إحباطات الوحدة تعزز قبضة "البديل من أجل ألمانيا" شرقاً

30 اغسطس 2024
تجمع لأنصار "البديل" في سونيبيرغ، 11 أغسطس 2024 (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا في الشرق**: يشهد الحزب اليميني المتشدد تقدماً ملحوظاً في الانتخابات المحلية بشرق ألمانيا، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تحقيقه نتائج تصل إلى 30% في ساكسونيا، 29% في تورينغن، و24% في براندنبورغ.

- **استغلال مشاعر الإحباط**: استغل الحزب مشاعر الإحباط بين سكان شرق ألمانيا الذين يشعرون بأنهم يعاملون كمواطنين من "درجة ثانية"، مما ساهم في تعزيز سردية الحزب وجذب المزيد من الناخبين.

- **تأثير الهجرة واللجوء**: استفاد الحزب من تحميل اللجوء والهجرة مسؤولية تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، مما جذب فئات شبابية ناقمة وزاد من تأييده في تلك المناطق.

في مناطق شرق ألمانيا، أو ما سمي بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، جمهورية ألمانيا الديمقراطية حتى توحيد شطريها في عام 1990، بات طريق حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتشدد سالكاً نحو حصد نتائج قد تكون الأكبر منذ تأسيسه في عام 2013، وذلك في انتخابات برلمانات محلية في ولايات تورينغن وساكسونيا (المقررة بعد غد الأحد)، وبراندنبورغ (في 22 سبتمبر/ أيلول المقبل). ولم يبدُ أن الاتهامات بالعنصرية للحزب وميول بعض قادته إلى الفكر النازي ومشاريع سرية لترحيل ملايين المواطنين من أصول مهاجرة، قد أثرت على شعبيته في شرق البلاد. إلى جانب أن النتائج ليست أقل أهمية من الانتخابات التشريعية المقررة في سبتمبر 2025. وأظهرت أرقام الاستطلاعات أخيراً أنه من المتوقع تحقيق حزب البديل من أجل ألمانيا نحو 30% من نتائج التصويت في ساكسونيا، وحوالي 29% في تورينغن و24% في براندنبورغ.

تقدم حزب البديل من أجل ألمانيا

بالإضافة إلى ذلك، تزايد قلق الطبقة السياسية التقليدية بعدما قدّمت استطلاعات أجريت في بداية العام الحالي حزب البديل من أجل ألمانيا كحزب مفضّل لدى الشباب الألمان الذين تراوح أعمارهم بين 14 و29 عاماً، وبنسبة تأييد وصلت إلى 22%، في زيادة كبيرة عن نسبة 12% في 2023. وفي مؤشر إلى ارتفاع نسب التأييد للحزب اليميني المتطرف في مناطق شرقي ألمانيا، بين الذين تقل أعمارهم عن سن 18. وفي انتخابات لمجالس شبابية بين 19 و23 أغسطس/ آب الحالي، فاز البديل من أجل ألمانيا بأكثر من 30% من أصوات مناطق الشرق. وفي ولاية تورينغن، حقق 37%، بزيادة حوالي 21 نقطة مئوية منذ انتخابات الشباب في 2019. على مدار 34 عاماً من الوحدة الألمانية ظلت العلاقة بين شطري البلد مثار سجال وتحميل مسؤوليات للغرب عن عدم تحقيق الوعود المالية والاقتصادية لدعم شرقها. وعلى سبيل المثال شكلت كأس الأمم الأوروبية التي استضافتها ألمانيا بين 14 يونيو/ حزيران و14 يوليو/ تموز الماضيين، مناسبة لدى البعض لتذكير سكانها بخيبة الأمل تجاه ما حققته الوحدة. إذ من بين 51 مباراة في البطولة الأوروبية، لم تستضف ولايات الشرق سوى أربع منها، وكلها على ملعب في مدينة لايبزيغ، وذلك لأسباب متعلقة بعدم تلبية ملاعب كرة القدم في الشرق الألماني شروط الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا).


