يواجه أرمين لاشيت، مرشح الاتحاد المسيحي لمنصب المستشار في ألمانيا، خسارة محتملة، في ضوء استطلاعات الرأي التي تشير إلى مضي منافس الاتحاد التقليدي، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، في حصد المزيد من النقاط وتوسيعه الفارق لحدود 5%، ليتصدر بنسبة 25%، مقابل تراجع أصوات الاتحاد وحلوله ثانيا بعد نيله 20%، وذلك قبل ثلاثة أسابيع تقريبا على موعد الانتخابات البرلمانية العامة.
وبات الاتحاد المسيحي الذي يضم حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل "المسيحي الديمقراطي"، والشقيق الأصغر "الاجتماعي المسيحي" في ولاية بافاريا، في حال من القلق مع تحسس خطورة الوضع بفعل الاتجاهات والمستوى المطلق لتقييمات المسح الانتخابي، ودفع بسياسييه النافذين والمؤثرين للحراك من أجل استنهاض الناخبين وتسويق تطلعات حزبهم لمستقبل ألمانيا ورفاهية المواطن فيها، والتصويب على أخطاء الآخرين.
وانضمت المستشارة ميركل إلى الحملة الانتخابية أخيرا، فهاجمت مرشح "الاشتراكي الديمقراطي"، نائب المستشارة ووزير المالية الاتحادي أولاف شولز، بصورة حادة، وطالبته بتوضيح علاقته بحزب اليسار، وأن هناك حاجة للإضاءة على توجهات تحالفاته وحزبه في الحكومة المقبلة، نائية بنفسها عن محاولة شولز تقديم نفسه كخليفة شرعي لها في المنصب.
وأوضحت ميركل، في رد على سؤال لأحد الصحافيين خلال المؤتمر الصحافي مع نظيرها النمساوي سباستيان كورتس، بعد لقائها به أخيرا في برلين: "معي كمستشارة، لم يكن هناك أي توجه لأي ائتلاف يشارك فيه حزب اليسار، وإذا كان شولز سيفعل ذلك مستقبلا فالأمور تبقى مفتوحة"، في إشارة منها إلى أن شولز لم يستبعد صراحة تشكيل ائتلاف مع اليسار. وتابعت قائلة: "هناك فرق كبير بيني وبينه بالنسبة لمستقبل ألمانيا".
وكان اليسار قد دعا، في بيانه الانتخابي، إلى حل حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إذ يريد استبداله بنظام أمن جماعي بمشاركة روسية، حتى إنه وبعد المناظرة التلفزيونية رفضت زعيمة الحزب المذكور سوزانه هينيغ فيلسو، مطلب الالتزام بحلف شمال الأطلسي، مبرزة أن "هذا يعني إعطاء حق التصويت لتحالف حرب".
من جهته، قال رئيس حكومة ولاية هيسن والمنتمي للحزب المسيحي الديمقراطي، إن "السلوك الذي يتبعه الوزير في حكومة المستشارة، ويحاول فيه القيام بشيء مشابه لميركل، نوع من التسلل إلى إرث سياسي، وسنقوم بتوضيح ذلك".
وهذا ما ذهب إليه أيضا رئيس الحزب الأصغر في الاتحاد المسيحي ماركوس زودر، إذ اعتبر أخيرا في مقابلته مع شبكة "إيه آر دي" الإخبارية، أن "محاولة شولز إظهار نفسه كخليفة لميركل تسلل إلى الوراثة السياسية، وهذا ما لا يمكن قبوله".
وعاد وكرر صراحة، أمس الجمعة، من ميونخ، دعمه وتضامنه مع لاشيت، الذي "يكافح حاليا وبقوة" حسب تعبيره، مبرزا أن الأخير سيكون حاضرا نهاية الأسبوع المقبل في مؤتمر الحزب الاجتماعي المسيحي، في إشارة كبيرة إلى الوحدة، وذلك بعد أن كان زودر، الذي يتمتع بشعبية كبيرة، قد انتقد لاشيت خلال يوليو/ تموز الماضي، محذرا من حملة انتخابية باهتة للاتحاد المسيحي، وأن "على لاشيت أن يكافح من أجل النجاح".
ووفق الكاتب السياسي مارتين غانسلماير، فإن لاشيت وجه خلال المناظرة الثلاثية الرسائل الأهم إلى القاعدة الحزبية الخاصة به وللناخبين العاديين للاتحاد المسيحي، الذين كانوا أصيبوا بخيبة أمل حتى الآن لضعف المرشح لاشيت في المكافحة من أجل المنصب.
وأبرز غانسلماير، في تصريحات لصحيفة "دي فيلت"، أن لاشيت قدم نفسه على أنه "جاد ومرتاح مع نفسه"، وهاجم شولز مباشرة وفي عدة نقاط، ومن بينها على سبيل المثال بسؤاله عن سبب عدم رغبته في استبعاد تحالف حزبه مع اليسار الذي يرفض الناتو والبعثات الخارجية للبرلمان، ومذكرا بأن كتلة اليسار في البرلمان صوتت أخيرا ضد "التفويض بإنقاذ المستضعفين في أفغانستان". وليضيف أن لاشيت أثبت أنه يستطيع الوصول إلى نقطة جدلية واضحة، وفيها أن "من سيصوت لشولز لا يمكنه أن يضمن عدم حكم الاشتراكي والخضر مع اليسار، بعد ان أبقى الاشتراكي على هذا التحالف كخيار".
ووفقا لاستطلاعات الرأي، فإن شولز يتقدم على لاشيت بين المواطنين الذين تزيد أعمارهم عن 60 عاما، وهي كتلة ناخبة مؤثرة، وهو تطور مقلق بالنسبة للاتحاد المسيحي.
مؤشر إيجابي للاتحاد
إلى ذلك، برز مؤشر إيجابي قد يساهم بتحسين وضع الاتحاد المسيحي، وهو انضمام الوجه الاقتصادي والمالي داخل حزب ميركل فريدريش ميرز، والمتوقع أن يتولى وزارة الاقتصاد، لفريق عمل لاشيت، والذي تم تقديمه، أمس الجمعة، مع سبع شخصيات أخرى ملمة بقطاعات حيوية وخدماتية، بينها الرقمنة والطاقة المتجددة وخبير في الإرهاب أيضا، وحيث من المفترض أن يكون لهم دور في السياسة الفيدرالية بعد الانتخابات، في حال وصول لاشيت إلى المستشارية.
وفي هذا الإطار، بينت صحيفة "شبيغل" أن ضم ميرز للحملة الانتخابية وفريق العمل المستقبلي يعتبر "خطوة ذكية" في هذا الوقت، لأن الأخير يتمتع بتقدير لدى جزء من القاعدة الحزبية لحزب المستشارة.
في المقابل، أشارت صحيفة "هانلسبلات"، اليوم السبت، إلى أن الفريق المذكور، ولكي يسعف لاشيت الذي بات تحت ضغط كبير، عليه أن يحدد إجراءات ملموسة في أسرع وقت ممكن، والتي يمكن تحديدها وتنفيذها في حال دخوله المستشارية خلفا لميركل. في حين شكك رئيس معهد أنسا لاستطلاعات الرأي هيرمان بينكرت، حسب الصحيفة، في أن ينجح الاتحاد المسيحي مع " فريق المستقبل" في عكس اتجاه توجهات الناخبين.