تواصل مصر تحركاتها لوقف تصاعد العمليات العسكرية من جانب جيش الاحتلال في قطاع غزة على محورين، أولهما مرتبط بإدخال المساعدات الإغاثية لسكان القطاع المحاصر، والثاني مرتبط بمواجهة المخطط الإسرائيلي بتصدير الأزمة للقاهرة عبر تهجير سكان القطاع وتوطينهم في محافظة شمال سيناء المصرية.
في هذا الإطار، كشفت مصادر مطلعة على التحركات المصرية، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، عن أن "مباحثات جرت أخيراً مع مسؤولين معنيين بالأزمة، وآخرين في الإدارة الأميركية، بشأن التعاطي مع الوضع الإنساني في غزة، وما يمكن للقاهرة أن تؤديه بخلاف المساعدات الإغاثية.
وقال مصدر لـ"العربي الجديد" إن "مصر في مقابل رفضها لفكرة تهجير المدنيين من قطاع غزة إلى المنطقة الحدودية في شمال سيناء، فإنها طرحت حلاً، يعتمد على التعامل مع الموقف في نطاقه الجغرافي". وأوضح أن "المسؤولين المصريين عرضوا إمكانية إقامة مخيمات بمدينة رفح الفلسطينية، على بعد 3 كيلومترات داخل الأراضي الفلسطينية، بحيث تشرف مصر على تلك المخيمات، وتتولى تقديم الخدمات الإغاثية العاجلة للنازحين من شمال غزة".
المسؤولون المصريون عرضوا إمكانية إقامة مخيمات بمدينة رفح الفلسطينية، على بعد 3 كيلومترات داخل الأراضي الفلسطينية، بحيث تشرف مصر على تلك المخيمات
ولفت المصدر إلى أنه "سيكون من بين الوظائف الهامة لتلك المخيمات، فرز ومراجعة حالات المصابين وذوي الأمراض المزمنة التي تحتاج لتدخّل عاجل، لنقلها إلى مستشفيات ميدانية مصرية ستقام في الجانب المصري، بخلاف الحالات الصعبة التي ستنقل إلى المستشفيات المصرية المتخصصة".
تنسيق حول إدخال المساعدات
في المقابل، كشف مصدر مصري آخر، لـ"العربي الجديد"، عن "تنسيق بين مصر وقطر والولايات المتحدة، بشأن عمليات إدخال المساعدات المتكدسة في مدينتي رفح والعريش المصريتين"، قائلاً إن "عملية إدخال المساعدات، باتت مرتبطة بشكل وثيق بعملية المفاوضات الوساطة التي تقوم بها قطر بين حركة حماس وحكومة الاحتلال، بشأن إطلاق سراح الأسرى المدنيين، والتي كان آخرها إطلاق اثنين من الرهائن الأميركيين". وأشار المصدر، إلى أن "الضغط الأميركي على الجانب الإسرائيلي لإدخال 20 شاحنة مساعدات محملة بالمستلزمات الطبية العاجلة، جاء في إطار اتفاق يقضي بإطلاق سراح 15 أميركياً مدنياً لدى حماس، عبر عملية منظمة".
وقال المصدر، إن "الاتفاق المبدئي، يشير إلى إدخال نحو 100 شاحنة مساعدات من أصل قرابة الـ200 شاحنة لا تزال داخل الأراضي المصرية، مقابل إطلاق باقي الرهائن الأميركيين"، مشدداً على أن "هناك مقاومة إسرائيلية كبيرة لهذه العملية، لكونها قد تثير حالة من الغضب السياسي في الشارع الإسرائيلي، حيث تهتم حكومة بنيامين نتنياهو بالعمل فقط لإطلاق سراح الأسرى من حملة الجنسية الأميركية، نظير ما يحصل عليه من دعم كبير من جانب إدارة بايدن".
وأوضح المصدر أنه "كان مقرراً دخول نحو 100 شاحنة، بنهاية الأسبوع الجاري، أو أول الأسبوع المقبل على أقصى تقدير، لكن تعنتاً إسرائيلياً مفاجئاً بخصوص الاتفاق الذي يجري بالتنسيق بين واشنطن والقاهرة والدوحة، قد يؤخر إتمام الاتفاق".
تعديلات على اتفاقية كامب ديفيد؟
وفي إطار المساعي الإسرائيلية لتجنب تأثيرات مستقبلية مشابهة لما أحدثته عملية "طوفان الأقصى"، كشفت مصادر دبلوماسية مصرية وغربية في القاهرة، لـ"العربي الجديد"، عن "مشاورات جارية بين القاهرة وواشنطن وتل أبيب، بشأن إمكانية إدخال تعديلات على اتفاقية كامب ديفيد للسلام الموقعة عام 1979، بين مصر وإسرائيل بوساطة أميركية".
وقال دبلوماسي غربي في القاهرة، إن "قائد القيادة المركزية الأميركية مايكل كوريلا الذي زار مصر أخيراً، بحث مع المسؤولين في القاهرة، إمكانية إدخال تعديلات على ملاحق ونصوص اتفاقية كامب ديفيد، بشأن الترتيبات الأمنية الخاصة بالمنطقتين (ج) و(د) الحدوديتين بين مصر وإسرائيل من جهة، ومصر وقطاع غزة من جهة أخرى".
مشاورات جارية بين القاهرة وواشنطن وتل أبيب، بشأن إمكانية إدخال تعديلات على اتفاقية كامب ديفيد للسلام
وبحسب الدبلوماسي فإن "هناك رؤية أميركية بدفع إسرائيلي، بأن بعض ملاحق الاتفاقية ونصوصها باتت تحتاج لتعديلات بسبب التطورات المتلاحقة بعد مرور نحو ثلاثة عقود على الاتفاقية". وأوضح أن "المشاورات التي قام بها كوريلا في القاهرة، تطرقت إلى ترتيبات ذات صلة بالشريط الحدودي بين محافظة شمال سيناء وقطاع غزة، في ضوء ما تشهده تلك الحدود من تطورات متلاحقة، وإمكانية الحاجة لإجراءات عاجلة للحفاظ على الأمن بتلك المنطقة".
من جهته، قال مصدر مصري إن "هناك تفكيراً إسرائيلياً، بشأن توسيع المنطقة العازلة بين قطاع غزة، ومستوطنات الغلاف، بحيث تتراوح بين 4 و5 كيلومترات، على أن تقسم إلى منطقتين إحداهما من جانب الأراضي المحتلة (مستوطنات الغلاف)، وسيكون لإسرائيل وفقا للرؤية المطروحة تواجد عسكري بها، أما النصف الآخر فهناك عدة طروحات بشأنه". ولفت إلى أن "من بين تلك الطروحات، تواجد قوات عربية بها، وكذلك تواجد قوات دولية لحفظ الأمن".
وفي السياق، قال مؤسس حركة "مصريون ضد الصهيونية"، محمد سيف الدولة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "منذ عام 1979، لم تواتنا فرصة أفضل من الظروف الحالية للتحرر إلى الأبد من القيود التي تكبّل قواتنا المسلحة في سيناء بموجب الترتيبات الأمنية المفروضة علينا في اتفاقية كامب ديفيد". وأضاف أنّ "هذا ليس حديثاً عن مصالح مصر وأمنها القومي فقط، بل هو حديث أيضاً عن فلسطين وكل الأمة العربية".
وشدد سيف الدولة على أن مصر "لديها الحق في إسقاط أو تجميد أي اتفاقيات أو التزامات دولية تقيّدها أو تعيق جهودها لإنقاذ سيادتها ووجودها، وعلى رأسها اتفاقيات كامب ديفيد".