فاز البديل من أجل ألمانيا بنحو 30% في انتخابات مجالس شبابية في الشرق

ودفع ذلك حزب البديل من أجل ألمانيا المتطرف، ومعه حزب "تحالف سارة فاغنكنشت" الجديد، المصنف على أنه يسار شعبوي، إلى إبراز مشاعر الإحباط المتولدة تباعاً عند الألمان الشرقيين، وبث فكرة عن أن نحو 14 مليون نسمة (من سكان ألمانيا الديمقراطية السابقة)، يعاملون كمواطنين من "درجة ثانية". واستغل الحزبان تزايد السجال والغضب على الطبقة السياسية التقليدية، واتهامها بعدم الإيفاء بوعودها في الولايات الخمس شرقي البلد، وهي براندنبورغ، وميكلينبورغ ـ فوربوميرن، وساكسونيا، وساكسونيا ـ أنهالت، وتورينغن. وركز حزب البديل من أجل ألمانيا بصورة خاصة على عدم تحقيق مشروع الازدهار الذي أطلقه المستشار الأسبق هلموت كول، مذكراً بتلاشي العديد من الشركات وابتلاع أخرى من قبل شركات من غرب البلاد، بعد خصخصتها، بينما جرى تسريح عدد كبير من عمال شركات القطاع العام بعد الخصخصة، في وقت تراجع فيه تأسيس شركات وخلق فرص عمل جديدة. وعلى تلك الخلفية واصل البديل من أجل ألمانيا اللعب على وتر الإحساس بالغبن المتوارث على مدار عقود الوحدة.

وأدت الهجرة من شرق البلاد إلى غربه دوراً في تعزيز سرديته، مشدداً على أن البطالة فرضت حالة تفريغ مدن الشرق من الأكاديميين والكفاءات، واضطرار العمالة الماهرة والخريجين الشباب إلى البحث عن تقاسم الثروات في مدن غرب البلاد وليس في الولايات الشرقية، التي استمرت فيها العمالة غير الماهرة والأقل تعليماً. وحمّل البديل من أجل ألمانيا تلك الهجرة مسؤولية انعدام الأمن الاجتماعي والاقتصادي.

كما استفاد حزب البديل من أجل ألمانيا من تحميل اللجوء والهجرة بعض المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، معتبراً أن سياسات المستشارة السابقة أنجيلا ميركل ساهمت في قدوم أكثر من مليون لاجئ في 2015. هذا إلى جانب الاستفادة من أحداث عنف فردية قام بها لاجئون، كحادثة الطعن في مدينة زولنغين، في 23 أغسطس الحالي التي قُتل فيها ثلاثة أشخاص وجُرح ثمانية آخرون، وتحميل الحكومات المتعاقبة مسؤولية فشل سياسة الهجرة وترحيل المرفوضين. وهو أمر ساهم، برأي متخصصين وباحثين، في اجتذاب حزب البديل من أجل ألمانيا فئات شبابية ناقمة من بين الـ14 مليون ألماني شرقي، أكثر من اجتذابه هؤلاء من بين الـ70 مليوناً في الغرب الألماني. وفي مسيرته الممتدة لـ11 عاماً طوّر حزب البديل من أجل ألمانيا خطابه الشعبوي عبر الاستفادة من الدراسات والأرقام التي تطرقت إلى واقع العلاقة المختلة بين شرق ألمانيا وغربها. وبدا أن وقف الاستنزاف على المستوى البشري لم يصمد ببرامج الحكومات، القائمة على الاستثمار بكثافة في التعليم في الشرق. فقد واصل الشباب التوجه غرباً لأسباب كثيرة، من بينها تضاؤل فرص العمل في الشرق، إذ ظلّت الأجور أقل بنحو 20% عن مثيلتها في غرب البلاد، باستثناء العاصمة برلين. وسبب ذلك، بطبيعة الحال، من بين قضايا أخرى، هو أن معظم الصناعات موجودة في الغرب، بينما ظلت في الشرق الشركات الصغيرة وقطاع الزراعة، اللذان يقدمان أجوراً أقل مما تقدمه الصناعات الكبيرة.

