التطبيع بين تركيا والنظام السوري أصعب مما كان

31 اغسطس 2024
جنود أتراك في تل أبيض السورية، 5 يونيو 2022 (أوزغي كيزيل/الأناضول)
+ الخط -

باشرت تركيا تبديل لهجتها حيال مسألة التطبيع مع النظام السوري، بعد أن تلقت إشارات بعدم الرغبة من دمشق في المضي قدماً بذلك. وأفصحت أنقرة عن شروطها للتطبيع بين تركيا والنظام السوري أخيراً، بعدما وضعت دمشق الشروط للجلوس على طاولة التفاوض. وبدأت حكومة رجب طيب أردوغان التلويح بأوراق صعبة لرئيس النظام بشار الأسد، مثل إعادة المطالبة بتطبيق القرارات الأممية الخاصة للحل في سورية، وإعادة اللاجئين السوريين، والتعامل مع التهديدات "الإرهابية" لا سيما على طول الحدود مع البلدين (تقريباً 900 كيلومتر)، بالإشارة إلى عدم قدرة النظام على التعامل مع ملف المجموعات الكردية. وجاء تعطل مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري بعد أيام من خطاب للأسد في مجلس الشعب، جدد خلاله رغبته الضمنية، بعدم الذهاب بعيداً في مسألة التطبيع، إذ حوّل الأسد الشروط المُسبقة التي تمسّك بها سابقاً لمواصلة مسار التطبيع مع أنقرة أو الجلوس على طاولة التفاوض، لا سيما الانسحاب التركي من سورية ووقف دعم المعارضة لـ"الإرهاب"، إلى "حقوق لا يمكن التنازل" عنها، مع إظهار نيته ليكون هذا المسار طويل الأمد، وخلق قواعد ومحددات وأوراق وصفها بـ "المرجعية"، لاستخدامها عند الحاجة.


أحمد قربي: تريد أنقرة تذكير النظام بما تملكه من أوراق تفاوضية

مسار التطبيع بين تركيا والنظام السوري

وكشفت قناة سي أن أن تورك التركية، الأربعاء الماضي، عن وضع أنقرة أربعة شروط رئيسية لإعادة تطبيع العلاقات مع دمشق حسبما كشفت مصادر في وزارة الخارجية التركية، التي أكدت أنه ليس هناك تغيير جذري متوقع في علاقة تركيا مع المعارضة السورية. وأشارت المصادر إلى اشتراط أنقرة "تطهير سورية من العناصر الإرهابية (في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني) حفاظاً على سلامة أراضيها ووحدتها"، و"تحقيق مصالحة وطنية حقيقية بين النظام السوري مع شعبه، في إطار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، على أساس المطالب والتوقعات المشروعة لشعبه". كما تضمنت الشروط أيضاً "تهيئة الظروف اللازمة لعودة آمنة وكريمة للاجئين السوريين، ويعتمد ذلك على استمرار المساعدات الإنسانية إلى مناطق سيطرة المعارضة السورية من دون انقطاع".

وأوضحت "سي أن أن تورك"، وفق مصادرها، أنه "إذا ساد هذا التفاهم وتم تنفيذ توجهات واقعية، فسيتم تمهيد الطريق لخطوات يمكن أن تساهم في رفاهية سورية وأمن الدول المجاورة والاستقرار الإقليمي"، مضيفةً أن "صورة الأولويات لن تتغير بالنسبة لتركيا، وذلك ينطبق على الحوار المتوقع بين النظام والمعارضة، والذي يجب أن يكون مثمراً بالنسبة لأنقرة"، مؤكدةً أنه "من غير الوارد أن تقوم تركيا بتغيير جذري أو تتراجع عن علاقتها مع المعارضة السورية". بدوره، لفت موقع تي آر تي خبر التركي، إلى أن أنقرة أخبرت جميع الأطراف بهذه الأولويات، مشيرة إلى أن "توفير الظروف اللازمة لعودة آمنة وكريمة للاجئين، واستمرار تقديم المساعدات الإنسانية من دون انقطاع"، هما جزء من هذا المسار، والذي بدأ قبل عامين. ولجأت تركيا للإفصاح عن شروطها عن طريق التسريبات الصحافية، فيما بدا أنه تعامل بالمثل، إذا وجّه النظام الرسائل لأنقرة عن طريق التسريبات الصحافية كذلك، معتمداً بشكل رئيسي على صحيفة الوطن التابعة له.

وتعليقاً على إفصاح تركيا عن شروطها عن طريق التسريبات، ومدى توافقها مع التصريحات الرسمية للمسؤولين الأتراك، أشار الباحث في مركز الحوار السوري أحمد قربي إلى أن الشروط متوافقة مع تصريحات المسؤولين الأتراك، غير أن الإشارة للقرار الدولي 2245 في هذه التسريبات جاءت بمثابة "إضافة مهمة" إلى التصريحات التركية الرسمية السابقة، بعد أن كانت تصريحات المسؤولين الأتراك حول التطبيع بين تركيا والنظام السوري قد اقتصرت على مكافحة حزب العمال الكردستاني و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) وإعادة اللاجئين.

