إعادة هيكلة أجهزة النظام السوري.. لا تغييرات حقيقية

01 ابريل 2024
جنديان من النظام السوري بدمشق، يونيو 2022 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تشهد سوريا تغييرات "شبه جذرية" في أجهزتها الأمنية والاستخباراتية بإشراف كفاح ملحم وتوجيهات من بشار الأسد، تتضمن دمج شعبتي الاستخبارات العسكرية والمخابرات الجوية، والحديث عن حل شعبة الأمن السياسي وإدارة الأمن الجنائي لتشكيل "مخابرات الجيش والقوات المسلحة" و"الأمن العام السوري".
- هذه الإعادة هيكلة تأتي ضمن خطة روسية لإعادة توزيع المناطق وهيكلة الأجهزة الأمنية، وتهدف إلى إرضاء الحلفاء والدول العربية الساعية للتطبيع مع النظام السوري، بالإضافة إلى التخلص من بعض الأسماء البارزة.
- على الرغم من هذه التغييرات، يُشكك في فعاليتها وأهدافها، حيث يُنظر إليها كمحاولة لإظهار الإصلاح دون تحقيق تغييرات جوهرية تخدم الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254، مما قد لا ينهي القبضة الأمنية في سوريا.

تتوالى المعلومات والتسريبات حول تغييرات "شبه جذرية" تطاول بنية أجهزة النظام السوري، ما يوحي بإعادة هيكلة شاملة لتلك الأجهزة، المتهمة بارتكاب انتهاكات فظيعة في سياق الحرب السورية التي دخلت عامها الـ13، بعدما اندلعت في أعقاب الحراك المطالب بإسقاط النظام السوري وعلى رأسه بشار الأسد، في مارس/ آذار 2011.

آخر التسريبات نقلها موقع "صوت العاصمة" المحلي في 20 مارس الماضي عما وصفها "وسائل إعلام موالية"، حول إصدار رئيس مكتب الأمن الوطني كفاح ملحم قراراً يقضي بدمج شعبة الاستخبارات العسكرية والمخابرات الجوية في جهاز أمن واحد، تحت مسمى "مخابرات الجيش والقوات المسلحة".

وبحسب ما نقله الموقع، "فإن القرار الذي أصدره ملحم لإنشاء الجهاز الجديد جاء بناء على توجيهات من بشار الأسد على اعتباره القائد العام للجيش والقوات المسلحة".

"العربي الجديد" حاولت الوصول إلى أساس تلك التسريبات في "وسائل الإعلام" التي نقل عنها "صوت العاصمة" تلك المعلومات، ووجدت تناقل تلك المعلومات والتسريبات في صفحات موالية غير رسمية، غير أن وسائل إعلام رسمية أو غير رسمية محسوبة على النظام لم تتناول تلك المعلومات.

وعادة ما يتحفظ إعلام النظام على تناقل تلك المعلومات، لا سيما ما يتعلق بالأجهزة الأمنية، ولا ينقل أي أخبار أو معلومات عنها على وسائل إعلامه الرسمي، ويفرض قيوداً أيضاً على المؤسسات الإعلامية العاملة في مناطقه بعدم تناول أي معلومات تخص الأجهزة الأمنية تحت طائلة المساءلة.

مصدر أمني: فكرة دمج أجهزة أمنية طُرحت منذ إطاحة علي مملوك

وعاد موقع "صوت العاصمة" لينقل عن مصادره التي وصفها بـ"الموالية" هذه المرة، أن قراراً اتُخذ بـ"حلّ شعبة الأمن السياسي وإدارة الأمن الجنائي والشرطة خلال الأيام المقبلة ودمجها في جهاز جديد يتبع لوزارة الداخلية تحت مسمى الأمن العام السوري"، وأن ذلك يأتي في إطار "الحديث عن إعادة هيكلة وزارة الداخلية بعد يوم واحد من قرار دمج المخابرات العسكرية والجوية".

