إدماج "الجبهة الأمازيغية" بالأحزاب المغربية: خدمة للقضية أم ورقة انتخابية؟

03 فبراير 2021
شارك الأمازيغ بفعالية في الحراك الشعبي الأخير (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

هل تكون الانتخابات التشريعية والمناطقية والبلدية المنتظرة العام الحالي محطة إدماج جزء من الحركة الأمازيغية في الحياة السياسية المغربية؟ سؤال أصبح مطروحاً في المشهد السياسي، في ظل معطيات متواترة تشير إلى حركة استقطاب سياسي مفتوح قد يحوّل القضية الأمازيغية إلى ورقة انتخابية في مواجهة أحزاب ذات ثقل، مثل "العدالة والتنمية"، قائد الائتلاف الحكومي الحالي، و"الاستقلال" المعارض، خلال النزال الانتخابي المقبل.

ولئن كانت فكرة المشاركة السياسية، سواء من داخل الأحزاب الموجودة أو بإنشاء حزب ذي مرجعية أمازيغية، لا يحظى بالإجماع داخل مكونات الحركة الأمازيغية، إلا أن ما يعرفه المشهد السياسي في المغرب، حالياً، من تسريع للتحركات الحزبية لوضع اللمسات الأخيرة على مضامين تعاقد سياسي يكفل للمنتمين إلى "جبهة العمل السياسي الأمازيغي" الانتقال من الممانعة إلى المشاركة في صنع القرار السياسي، يؤكد أن هناك توجهاً لدى الفاعلين السياسيين للدفع في اتجاه تكرار تجارب سابقة. أبرز تلك التجارب كان تجربة إدماج الإسلاميين، التي بدأت عام 1992 بالبحث عن بدائل أخرى تتيح تنفيذ فكرة المشاركة السياسية بعد رفض السلطات طلب تأسيس حزب "التجديد الوطني"، وكان التواصل أولاً مع حزب "الاستقلال" لكن بلا نتائج تذكر، ليجرى بعدها التفاوض مع الراحل عبد الكريم الخطيب على أساس إعادة تجديد هياكل حزبه "الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية"، وصولاً إلى تحقيق هذا الهدف مع عقد مؤتمر استثنائي للحزب في عام 1996.

سرع حزب "الحركة الشعبية" مسار تفعيل بنود الاتفاق مع "جبهة العمل السياسي الأمازيغي"

وقبل أشهر قليلة من محطة انتخابية قد تغيّر من طبيعة مشهد حزبي طبع المغرب منذ هبوب رياح الربيع العربي في 2011، بدا مثيراً للاهتمام تسريع حزب "الحركة الشعبية" (المشارك في الحكومة) لمسار تفعيل بنود الاتفاق الذي تم توقيعه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي مع "جبهة العمل السياسي الأمازيغي"، بالانتقال، خلال اجتماع عقد السبت الماضي، إلى "تقريب وجهات النظر في ما يتعلق بالمشاركة السياسية لمناضلي الجبهة في أكادير (جنوب غرب المغرب)، والبحث عن سبل تثبيته ميدانياً بما يخدم القضية الأمازيغية وتطلعات سكان المدينة ونواحيها".

وكانت الجبهة قد توّجت مسار حوار أطلقته على مدى 9 أشهر مع عدد من الأحزاب (التجمع الوطني للأحرار، الحركة الشعبية، التقدم والاشتراكية) بشأن المشاركة السياسية، بالقطع مع سياسة "الكرسي الفارغ" التي انتهجتها الحركة الأمازيغية لسنوات، بالتوقيع على اتفاقين: الأول في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني مع "التجمع الوطني للأحرار"، الطامح لإزاحة الإسلاميين من رئاسة الحكومة، والثاني مع "الحركة الشعبية" في 31 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تم بموجبهما انضمام أعضاء فيها إلى الحزبين.

ومنذ الإعلان عن ولادتها في ديسمبر/ كانون الأول 2019 كمبادرة لفعاليات أمازيغية مختلفة (نشطاء حقوقيين، مثقفين...)، لم تُخفِ الجبهة طموحها السياسي، إذ أوردت أنها "ستسعى إلى توسيع فضاءات النقاش العام حول ملحاحية (أولوية)، أو لنقل حتمية، الحسم الآن وليس غداً في سؤال المشاركة السياسية المباشرة للحركة الأمازيغية، أو التحوّل إلى الانخراط في العمل السياسي المباشر بآفاقه التنظيمية والمؤسساتية، والغاية الكبرى هي ضمان وتيرة قوية للعمل الأمازيغي داخل المؤسسات، الأمر الذي من شأنه أن يعطي أيضاً قوة رمزية ومادية لعموم مكونات الحركة الأمازيغية".

وبقطع النظر عن خلفية من يقف وراء الجبهة ودوافعهم ومطامحهم، فالمؤكد أن رهانهم على حث المكون الأمازيغي على الانتقال نحو المشاركة السياسية المباشرة والعمل داخل المؤسسات بحثاً عن التغيير من الداخل وخدمة القضية، يحاول تجاوز انتكاسات مشاريع ومبادرات كانت تراهن في تحقيق ذلك على تأسيس أحزاب أمازيغية خالصة، كان أبرزها "الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي" الذي تم حله من قبل المحكمة الإدارية في الرباط عام 2008 بدعوى عدم امتثاله للقوانين التي تحظر إنشاء الأحزاب على أسس عرقية، فضلاً عن مشروعي حزب "تامونت" (الوحدة في الأمازيغ) في 2018 و"التغيير الديمقراطي" في 2019.

