أول طعن ضد استمرار المحاكم الفلسطينية بالاستناد إلى الأوامر العسكرية الإسرائيلية

30 ديسمبر 2020
شاركت مؤسسات حقوقية فلسطينية ومحامون مستقلون في مبادرة الطعن (العربي الجديد)
+ الخط -

شاركت مؤسسات حقوقية فلسطينية ومحامون مستقلون في مبادرة طعن في المحكمة الدستورية العليا الفلسطينية، ضد استمرار استناد المحاكم الفلسطينية بالفصل في القضايا إلى عدد من الأوامر العسكرية الإسرائيلية. 

وكان لهدم قوات الاحتلال الإسرائيلي لمنزل والد المحامي صلاح موسى قبل أعوام في محافظة جنين شماليّ الضفة الغربية استناداً إلى أمر عسكري إسرائيلي خاص بهدم المنازل الفلسطينية، دافعاً للمشاركة في تلك المبادرة. 

ومن خلال عملهم كمحامين، واجه صلاح وزملاؤه العديد من القضايا التي طبقت فيها المحاكم الفلسطينية أوامر عسكرية إسرائيلية، وخصوصاً في ظل غياب قوانين فلسطينية لقضايا معينة، ولذا يقدم مركز القدس للمساعدة القانونية ومجموعة من المحامين المستقلين أول طعن أمام المحكمة الدستورية العليا بشأن استمرار سريان الأوامر العسكرية الاحتلالية واعتبارها جزءاً من المنظومة القضائية الفلسطينية.

والطعن المقدم، كما أوضح مدير مركز القدس للمساعدة القانونية عصام العاروري، بعد إيداع الأوراق للمحكمة في مدينة البيرة وسط رام الله، اليوم الأربعاء، قدم باسم متضررين من تلك الأوامر، هم: شركة صفد التي تملك تلفزيون وطن المحلي، بسبب اقتحام قوات الاحتلال للمقر ومصادرة معداته، ومواطن صودرت أموال من منزله، والمحامي صلاح موسى، الذي هُدم منزل والده، وكل ذلك استناداً إلى الأوامر العسكرية.

ويقول المحامي صلاح موسى لـ"العربي الجديد": "والدي هُدم منزله وأنا أُصبت بالرصاص، واعتقلت لمدة سبعة أعوام، أنا متضرر مباشر من هذه الأوامر العسكرية، وللأسف السلطة الفلسطينية أُسست قبل 25 عاماً، والتشريعات تتراجع، وأهم ما دفعني إلى تقديم الطعن، أن إسرائيل حولت السلطة الفلسطينية لجهاز إداري لا تعترف فيه كسلطة سياسية، وبالتالي تفرض كل الأوامر والتعليمات، إما أن نواجه الأوامر العسكرية ونرفضها في المنظومة القانونية الفلسطينية، أو نسلم بها ونقول عنها مشروعة".

وأضاف: "نريد الانفكاك عن الاحتلال كيف؟ توجد طريقتان قبل الانفكاك السياسي، الانفكاك الاقتصادي، ولا نستطيع بسبب اتفاق باريس الاقتصادي، والانفكاك القانوني؛ حتى اتفاق أوسلو على مساوئه فيه نقاط تتيح إلغاء الأوامر العسكرية، فلماذا لم نقم بإلغائها؟"، يوضح صلاح موسى.

وأكد موسى أن المبادرين إلى الطعن يهدفون إلى تأسيس رفض لمنهجية الاحتلال بإصدار أوامر عسكرية تخالف كل الاتفاقات الدولية، بل وتستخدمها لشرعنة عمليات الضم.

وقُدِّم الطعن ضد الرئيس الفلسطيني بصفته، ورئيس الوزراء الفلسطيني بصفته، ومجلس الوزراء بصفته، والنائب العام بصفته، فيما لفت المحامون إلى أنهم لم يوردوا المجلس التشريعي الفلسطيني ضمن الجهات المطعون ضدها بسبب حله.

حقوقيون فلسطنيون (العربي الجديد)

وفي إحاطة صحافية بعد تقديم الطعن، اعتبر مدير مركز القدس عصام العاروري، أن استمرار استخدام تلك الأوامر العسكرية يتناقض مع السيادة والقانون، حين يصدر قرار محكمة في ترويسته في الأعلى "صدر باسم الشعب العربي الفلسطيني" وفي حيثياته "استناداً إلى الأمر العسكري".