إطاحة علي المملوك

وعن صحة تلك المعلومات، قال مصدر أمني لـ"العربي الجديد"، إن "صدور قرار بدمج شعبة المخابرات العسكرية التي يقودها اللواء كمال حسن وشعبة المخابرات الجوية التي يقودها اللواء قحطان خليل لم يتم بعد"، لكنه أشار إلى أن هذه "الخطوة مطروحة منذ الإطاحة بعلي مملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني قبل أسابيع".

وأكد المصدر الأمني أنه جرى أخيراً "توزيع عناصر شعبة المخابرات الجوية على عدد من الأفرع والمواقع الجديدة، وإعطائهم مهمات جديدة"، وبرأيه، فإن "ما يجري يعد في إطار خطوات متسارعة لإرضاء الدول الحليفة للنظام، والدول العربية التي سعت للتطبيع معه".

وأشار المصدر إلى أهداف أخرى من تلك التحركات، والتي تذهب "أبعد من مرحلة الدمج"، معتقداً أن "اللواء كفاح الملحم يريد أن يتخلص من أحد الأسماء البارزة في الجهازين من خلال عملية الدمج والإحلال، خصوصاً أن قرار تسميته كرئيس لمكتب الأمن الوطني لم يرض جزءاً من الضباط الأمنيين الكبار في النظام".

مصدر أمني آخر، قال لـ"العربي الجديد"، إن كل تلك التحركات لإعادة هيكلة أجهزة النظام السوري "تأتي ضمن خطة روسية لإعادة توزيع المناطق وهيكلة أجهزة المخابرات التابعة للنظام، في ظل الصراعات الدائرة بين أجهزتها بما يخص الصلاحيات والنفوذ في مناطق سيطرة النظام، وسط محاولات روسيا لخفض التصعيد ووقف إطلاق النار".

أواخر العام الماضي، كشفت تسريبات من داخل دمشق عن نيّة النظام والروس البدء بتنفيذ الخطة القاضية بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، مشيرة إلى أن تلك الخطة تهدف بالأساس للتخلص من عدد من الأفرع الأمنية الاختصاصية ومسح سجلاتها، وهي المتورطة بقتل وتعذيب الكثير من السوريين من المشاركين في الحراك أو قبله، لا سيما أن معظمهم من معتقلي الرأي، وكان الحديث حينها عن "فرع فلسطين" و"فرع الدوريات" و"فرع المنطقة" وجميعها تتبع للمخابرات العسكرية.

ويعتقد أن خطة إعادة هيكلة أجهزة الأمن والاستخبارات التابعة للنظام، التي تقضي بإنهاء بعضها وإحلال بعض الأفرع الأمنية مكانها ودمجها معاً، هي خطة روسية ظهرت في العام 2019 حين أوعزت موسكو للنظام بإنشاء ما سمي الفرع 108، ومهمته حماية المنشآت الحكومية والمواقع الهامة كالبعثات الدبلوماسية وغيرها من المواقع ذات التابعية الأجنبية في البلاد.

لكن يبدو أن الخطة سارت ببطء من دون جدية في التنفيذ، لا سيما أن مسألة إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية السورية كانت حاضرة في الطروحات العربية وحتى الدولية مع الأسد، كحل لإنهاء الحراك منذ بدايته والتي رفضها الأسد جميعها.

وأرخت احتجاجات محافظة السويداء، جنوبي البلاد، بظلالها على المشهد الأمني في الجنوب وسورية عموماً، لا سيما مع فشل الأجهزة الأمنية وفروعها في المحافظة بالتعامل معها ووأدها، إذ إن المحافظة تحتفظ بخصوصية انتماء معظم سكانها للأقلية الدرزية، ومن الصعب اتهام المشاركين في الحراك بالإرهاب من قبل الأجهزة من ثم التعامل معهم على هذا النحو، كما حدث في باقي المحافظات السورية.

ورصدت "العربي الجديد" ضباطاً رفيعي المستوى من القوات الروسية المنتشرة في سورية جمعوا قادة أفرع الأجهزة الأمنية قبل أسبوعين في المحافظة، للحديث عن آلية التعامل مع الحراك، لجهة عدم "استعمال القبضة الأمنية" مع الحراك "مهما كلف الأمر".