أضف إلى ذلك أن الاختلاف القائم بين شرق ألمانيا وغربها في ظروف التعليم والإسكان، إلى جانب انتشار مشاعر عدم المساواة عند قطاعات واسعة من سكان الشرق، ساهمت في تقبّل كثيرين خطاب حزب البديل من أجل ألمانيا المتطرف، وليس دائماً على أساس أيديولوجي. وأشارت مجلة شتيرن المحلية في استطلاع لها العام الماضي، إلى أن ستة من كل عشرة ألمان رأوا أن الاختلافات بين الشرق والغرب أكثر من أسباب الوحدة، وهو ما انعكس بالسلب على المستويين السياسي والانتخابي. تقليدياً، شهدت الخريطة السياسية ـ الحزبية الألمانية تقاسماً بين تياراتها. فالغرب، باستثناء هامبورغ، شكّل معقلاً للديمقراطيين المسيحيين، بينما اليسار كان أقوى في الشرق، قبل انقسامه وضعفه.

ومن اللافت أن حزب البديل من أجل ألمانيا استطاع تحويل الشرق إلى معقله الأساسي، رغم حداثته مقارنة بأحزاب عريقة، وذلك إلى جانب اقتحامه معاقل بقية القوى السياسية في الغرب، وإن كانت النسب أقل على المستوى الوطني. في المقابل، فإن يسار الوسط، الحزب الاجتماعي الديمقراطي، برئاسة المستشار أولاف شولتز، تراجع في الاستطلاعات في مناطق شرقي ألمانيا، التي تبنت النهج الاشتراكي حتى 1990. ومن ناحية أخرى، فإن تراجع اليسار التقليدي، المتمثل في حزب دي لينكه في الشرق الألماني، وخسارته رئاسة حكومة تورينغن، سيستفيد منه حزب "تحالف سارة فاغنكنشت"، المتوقع حصوله على ما بين 16 و20% بحسب الاستطلاعات.


ظلّت الأجور في الشرق أقل بنحو 20% عن مثيلتها في غرب البلاد

محاولات يسارية في الشرق

بدوره، باشر يسار الوسط أخيراً مغازلة حزب "تحالف سارة فاغنكنشت"، من أجل الذهاب نحو تشكيل حكومات ائتلافية في تلك الولايات الشرقية، على أمل إبقاء حزب البديل من أجل ألمانيا خارج السلطة والنفوذ. ولا يمكن الجزم بألا يذهب يمين الوسط، الديمقراطي المسيحي تحديداً، نحو فتح نافذة على "البديل"، إذ رغم كل شيء يصعب تسويق تجاهل حوالي 30% من المصوّتين له. فمثل ذلك التجاهل، وبناء على تجارب أوروبية سابقة، يمكن أن يأتي بنتائج عكسية، إلى جانب توسيعه للفجوة بين شطري ألمانيا وزيادة مشاعر النقمة تجاه الطبقة السياسية التقليدية.

في كل الأحوال، فإن الدولة الألمانية أمام معضلة تزايد تأييد اليمين المتشدد، وربما قد تحظره، بناءً على تراكم معطيات وأدلة على علاقة حزب البديل من أجل ألمانيا مع دوائر نازية وجماعات أقصى اليمين العنيف. وأشار استطلاع أجرته مؤسسة إيبسوس لصالح صحيفة دي فيلت، إلى تأييد 42% من الألمان حظر حزب البديل من أجل ألمانيا، فيما عارض عدد مماثل ذلك. وفي مؤشر إضافي إلى توسع فجوة شطري البلاد، فإن 31% فقط من الألمان الشرقيين أيدوا حظر حزب البديل من أجل ألمانيا، بينما أكثر من النصف عارضوا ذلك. وحتى بافتراض أن السلطات أوجدت الأسس القانونية للحظر وباشرت على الفور فيه، فإن التنفيذ سيكون عملية صعبة وطويلة، ولن يكون من الممكن إكمالها لا قبل الانتخابات المحلية حالياً ولا قبل الانتخابات المقبلة للبرلمان الألماني (بوندستاغ)، في 2025. الاتجاه الأقرب للواقعية في حسابات ألمانية داخلية هو استمرار الطبقة السياسية المراهنة على مزيد من كشف ميول الحزب النازية والعنصرية أمام الرأي العام، وذلك من خلال ملاحقات فردية لبعض كوادره وقاداته، بهدف تفكيك النواة الصلبة من حوله وعزوف الناخبين عن التصويت له، خصوصاً المصوتين على خلفية الإحباط والاحتجاج على الطبقة السياسية.