قرر القضاء العسكري في الجزائر إعادة تنظيم محاكمة عسكرية، غدا السبت، للقائدين السابقين لجهاز المخابرات، الجنرال محمد مدين المدعو توفيق وعثمان بشير طرطاق، وشقيق الرئيس السابق السعيد بوتفليقة، ووزير الدفاع الأسبق خالد نزار، في ما يعرف بقضية الاجتماع الشهير في مارس/ آذار 2019، بعد توجيه تهمة لهم بالتآمر على السلطة والجيش.
ويعود ملف القضية المثيرة للجدل إلى أروقة المحكمة العسكرية الابتدائية بتشكيلة مغايرة من القضاة، بعدما كانت المحكمة العليا، وهي أعلى هيئة تقاضٍ في الجزائر، قد قررت إلغاء الأحكام الصادرة في حق قائدي جهاز المخابرات السابقين، وكذلك وزير الدفاع الأسبق الذي عاد من الخارج قبل شهر، و نجله لطفي، والسعيد بوتفيلقة، إضافة إلى رئيسة حزب العمال لويزة حنون، ومدير إحدى شركات الصيدلة فريد حمدين.
حوكم المتهمون بعد أن أقروا بعقد اجتماعات سرية تستهدف تحييد وإقالة قايد صالح من منصبه كقائد للجيش، والنظر في إمكانية تشكيل هيئة رئاسية تتسلم السلطة من الرئيس بوتفليقة
وتتجه أطوار القضية إلى منحى مغاير تماماً لما عرفته المحاكمة السابقة التي جرت في 25 سبتمبر/ أيلول 2019، والتي كانت قد انتهت إلى إدانة هؤلاء المتهمين بعقوبات بالسجن، إذ تشير كل المعطيات إلى توجه القضاء العسكري نحو إخلاء سبيل المتهمين وتبرئتهم وإغلاق ملف القضية، بسبب متغيّرين أساسيين، أولهما رحيل قائد الجيش الراحل الفريق أحمد قايد صالح في ديسمبر/كانون الأول 2019، والذي كان يقف وراء الزج بهم في السجن، بعد محاولة المجموعة نفسها إقالته من منصبه وتشكيل هيئة رئاسية انتقالية تتسلم السلطة من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والعامل الثاني هو إطلاق مسار مصالحة عسكرية تقضي بتسوية ملف الملاحقات القضائية التي دشنها قايد صالح بحق عدد من الجنرالات والعسكريين المناوئين له ولخياراته.
هذه المؤشرات، التي تؤكد وجود رغبة سياسية وتوجه للقضاء نحو تبرئة المتهمين، كانت مشفوعة بجملة من الخطوات؛ بدأت بإخلاء سبيل الجنرال حسين بن حديد في يونيو/ حزيران الماضي، ثم إلغاء تهم التخابر التي كانت موجهة إلى الجنرال والمرشح الرئاسي السابق علي غديري، وتكييف تهمة أخرى تمهيدا لإخلاء سبيله قريبا بعد عام ونصف العام في السجن، وعودة وزير الدفاع الأسبق خالد نزار من الخارج قبل شهر، بعد عام ونصف العام من الفرار إلى إسبانيا، وإخلاء سبيله على الرغم من أنه كان محل مذكرة توقف عسكرية وحكم بـ20 سنة سجنا في نفس القضية المطروحة، إضافة إلى نقل قائد جهاز المخابرات السابق مدين من السجن العسكري إلى إقامة خارج السجن.
وحوكم المتهمون في القضية على خلفية سلسلة اجتماعات سرية أقرّوا بعقدها عشية استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بينها الاجتماع الأبرز في 30 مارس/ آذار الماضي، وكانت تستهدف تحييد وإقالة قايد صالح من منصبه كقائد للجيش، والنظر في إمكانية تشكيل هيئة رئاسية تتسلم السلطة من الرئيس بوتفليقة بعد انتهاء ولايته في إبريل/ نيسان 2019، في أعقاب اندلاع مظاهرات شعبية عارمة رفضاً لترشحه لولاية رئاسية خامسة.
واقترح لرئاسة الهيئة الرئاسية الرئيس السابق ليامين زروال، والذي كان قد كشف في بيان نشره في الثاني من إبريل 2019 عن اجتماعه في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية بمدين وطرطاق، والذين نقلا إليه مقترح السعيد بوتفليقة بإنشاء هيئة رئاسية تتولى تسيير المرحلة الانتقالية، وبدعم من وزير الدفاع السابق خالد نزار.
وأدانت المحكمة العسكرية في منطقة البليدة قرب العاصمة الجزائرية، في 25 سبتمبر/ أيلول 2019، قائدي جهاز المخابرات السابقين وشقيق بوتفليقة بالسجن 15 سنة بتهم ارتكاب جناية المساس بسلطة الجيش والمؤامرة ضد سلطة الدولة، كما دانت المحكمة في القضية نفسها وزير الدفاع السابق خالد نزار ونجله لطفي، وفريد بن حمدين، بـ20 سنة سجنا نافذة غيابيا مع أوامر بالقبض عليهم بنفس التهم، كما تمت إدانة زعيمة حزب العمال لويزة حنون بتهم عدم التبليغ عن جناية بثلاث سنوات سجنا، منها تسعة أشهر حبس نافذة، إذ أخلي سبيلها بعدما كانت قد استنفدتهم عندما صدر الحكم.
واستبعد من التسويات العسكرية التي يجرى تنفيذها والتي ستقرر مآل القضية غدا السبت، كلاً من شقيق بوتفليقة الذي تم التمهيد لتسليمه من القضاء العسكري إلى القضاء المدني، بإصدار قرار بإيداعه السجن في قضية فساد تخص رجال أعمال، ما يعني أنه لن يتم إخلاء سبيله حتى في حال تبرئته غدا، وكذلك قائد جهاز المخابرات السابق بشير طرطاق الذي فتح القضاء في حقه تحقيقات في قضايا مدنية.