تسير التظاهرات، التي انطلقت من الجنوب السوري، في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام بزخم متصاعد.
وبدأت الاحتجاجات على تردي الوضع المعيشي والأمني، وعلى القرارات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة النظام بوقف الدعم عن حوامل الطاقة، وما يتبعها من ارتفاع في الأسعار، في ظل دخل لا يتعدى 10 دولارات شهرياً، لتتصاعد تدريجياً إلى إضراب مفتوح، وتظاهرات يومية في محافظتي السويداء ودرعا، تطالب بإسقاط النظام وخروج القوى الأجنبية من البلاد، انضم إليها معظم الوجوه الاجتماعية والدينية في هاتين المحافظتين.
وقابلت هذا الأمر تظاهرات دعم وتأييد للاحتجاجات في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال غرب وشمال شرق سورية، بالإضافة إلى تعالي أصوات من الساحل السوري تطالب بشار الأسد بالرحيل.
إلا أن ما أربك النظام في مواجهة تلك التظاهرات هو أنها أسقطت كل الروايات التي اعتمدها في قمع التظاهرات السابقة، والذرائع التي كان يعتمدها للبطش بمعارضيه، والتي كانت تقوم على نظرية تدعي وجود مؤامرة خارجية على سورية، تستهدف نظامها الذي يقاوم الاحتلال الإسرائيلي، وتنفذها مجموعات جهادية سلفية تهدف إلى قتل الأقليات التي يحميها النظام.
وجاءت تظاهرات الجنوب السوري تطالب بخروج القوى الأجنبية من البلاد، والتي جاء معظمها بطلب منه ليملأ سورية بالقوى الأجنبية التي يستخدمها لقمع الشعب الذي يحكمه، على عكس الروايات التي كان يسوقها لجمهوره.
كما أن الصفعة الأكبر، التي أسقطت رواية النظام، هي أن التظاهرات الأكبر خرجت من مناطق الأقليات التي يدعي النظام حمايتها.
فجاءت تظاهرات محافظة السويداء التي ينتمي سكانها إلى طائفة الموحدين الدروز، والتي لا يستطيع النظام اتهامها بالانتماء للتنظيمات السلفية، لتقول للنظام نحن الأقليات نطالبك بالرحيل، بعد أن فضحت استخدام النظام لتنظيمات، وفي مقدمتها "داعش"، لزعزعة استقرار مناطقها، وارتكاب مجازر بحق أبنائها، من أجل توجيه رسائل للأقليات، مفادها أن البديل الوحيد لسلطة النظام هي التنظيمات الإرهابية.
إن انكشاف رواية النظام أمام السوريين يبشر باتساع رقعة التظاهرات لتشمل كل مناطق سيطرته، بما فيها مناطق الساحل السوري التي تشكل الحاضن الشعبي الأساسي له.
كما أن من شأنها أن تدفع به لابتداع رواية أخرى لمواجهة الحراك ضده. إلا أن الخشية تكمن في ابتكار حلول دموية شبيهة بالحلول التي اعتمدها في مواجهة التظاهرات السابقة، والتي لا يستبعد أن يبتدئها برسائل للمحتجين على شكل تفجيرات مجهولة المصدر، أو الدفع باتجاه استخدام السلاح، والدخول بصراعات دموية جديدة، الأمر الذي يستوجب على قادة الحراك السلمي الانتباه له، والاستفادة من التجارب السابقة في مواجهته.