسمية، للإفراج عن المعتقلين الثلاثة علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر ومحمد إبراهيم الملقّب بـ"أكسجين".

وآخر تلك المناشدات صدرت عن وزارة الخارجية الألمانية، التي اعتبرت، قبل صدور الحكم أول من أمس الإثنين، بحق الباقر "يُعدّ بالنسبة للحكومة الاتحادية بمثابة إشارة للاتجاه الذي تتطور إليه حالة حقوق الإنسان في مصر".

وأشارت الوزارة في بيان إلى أن "الحكومة الألمانية تتوقع أن تعمل الحكومة المصرية على تحقيق محاكمة عادلة، وكذلك الإفراج عن الباقر والمتهمين الآخرين علاء عبد الفتاح ومحمد إبراهيم".


لا يمكن الطعن بالحكم إلا أنه ينتظر تصديق الحاكم العسكري عليه، وهو رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة

الردّ المصري على بيان الخارجية الألمانية جاء عملياً، إذ لم يكتفِ فقط ببيان الخارجية المصرية التي ردت فيه على نظيرتها الألمانية، واعتبرت أن "هذا الأسلوب الذي ينطوي على تجاوزات غير مقبولة، هو تدخّل سافر وغير مبرّر في الشأن الداخلي المصري، ويُصادر على مسار قضائي من دون دليل أو سند موضوعي".

وجاء الرد عن طريق محكمة جنح أمن الدولة طوارئ، التي أصدرت حكمها بسجن عبد الفتاح خمس سنوات، وكل من الباقر وأكسجين أربع سنوات.


الحكم على علاء عبد الفتاح ومحمد الباقر وأكسجين كان متوقعاً

ويقول مراقبون وحقوقيون مصريون إن الحكم على عبد الفتاح والباقر وأكسجين كان متوقعاً، لأنه "تمّ نسخ القضية وإحالتها للمحاكمة قبل رفع حالة الطوارئ مباشرة".

أما بالنسبة إلى الشق السياسي، فيرى مراقبون أيضاً أن الحكم كان متوقعاً "بعد بيان الخارجية المصرية رداً على مطالبة الخارجية الألمانية بالإفراج عن المعتقلين وضمان حرية التعبير في مصر، والذي رفضت فيه الخارجية المصرية التدخل في الشأن الداخلي وطالبت نظيرتها الألمانية بأن تهتم بشؤونها الداخلية".

وعلى الرغم من أن الحكم الصادر من محكمة جنح أمن الدولة طوارئ، لا يمكن الطعن عليه بحسب قانون الطوارئ الذي تم وقف العمل به منذ نحو شهرين، إلا أنه ينتظر تصديق الحاكم العسكري عليه، وهو رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء الذي نقل إليه رئيس الجمهورية بعض صلاحياته.

وحسب القانون، فإن الحاكم العسكري يمكن أن يؤيد الحكم أو يلغيه أو يخففه أو يعيد المحاكمة في القضية، لكن لا يوجد نص قانوني يلزم الحاكم العسكري بمهلة معينة للبت في الحكم.

وقال دبلوماسي مصري سابق، طلب عدم ذكر اسمه، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "سياسة النظام المصري تجاه الغرب في ما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان أصبحت معروفة وواضحة للجميع، إذ إن النظام في مصر أصبح يعي تماماً أن قضية حقوق الإنسان هي مجرد ورقة ضغط في يد الغرب لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، وعلى هذا الأساس يتعامل النظام المصري".

وأوضح المصدر أنه بالنسبة للدول الأوروبية "يعرف النظام المصري أن صفقات السلاح هي الأكثر قدرة على إسكات المطالبة بحقوق الإنسان، أما بالنسبة للولايات المتحدة، فحفظ أمن إسرائيل هو الوسيلة لتخفيف الضغط على مصر في مجال حقوق الإنسان".

واعتبر أن "البيانات التي تصدر عن الدول الغربية بشأن قضايا حقوق الإنسان تصبح بلا قيمة إذا لم ينتج عنها شيء إيجابي".


يعرف النظام أن صفقات السلاح هي الأكثر قدرة على إسكات المطالبة بحقوق الإنسان

وتوقع الدبلوماسي السابق أن "يعطل الرئيس عبد الفتاح السيسي التصديق على الأحكام ضد المعتقلين الثلاثة، وأن يحتفظ بها كما فعل مع معتقلي الأمل، حتى يحتفظ بورقة لعب إذا اشتد الحصار عليه في مسألة حقوق الإنسان".

في المقابل، ذكر المتحدث باسم الخارجية الأميركية نيد برايس أن واشنطن تشعر "بخيبة أمل" جراء الأحكام على ناشطين مصريين، منهم عبد الفتاح وأكسجين والباقر.

وأضاف برايس أن "واشنطن ناقشت مع القاهرة قضايا حقوق الإنسان بشكل مستمر، وأبلغت القاهرة بأنه يمكن تحسين العلاقات بين البلدين إذا حققت تقدماً في ملف حقوق الإنسان".

الرد المصري على التصريحات الأميركية جاء أيضاً بطريقة غير رسمية، وصدر في شكل تصريحات للمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد حافظ، لوكالة الأنباء الرسمية (أ ش أ).

وقال إنه "ليس من المناسب إطلاقاً التعليق بأي شكل، أو التطرق إلى أحكام تصدر عن القضاء تنفيذاً لقوانين، واستناداً لأدلة وأسانيد دامغة وقاطعة، في إطار مسار قضائي عادل ونزيه ومستقل".

ورأى أنه "لا يجوز تناول مثل تلك المسائل القضائية في أي أطر سياسية، أو ربطها بمسار العلاقات بين البلدين، لما ينطوي عليه ذلك من تعقيدات غير مبررة".

أحكام في ظلّ قانون الطوارئ المصرية

قانونياً، أكد حقوقيون أن الأحكام التي صدرت ضد النشطاء الثلاثة صدرت في وضع استثنائي بسبب قانون الطوارئ، وهو الأمر الذي يهدم أي فرصة لاستقلال القضاء، وأضافوا أن مجريات المحاكمة في القضية نفسها كانت ظالمة وتفتقر لأدنى معايير العدالة والنزاهة.

وأكد أحد المحامين الذين حضروا الجلسة لـ"العربي الجديد"، أن الحكم "لم ينطق به القاضي، ولكن بعد انتظار لنحو خمس ساعات خرج حاجب المحكمة لتلاوة الحكم بنفسه، وهو ما حدث قبل ذلك في قضية تحالف الأمل منذ نحو شهر".

وأشار المحامي، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، إلى "عدم السماح للمحامين والمتهمين بالاطلاع على مجريات القضية من خلال السماح لهم بالحصول على صورة من ملف القضية لكي يبنوا مرافعتهم على أساسها، كما لم يسمح لهم بزيارة موكليهم، ولم تحصل مرافعة أساساً في القضية".

واعتبر أن الحكم على عبد الفتاح والباقر وأكسجين هو "استمرار للنهج القمعي للنظام، والذي يصر على السير فيه، رغم كل الكلام عن استراتيجية حقوق الإنسان، والانفراجة السياسية، ومحاولات أشخاص مثل النائب محمد أنور السادات مع النظام للإفراج عن معتقلين، لكن الحقيقة غير ذلك".