"هل نختار الديمقراطية على الأوتوقراطية؟ الضوء على الظلال؟ العدل على الظلم؟ أنا أعرف مكاني، السؤال هو، أين ستقف مؤسسة مجلس الشيوخ الأميركي؟". هكذا أراد الرئيس الأميركي جو بايدن تصوير معركة الديمقراطيين في مجلس الشيوخ بشأن تصويت يوم الإثنين المقبل، على إقرار إصلاح واسع بشأن حقوق التصويت بما في ذلك حماية حق الأقليات في هذا الشأن.
بل إن الرئيس الأميركي ذهب أبعد من ذلك، في خطاب له أول من أمس الثلاثاء، عندما قال إنه سيدعم إذا اقتضى الأمر تغيير قواعد مجلس الشيوخ "لمنع أقلية من أعضاء المجلس من عرقلة" إقرار الإصلاح، في إشارة إلى الجمهوريين، ليفتح بذلك المعركة نحو صراع أوسع بين معسكره والمعسكر الجمهوري.
قلق إزاء الأنظمة الانتخابية الأميركية
ويشعر كل من الديمقراطيين والجمهوريين بالقلق إزاء حالة الديمقراطية الأميركية والأنظمة الانتخابية للدولة، غير أنه لدى الحزبين أفكاراً مختلفة جداً حول ماهية هذه المشكلات، ناهيك عن الحلول التي يجب أن تعتمد.
فالديمقراطيون يحاولون سن سلسلة من إصلاحات التصويت الجديدة الشاملة، بينما يعمل الجمهوريون على تغيير قواعد التصويت وشروطه على مستوى الولايات التي يسيطرون عليها، وهو ما فعلوه بشكل واسع العام الماضي.
وعززت خطوات الجمهوريين توجهات الديمقراطيين نحو سنّ قوانين على المستوى الوطني تتخطى قرارات الولايات.
يشعر كل من الديمقراطيين والجمهوريين بالقلق إزاء حالة الديمقراطية الأميركية والأنظمة الانتخابية للدولة
وفي خطاب ألقاه في أتلانتا بولاية جورجيا التي وصفها بأنها "مهد" النضال من أجل الحقوق المدنية، قال بايدن أول من أمس الثلاثاء "منذ شهرين وأنا أجري محادثات سرية مع أعضاء الكونغرس. لن أصمت بعد الآن" إزاء عرقلة المعارضة الجمهورية إقرار مشروعي قانونين أساسيين يحميان حق الأقليات في التصويت.
بايدن يجازف برصيده السياسي لإصلاح حقوق التصويت
وقرر الرئيس الأميركي الذي يعاني من تراجع كبير في شعبيته، المجازفة بكل رصيده السياسي لتمرير هذا الإصلاح الواسع لـ"حقوق التصويت"، مواصلاً بذلك حملته بعد خطاب مثير ألقاه من أجل الديمقراطية الأسبوع الماضي في مبنى الكابيتول.
واختار بايدن جورجيا، الولاية الجنوبية التي كانت تعتمد العبودية وترمز إلى النضال من أجل الحقوق المدنية في السابق والخلافات السياسية اليوم، للدفاع عن هذا الإصلاح.
وألقى الرئيس الأميركي خطابه في أتلانتا أمام طلاب في جامعات مرتبطة تاريخياً بمجتمع الأميركيين السود.
وأضاف الرئيس الديمقراطي في خطابه "اليوم، أقول بوضوح إنه من أجل حماية الديمقراطية، أنا أؤيد إجراء تغيير في قواعد مجلس الشيوخ، أياً يكن، لمنع أقلية من أعضاء مجلس الشيوخ من الحؤول دون المضي قدماً للوصول إلى حق التصويت".
وإذ وصف بايدن هذه المعركة البرلمانية بأنها "منعطف في التاريخ الأميركي"، أكد أن "التاريخ سيحكم على كل عضو من أعضاء مجلس الشيوخ" إلى أي حزب انتمى.
وحذّر معرقلي الإصلاح من أن "التاريخ لم يكن يوماً لطيفاً مع أولئك الذين أيّدوا تقييد حق التصويت، ولا مع أولئك الذين أيّدوا تخريب الانتخابات".