الأسد وسقف التفاوض

ورأى قربي في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما أخرجته تركيا عبر التسريبات، يأتي في معرض الرد على رفع نظام الأسد سقف التفاوض، خصوصاً في ما يتعلق بالمطالبة بالانسحاب التركي من سورية، وحديث الأسد في خطابه الأخير عن ضرورة أن تكون المفاوضات مستندة لمرجعية واضحة، إذ تريد أنقرة تذكير النظام بما تملكه من أوراق تفاوضية، وذلك قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض بشكل فعلي. وقد أخرجت أنقرة تطبيق القرار الأممي 2254 بما هي ورقة ضغط مهمة في وجه النظام، بعد أن كان ملف الحل السياسي مغيباً، ليس فقط في التصريحات أو المواقف التركية، وإنما على المستوى الدولي حيث انشغل العالم في الآونة الأخيرة بمعالجة الارتدادات الأمنية والإنسانية للثورة السورية، لا سيما مكافحة الإرهاب، والمخدرات، واللاجئين".

وأضاف قربي أن "تركيا تعلم أن الوقت الحالي ليس مناسباً لإعادة طرح ملف الحل السياسي، في ظل تراجع أولوية الملف السوري عموماً، والتركيز الإقليمي والدولي على التعامل مع الارتدادات الأمنية والإنسانية للأزمة في سورية، لكنها تريد الضغط من خلال هذه الورقة على نظام الأسد". وتابع قائلاً: "ولكن حتى لو أرادت تركيا تحريك مسار الحل السياسي، وكانت جادة في ذلك، فإن الأمر مرتبط إلى حد كبير بالظروف الإقليمية والدولية، فمستقبل الحل السياسي السوري ليس بيد أنقرة ونظام الأسد بمفردهما، وإنما هو بحاجة لتوافقات بين أبرز الدول المنخرطة في الملف السوري، ليس لتحقيقه فحسب، بل حتى لمجرد تحريكه".


هشام غوناي: أنقرة باتت تفضل أخيراً بقاء النظام في الحكم

من جهته، أشار المحلل السياسي والصحافي التركي هشام غوناي، إلى أن كلاً من تركيا والنظام السوري "يساومان على مواضيع تهم الطرف الآخر، فتركيا يهمها ألا يكون هناك تهديد لأمنها القومي بوجود كيان كردي عند حدودها الجنوبية. في المقابل نظام الأسد يهمه أيضاً فرض سيطرته على كامل البلاد سواء على حساب المجموعات الكردية أو إخراج القوات التركية من البلاد، وأيضاً إيقاف تركيا لدعم قوات المعارضة المسلحة". وأضاف غوناي في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الوصول إلى صيغ مشتركة بين تركيا والنظام السوري أمر صعب، لكن الضغط الاجتماعي على الحكومة التركية لتحقيق التطبيع أكبر بكثير من ذلك الموجود في الطرف الآخر، بحكم دكتاتورية النظام بطبيعة الحال، على ذلك أعتقد بأن الانفتاح التركي نحو النظام سيستمر رغم برود النظام".

قراءة تركيا للوضع الحالي

ورأى غوناي أن "أنقرة باتت تفضل أخيراً بقاء النظام في الحكم، وهي ساهمت من خلال مسار أستانة بتسليم الكثير من المناطق التي كانت تحت قبضة المعارضة للنظام، فعلى الأمد البعيد، تجد أنقرة أن النظام لا يهدد أمنها واستقرارها في المقارنة مع احتمالية نشوء دولة أو كيان كردي يهدد العمق التركي". ونوه إلى أنه "بين هذين الطرفين، نجد أن المعارضة السورية ضعيفة وليس بقدرتها التأثير على القرار التركي، في حين أن مسألة اللاجئين صعبة الحل بشكل سريع ووفق ما يتم الحديث عنه، وأعتقد أن العودة لن تكون كاملة، بمعنى أن الكثير من اللاجئين السوريين في تركيا سيتم توطينهم، لا سيما القادمين من المناطق التي يسيطر عليها النظام".

وفي كلمته أمام مجلس الشعب خلال افتتاح الدور التشريعي الرابع للبرلمان بعد انتخابه، الأحد الماضي، قال الأسد إن "الرغبة الصادقة في استعادة العلاقات الطبيعية تتطلب أولاً إزالة أسباب تدمير هذه العلاقة، وهذا يتطلب التراجع عن السياسات التي أدت إلى الوضع الراهن، وهي ليست شروطاً، وإنما هي متطلبات من أجل نجاح العملية، وهذه المتطلبات تحمل في داخلها الكثير من العناصر الهامة، ولكن في مقدمتها حقوق الدول". وأضاف: "نحن كبلد لن نتنازل عن أي حق من حقوقنا في أي ظرف من الظروف، لن نتخلى عن حقوقنا ولن نطالب الآخرين بالتخلي عن حقوقهم. يعني هذا منطق واحد".

ومنذ يوليو/تموز الماضي، حين وجّه أردوغان رسالة علنية نحو دمشق، بإمكانية اللقاء بينه وبين الأسد، بعد قطيعة مستمرة منذ نحو 13 عاماً، على خلفية دعم حكومة أردوغان للحراك ضد الأسد، استمرت التصريحات من كلا الطرفين بين أخذ ورد. والتسريبات الأخيرة ليست الوحيدة التي لوحت بها أنقرة في وجه النظام، إذ كان وزير الدفاع التركي يشار غولر قد فعل ذلك، بقوله في تصريحات منتصف شهر أغسطس/آب الحالي، إن "النظام يقول إنه من أجل بدء المحادثات نريد تاريخاً محدداً للانسحاب وهو شرط مسبق، هذا الشرط معناه ونفهم منه أن النظام يقول لا أريد أن أعود للاستقرار والسلام. ولهذا نقول للنظام: وافق على دستور شامل يصوت عليه الشعب، ولتجرِ انتخابات حرّة ومن يفوز بهذه الانتخابات نحن مستعدون للعمل معه".

المساهمون