الجزائر... كثيرٌ من التنمية قليل من الديمقراطية

07 أكتوبر 2020
بقيت الإرادة الشعبية مغيبة في كل المسارات (فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -

لم تكن تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن تأثره بمسار ومواقف وإنجازات الرئيس الراحل هواري بومدين لافتة للنظر، لكن هل يمكن أن يبلغ هذا التأثر حدّ محاولة استدعاء نفس عنوان فترة حكم بومدين: "كثير من التنمية قليل من الديمقراطية"؟ يعرف عن الرئيس بومدين (1965-1978)، بعد وصوله لحكم الجزائر، تعطيله العمل بالدستور والحياة النيابية، وصرف كل المجهود الحكومي في التنمية، لكن ذلك كلّه انهار بعد سبع سنوات من وفاته، عندما دخلت البلاد في أتون أزمة خانقة، انتهت بانتفاضة أكتوبر 1988. بالتأكيد، إن سبع سنوات لن تكون كافية لهدر مجهود كبير من التنمية، إلا إذا كانت هذه التنمية لم تبن على أساس صلب، ولم تأخذ بأسباب النجاح والاستمرار، لكن ثمّة سبب آخر قد يكون عامل هدر لذلك المشروع الطموح، وهو عدم توفر المؤسسات الديمقراطية الفاحصة.
أكثر من عنوان يسمح بافتراض أن الرئيس تبون يتبنى خيار "كثير من التنمية قليل من الديمقراطية". يبدو ذلك واضحاً من خلال ما يطرحه من خطط بيروقراطية تتوجه للتنمية وبناء اقتصاد المعرفة وتحرير بعض القطاعات الحيوية ووضع الجنوب في قلب مشروعه الاقتصادي، واهتمامه بالريف والمناطق الفقيرة، ومن خلال تجاهله للمطالب الديمقراطية واستمراره في سياسات التضييق على الحريات واعتراضات الشارع وغالبية القوى السياسية على مشروع الدستور. ويستفيد الرئيس من رصيده كبيروقراطي عتيق، عمّر طويلاً في دواليب الحكم.

هل سينجح هذا الخيار؟ على مرّ التاريخ السياسي للجزائر المستقلة، وُضع الجزائريون، دون إرادة منهم في الغالب، ضمن مسارات وتجارب سياسية مختلفة، قُدّمت في بعضها التنمية كأولوية، وقُدّمت الديمقراطية في أخرى، وفي كلّ مرة كان الجزائريون يصابون بالخيبة حين تنتهي المسارات إلى خسارة التنمية والديمقراطية معاً. في أكتوبر 1988، خسر الجزائريون رهان التنمية بسبب الإفلاس، وطالبوا بالديمقراطية، وبعد الأزمة الدامية الناتجة عن ديمقراطية الفوضى، خسر الجزائريون الديمقراطية لصالح مطلب الأمن والخبز والتنمية، لكنهم اكتشفوا عام 2019، إنفاق 980 مليار دولار في غضون عقدين، دون أن يتحقق لهم الحد الأدنى من التنمية بسبب غياب مؤسسة ديمقراطية تضمن الشفافية في إدارة الشأن والمال العام.

عامل واحد هو القاسم المشترك بين كل هذه المسارات، الإرادة الشعبية المغيبة. كل مسار منها لم يخضع للتقييم العلمي والموضوعي الهادئ، وفي الوقت ذاته لم يخضع المسار الذي يليه للقدر الكافي من النقاش بين النخب والأسرة الوطنية لضمان توفير عوامل النجاح. أطلق دستور العام 1989 بصياغة مفردة من السلطة، دون نقاش كان يمكن أن يسمح بتأهيل الساحة السياسية وإزالة مسبقة لعوامل التأزيم، تماماً كما يطلق دستور 2020 دون قدر كافٍ من النقاش الذي يحمي البلاد من أزمات المستقبل.

لا يجب أن يكون قدر الشعب الجزائري هو نفسه دائماً، أن يقع بالضرورة بين خيار الديمقراطية أو التنمية، الحرية أو الخبز، الاستمرارية أو التغيير، الأمن أو الحريات، لأنه وبعد ستة عقود من الاستقلال وتجارب سياسية مختلفة، بات النضج السياسي يتيح للشعب الجزائري تحديد خياراته، وللجزائر التي تملك كل مقومات ومقدرات الإقلاع أن تنجز قدراً كبيراً من الديمقراطية وقدراً أكبر من التنمية.