وحول بوادر التغييرات في أجهزة النظام السوري أو إعادة هيكلتها وانتشارها، أشار الناشط المدني علي حرب، وهو من محافظة السويداء، إلى أن المعلومات المسربة "تتقاطع مع عمليات الانسحابات الأمنية في كل من محافظة درعا وبعض النقاط في محافظتي ريف دمشق والسويداء، وتجميع هذه النقاط في نقطة واحدة من هذه المحافظات، وهذا لا يمكن أن يكون أمراً اعتباطياً في دولة ركنها الأساسي الأجهزة الأمنية والعسكرية".

ضباط روس طلبوا عدم استخدام القوة ضد حراك السويداء

وأضاف حرب في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الذي يقف وراء عملية التغيير هذه، أو على الأقل المسؤول عن تنفيذها، هو رئيس مكتب الأمن الوطني الجديد اللواء كفاح ملحم، الذي يملك اتصالات مباشرة مع جهات دولية، خصوصاً روسيا، لا سيما في ما يتعلق بالتنسيق الأمني في سورية على اعتباره رئيساً لأقوى أجهزتها الأمنية، ومن مصلحته أن ينظر إليه من قبل هذه الجهات بعين المصداقية".

وشكّك حرب بالمعلومات الواردة، ليس لجهة نفيها وإنما دقتها، أي طرح معلومات للخطة بشكل معين ثم تنفيذها بشكل آخر، معللاً بالقول إن "عدم الإفصاح عن القرارات بشكل رسمي وعلني حتى اللحظة، يأتي في خضم تجنب أي محاولات لانقلابات أمنية وحتى عسكرية، لما للمسألة من حساسية".

تغييرات أجهزة النظام السوري لن تنهي القبضة الأمنية

من جهته، رأى الضابط المنشق عن قوات النظام العميد أسعد الزعبي أن "ما يجري من تغييرات على مستوى أجهزة النظام السوري ليست له علاقة بالهدف المطلوب من النظام، أي المطالب التي تفضي إلى إنهاء القبضة الأمنية في البلاد".

وأشار في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الهدف من إعادة الهيكلة هو إصلاح نظام العمل في هذه الأجهزة"، واصفاً هذه الخطوات بكونها "خدعة كبرى من رأس النظام بشار الأسد وبتخطيط من الروسي، لذر الرماد في أعين المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي".

وأوضح الزعبي أنه "لا يوجد أي تغيير حقيقي، وإعادة الهيكلة المزعومة تقوم على ضم إدارة إلى شعبة، أي ضم فرع إلى أصل فقط، وذلك لعدة أهداف، ربما منها تخفيف المراسلات والإجراءات".

وشدّد على أن ذلك "خدعة يحاول النظام أن يمررها على الدول العربية الراغبة بالتطبيع معه وفق شروط من جهة، والمجتمع الدولي من جهة أخرى، لكنها بالتأكيد لا تخدم أياً من مسارات الحل السياسي وفق القرار الأممي 2254".

ومنذ إقرار المبادرة الأردنية ـ العربية للتواصل مع النظام في مايو/ أيار 2023، التي أعادته للجامعة العربية والهادفة للتوصل إلى حلول لعدد من الملفات الرئاسية، وهي المخاوف الأمنية، والحد من تهريب المخدرات، وإقرار حل سياسي ينسجم مع القرار 2254، وحل مسألة المليشيات الأجنبية، وإعادة اللاجئين، يحاول النظام الترويج لعدد من الإصلاحات، كإعادة هيكلة الجيش ليكون "جيشاً احترافياً"، أي قائماً على التوظيف والتطوع بدلاً من التجنيد الإجباري، وإجراء إصلاحات في "حزب البعث" الحاكم التي أعلن عنها بشار الأسد نفسه قبل أيام في اجتماع القيادة المركزية للحزب، وأخيراً إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية.

لكن اللجنة الوزارية المكلفة من المبادرة يبدو أنها لا تجد تجاوباً حقيقياً في الملفات الرئيسية، لا سيما مسألة مكافحة تهريب المخدرات وإعادة اللاجئين والوجود الأجنبي في سورية.

المساهمون