وحول طبيعة الأوامر العسكرية التي يُستنَد إليها في المحاكم الفلسطينية، أعطى المحامي عثمان حمد الله أمثلة عليها في حديث مع "العربي الجديد" مثل القضايا التجارية والشيكات المرتجعة، سواء في الإجراءات أو العقوبة، أو قضايا التأمينات التي تعود إلى ما قبل عام 2005، وضريبة المعارف، وقضايا الجمعيات حيث أقرت في قضايا ضريبة أملاك عليها استناداً إلى أوامر عسكرية إسرائيلية، فيما يعفيها قانون الجمعيات الفلسطيني من ذلك.

الطعن المقدم لم يقتصر على تلك الأوامر التي يجري استخدامها، بل على كل منظومة الاستناد إلى الأوامر العسكرية، يردّ المحامي جواد عماوي على "العربي الجديد" بالقول: "إن الأوامر العسكرية الإسرائيلية تشمل جميع مناحي الحياة للفلسطينيين المالية والاقتصادية والاجتماعية والسياحية وحتى الطرق".

وأضاف عماوي: "تتعرض كل مناحي الحياة الفلسطينية لتغوّل القيادة العسكرية الإسرائيلية من خلال تعديل مجموعة كبيرة من القوانين الأردنية التي كانت سارية قبل احتلال الأراضي المحتلة عام 1967، أو إصدار أوامر جديدة مخالفة للقانون الدولي، لا يجوز كفلسطينيين أن نقول إن هذه الأوامر صدرت خلافاً للقانون الدولي ونستمر في تطبيقها بمحاكمنا".

ويستغرب القانونيون إصدار مجموعة كبيرة من القرارات بقوانين تصدر عن الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في ظل غياب المجلس التشريعي، في حين أن الضرورة تقتضي إصدار ما يغني عن الأوامر العسكرية الإسرائيلية، وبحسب المحامي بلال محفوظ، فقد طرح شمل الطعن على آليات وحلول للانتقال القانوني، بحيث لا تحدث خطوة إلغاء الأوامر العسكرية فراغاً قانونياً.

وقال محفوظ: "إن الإشكال في الأوامر العسكرية أنها تصدر عن الحاكم العسكري، وهو مرفوض على صعيد الكرامة الوطنية، وأنها مستندة إلى النظام الأنجلوسكسوني، فيما يُطبق في فلسطين نظام أقرب إلى النظام الفرنسي القانوني، ما يؤدي إلى إشكالات في الإجراءات التي يتعلق بعضها بالعقوبات بما يوقع الظلم على المواطن".

أما المحكمة الدستورية التي تقدم لها المحامون بالطعن، فقد أُنشئت في عام 2016 بقرار من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، ما أثار جدلاً حقوقياً وسياسياً في حينه، حيث اعتبرت مؤسسات حقوقية تشكيلها مخالفاً للقانون الأساسي، فيما تواجه أخيراً مشكلة فصل موظفتين بسبب تبليغهما عن شبهات فساد.

ورداً على سؤال لـ"العربي الجديد" عن توجه المؤسسات الحقوقية إلى المحكمة في ظل ذلك الجدل القانوني والسياسي، قال عصام العاروري: "إذا أردنا الحديث عن الحالة القانونية والشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإننا نجد أنه ليس هناك أجسام شرعية بالمعنى القانوني، حُلَّ المجلس التشريعي، وحتى قبل حله كان مجمداً".

وتابع: "انتخبنا المشرعين والرئيس لفترات محددة، وانتهت هذه المدد، والأمر ينطبق على إصدار القرارات بقوانين من الرئيس، وهناك دمج للسلطتين التنفيذية والتشريعية، وهناك تعيين لمجلس القضاء، وبالتالي لا يوجد فصل بين السلطان، لكن أيضاً لا نستطيع هدم كل الموجود، لكن الحل الجوهري مواعيد انتخابات رئاسية وتشريعية تجدد كل الشرعيات الفلسطينية".

المساهمون