تفاصيل إصلاح حقوق التوصيت
والإصلاح يتعلق بتشريع حول الشروط التي يجب التمتع فيها من أجل ممارسة حق التصويت، من التسجيل في القوائم الانتخابية إلى فرز الأصوات، مروراً بالتصويت بالبريد أو التحقق من هوية الناخبين.
وكانت ولايات جمهورية عديدة في الجنوب قد تعهدت بتعديل هذه الشروط، مما يعقد عملياً وصول الأميركيين من أصل أفريقي والأقليات بشكل عام إلى صناديق الاقتراع.
وللالتفاف على هذه الإجراءات، يريد بايدن من الكونغرس وضع إطار تشريعي فيدرالي.
ويؤكد الرئيس الأميركي أن سن هذين القانونين وهما "قانون النهوض بحقوق التصويت لجون لويس" و"قانون حرية التصويت" سيتيح حماية منجزات النضال من أجل الحقوق المدنية وضدّ التمييز العنصري، والتي يعود تاريخها إلى ستينيات القرن الماضي.
ومن شأن القانون الأول أن يعيد سلطة الحكومة الفيدرالية لمراجعة بعض قوانين التصويت في الولاية لمنع التمييز، بينما من شأن القانون الثاني، وهو مشروع قانون أوسع، أن يضع قواعد وطنية للتصويت بالبريد والتصويت المبكر، وغيرها من شروط العملية الانتخابية التي قيّدها الجمهوريون في بعض الولايات.
كما يسعى الديمقراطيون إلى منع مشرعي الولايات من إعادة ترسيم الدوائر الانتخابية بطريقة يقول نشطاء إنها تؤثر على تمثيل الناخبين من الأقليات.
الإصلاح يتعلق بتشريع حول الشروط التي يجب التمتع فيها من أجل ممارسة حق التصويت
"قاعدة المماطلة" في مجلس الشيوخ الأميركي
وقد يقود هذا الرهان السياسي المهم، بايدن، نحو تحد أكبر وهو تعديل قاعدة التصويت في مجلس الشيوخ. وكان السناتور السابق لمدة 36 عاماً، متردداً حتى الآن في كسر التقليد المتجذر، والمعروف في المصطلحات البرلمانية باسم "قاعدة المماطلة".
وتقضي هذه القاعدة بأن يجمع مجلس الشيوخ 60 صوتاً للسماح بالتصويت على النصوص، باستثناء القوانين المتعلقة بالميزانية. لكن بايدن أصبح الآن يؤيد أن يتجاوز الديمقراطيون الذين يتمتعون بـ51 مقعداً مقابل 50 للجمهوريين، هذا التقليد ويقروا القوانين بالأغلبية البسيطة.
ولم يذهب بايدن إلى حد الدعوة إلى النسف الكامل لهذه القاعدة، لكنه قال إنه يؤيد "التخلص منها" في حالة تشريع حقوق التصويت. فهو مثل كثيرين آخرين في حزبه، يعتقد الآن أنه تتم إساءة استخدام "قاعدة المماطلة" لعرقلة التشريعات التي تعتبر أساسية للديمقراطية.
وقد قال أول من أمس "أعتقد أن التهديد لديمقراطيتنا خطير للغاية لدرجة أننا يجب أن نجد طريقة لتمرير قوانين حقوق التصويت".
وأضاف أنه إذا لم يوافق مجلس الشيوخ على مناقشة مشاريع قوانين التصويت، "فليس لدينا خيار سوى تغيير قواعد مجلس الشيوخ، بما في ذلك التخلص من قاعدة المماطلة من أجل ذلك".
ومن خلال دعوته لكسر قاعدة الـ60 صوتاً، يثير الرئيس الديمقراطي غضب المعارضة المحافظة، لكنه يخاطر كذلك بإحداث صدمة لدى البرلمانيين الديمقراطيين المتمسكين بهذه الممارسة التي من المفترض أن تعزز الإجماع والاعتدال.
لكنّ الوقت بالنسبة لبايدن الذي تعثرت أجندته الاقتصادية والاجتماعية وانخفضت شعبيته، لم يعد مناسباً لإظهار الاعتدال أمام دونالد ترامب الذي لا يزال يواصل الادعاء بفوزه في الانتخابات الأخيرة، من دون أي دليل.