وإذا كانت كل المعطيات تدل على أن المعادلة الأمازيغية ستكون حاضرة في الانتخابات المقبلة، إلا أن السؤال الذي يثيره العديد من المتابعين هو: هل سيفتح اندماج مكونات الجبهة في حزبي "الأحرار" و"الحركة الشعبية"، الباب على المشاركة السياسية الفعالة للحركة الأمازيغية، وذلك بعد أن ظلت منكفئة على نفسها لأكثر من 40 سنة خارج الأحزاب ومؤسسات الدولة، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون استقطاباً وورقة لتحقيق مآرب انتخابية؟

منسق "جبهة العمل السياسي الأمازيغي": إقصاء الأمازيغية في كل النواحي كان بقرار سياسي

يقول منسق "جبهة العمل السياسي الأمازيغي"، محيي الدين حجاج، لـ"العربي الجديد"، إن دخول المعترك السياسي عبر بوابة الأحزاب سيجعل الأمازيغ مقررين، ليس فقط على المستوى الثقافي، بل في ما يهم السياسة العامة للبلاد. ويعتبر أن "إقصاء الأمازيغية في كل النواحي كان بقرار سياسي، ولا يمكن أن تنصف إلا بقرار مماثل، لذا على أبناء الحركة الوجود داخل المؤسسات، ونخال أن أي قرار سياسي لسنا فيه، لن ينصف الأمازيغية، كما حصل في التنزيل الدستوري في ما يخصها".
ويتابع حجاج: "كنا دائماً نمارس السياسة، ولكن كانت سياسة من نوع خاص، سياسة الرفض المطلق لكل شيء ومقاطعة كل ما يمت للمؤسسات وللدولة بصلة، وذلك على أساس معطيات من قبيل أنه لا يمكننا أن نعمل من داخل مؤسسات لا تعترف أصلاً بالأمازيغية، لكن بعد التعديل الدستوري لسنة 2011 طرأت مستجدات، وإن كنا غير راضين عنها في المجمل، بيد أنها تتيح على الأقل أرضية يمكن تطويرها لنشتغل من داخل الأحزاب والمؤسسات". ويضيف: "لن نندم عن مشاركتنا السياسية، وعن العمل من داخل المؤسسات، لأنها تمثل أسلوباً فعالاً للتصدي للعديد من القرارات التراجعية التي تُمرر من خلال البرلمان والمؤسسات".

لكن الناشط الأمازيغي عبد الواحد درويش، يعتقد أن هناك اتفاقاً بين غالبية الفاعلين في الحركة على أن التعاقد، الذي أبرم بين بعض مناضلي الحركة الأمازيغية وحزبي "الأحرار" و"الحركة الشعبية"، هو استقطاب حزبي يأتي قبيل الانتخابات المرتقبة في النصف الثاني من 2021. ويقول درويش، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الأحزاب السياسية واعية بالمصداقية والمشروعية التي تتمتع بها الحركة الأمازيغية، وتدرك الزخم النضالي لكوادرها، وهي تحاول جاهدة استقطابهم لتعزيز هياكلها التي أصابها الوهن والترهل، لكن "لا يمكن لبعض الأشخاص المحسوبين على رؤوس الأصابع، والذين لم يسبق لهم أن خاضوا أي تجربة انتخابية، بل إن أغلبهم لم يسجلوا أنفسهم في اللوائح الانتخابية إلا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن يبيعوا الوهم لهذه الأحزاب بقدرتهم على تحقيق معجزات انتخابية".

ويذهب الناشط الأمازيغي إلى أن العمل داخل المؤسسات لخدمة الأمازيغية مقولة مغلوطة يريد بها البعض تبرير هدف انخراطهم في الأحزاب السياسية، مضيفاً: "الحركة الأمازيغية عملت دوماً من داخل المؤسسات وحققت مكتسبات مهمة للقضية، وهي تعمل حالياً من داخلها، لكن يبدو أن ما يقصده المنتمون إلى الجبهة هو رغبتهم في الحصول على مقاعد في الجماعات الترابية والبرلمان وفي المجالس الدستورية، خصوصاً منها المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية".

من جهته، ينظر رئيس العصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان، بوبكر أونغير، إلى التحاق "جبهة العمل السياسي الأمازيغي" بحزبي "الأحرار" و"الحركة الشعبية" على أنه "قرار يتوج مسارات الملتحقين وتقدير شخصي لهم، كما أنه خطوة لا تضرّ بالقضية الأمازيغية وقد تنفعها". ويقول أونغير لـ"العربي الجديد " إن "قرار المشاركة السياسية أمر إيجابي وضروري لانتزاع مكتسبات نوعية لصالح القضية الأمازيغية التي غُيّبت وهمشت بقرارات سياسية منذ استقلال المغرب إلى اليوم، بيد أن الاقتصار على حزبين فقط يبقى أمراً غير مبرر وغير معقول، لأن هناك أحزاباً أخرى لها ماضٍ مشرف بخصوص الأمازيغية، مثل حزب التقدم والاشتراكية، كما أن هناك أحزاباً أخرى يمكن فتح النقاش معها بشأن تبنيها للقضية الأمازيغية التي تبقى قضية وطنية جامعة تهم الجميع وليست مسألة حزبية ظرفية".
ويؤكد أونغير أن الأمازيغية بحاجة إلى اليمين واليسار، وبدرجة أكبر إلى إنصاف ودعم من المؤسسة الملكية الفاعل الرئيسي في السياسة المغربية، لافتاً إلى أنه "متى استطاع الأمازيغ ربح رهان الاعتراف المجتمعي والدعم الملكي، فإن الأحزاب السياسية ستأتي مهرولة صاغية للمطالب الأمازيغية".

المساهمون