ويتهم الديمقراطيون أنصار الرئيس السابق بتغيير القواعد الانتخابية لصالحهم في بعض الولايات التي يسيطرون عليها.
وفرضت جورجيا، على سبيل المثال، قيوداً على التصويت بالبريد، كما حظرت توزيع الماء أو الوجبات على الناخبين الذين ينتظرون لساعات أحياناً، للإدلاء بأصواتهم. كما شددت الولاية رقابة النواب، ومعظمهم من المحافظين، على عمليات التصويت.
وإن عبّر عن دعمه لتمرير مشروع حق التصويت في مجلس الشيوخ وصعّد التهديد نحو تغيير قاعدة التصويت في مجلس الشيوخ، إلا أن ذلك لا يعني أن بايدن سيكسب الرهان.
إذ يتعين عليه حشد جميع أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين من دون استثناء لذلك، لكن اثنين على الأقل من الوسطيين وهما جو مانشين الذي عرقل بالفعل تمرير مشروع ضخم حول الإصلاحات الاجتماعية التقدمية للرئيس، وكيرستن سينيما، يترددان في دعمه بشأن "حقوق التصويت". كما يرفض مانشين فكرة تغيير "قاعدة المماطلة".
وقال مانشين، أول من أمس، إن مجلس الشيوخ يحتاج إلى "بعض التغييرات الجيدة في القواعد لجعل المكان يعمل بشكل أفضل، لكن التخلص من قاعدة المماطلة لا يجعله يعمل بشكل أفضل".
أوضح الجمهوريون أنهم لن يشاركوا في أي جهد لتغيير قواعد مجلس الشيوخ
كما أوضح الجمهوريون أنهم لن يشاركوا في أي جهد لتغيير قواعد مجلس الشيوخ لتمرير مشاريع قوانين التصويت. وفي مؤتمر صحافي، أول من أمس الثلاثاء، انتقد أكثر من عشرة أعضاء جمهوريين في مجلس الشيوخ الجهود لتغيير "قاعدة المماطلة".
وكان جزء كبير من خطاب بايدن أول من أمس، في إطار الهجوم العنيف على الجمهوريين ومن النوع الذي تجنبه الرئيس منذ فترة طويلة، إذ استهدف أولئك الذين يعارضون إجراءات حقوق التصويت في الكونغرس، وكذلك أولئك الذين سنوا قيوداً على التصويت في الولايات.
قال متوجهاً للحضور "الحقائق لن تهم. أصواتكم لن تهم. سيقررون فقط ما يريدون ثم يفعلون ذلك، هذا هو نوع القوة التي نراها في الدول الشمولية، وليس في الديمقراطيات".
ولم يوجه الرئيس أصابع الاتهام إلى أعضاء معينين في مجلس الشيوخ، لكنه قال إن تصويت المجلس سيمثل نقطة تحول في التاريخ الأميركي، متسائلاً "هل نختار الديمقراطية على الأوتوقراطية؟ الضوء على الظلال؟ العدل على الظلم؟ أنا أعرف مكاني، السؤال هو، أين ستقف مؤسسة مجلس الشيوخ الأميركي؟".
وكان الرئيس استهلّ زيارته لأتلانتا بلقاء مع أولاد مارتن لوثر كينغ قبل أن يزور قبر والدهم، رمز النضال من أجل الحقوق المدنية.
وكان الرئيس الديمقراطي استفاد قبل انتخابه من دعم حاسم من شخصيات سوداء أميركية بارزة، إلا أن الناشطين المدافعين عن الحقوق المدنية عبروا عن غضبهم أخيراً مما وصفوه بـ"وعود فارغة"، من قبل الرئيس، ويشعر العديد منهم بالإحباط لأن بايدن لم يضغط، وفق ما يرون، بشكل أكبر من أجل حماية التصويت، وقاطع بعض هؤلاء زيارته إلى جورجيا أول من أمس.
وقد كانت زيارة بايدن إلى جورجيا تهدف أيضاً إلى استعادة علاقته ببعض النشطاء في مجال حقوق التصويت، الذين أصيبوا بخيبة أمل لأنه استنفد رأسماله السياسي في عامه الأول في منصبه على جهود أخرى، وفق ما يقولون.