رفض أهالي الشيخ جراح، اليوم الخميس، مقترحاً من قبل محكمة الاحتلال الإسرائيلي العليا في القدس يقضي بإبرام اتفاق تسوية بينهم وبين المستوطنين حول ملكية منازلهم، فيما سترسل المحكمة قرارها عبر البريد في وقت لاحق.
وقال المحامي سامي ارشيد، من طاقم الدفاع عن المنازل المهددة بالإخلاء في حي الشيخ جراح لصالح جمعيات استيطانية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "طاقم الدفاع سلم ردّه ورد أصحاب المنازل إلى المحكمة العليا بخصوص ما كان قد طرحه المستوطنون من اقتراح لاتفاق تسوية مع العائلات المهددة بالإخلاء".
وأكد ارشيد أنّ فحوى الرد الذي سلّم إلى المحكمة يتضمن رفضاً مطلقاً لهذا المقترح، وبالتالي عدم التوصل إلى اتفاق مع الطرف الآخر، متوقعاً أن تصدر المحكمة قرارها النهائي في وقت لاحق من اليوم، أو ربما بعد ذلك.
وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية قد أجّلت، الأحد الماضي، إصدار قرارها بشأن العائلات المقدسية المهددة بالإخلاء من منازلها في حي الشيخ جراح بمدينة القدس المحتلة لصالح جمعيات استيطانية، حتى اليوم الخميس، من أجل التوصل إلى اتفاق بينهما، قبل أن تصدر قرارها النهائي.
ورفض أصحاب المنازل عرضاً قُدّم إليهم من جانب المستوطنين ومحاميهم، يعترف بموجبه أصحاب تلك البيوت بملكية المستوطنين للأرض المقامة عليها بيوتهم، مقابل تأجيل الإخلاء، إلا أن أصحاب المنازل رفضوا العرض المذكور، خاصة أنه يقترح عليهم تسجيل بيوتهم مؤقتاً بأسماء فرد من كل عائلة، وبعد وفاته تنقل ملكية البيت للمستوطنين.
وأكدت العائلات رفضها المطلق لهذا الاقتراح، لعدم ملكية المستوطنين للأرض التي أقيمت عليها منازلهم، وهو ما أكده أيضاً زكريا عودة، من الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس، خلال حديث سابق مع "العربي الجديد".
وأشار عودة إلى أن الأهالي رفضوا استئجار المنازل من المستوطنين ودفع إيجارات لهم، لكنهم أبدوا استعداداً لدفع أموال إلى صندوق المحكمة إلى حين تبت المحكمة بقرارها بخصوص القضية.
في هذه الأثناء، رفض فريق الدفاع عن منازل في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة اقتراح محكمة إسرائيلية بعقد تسوية بين المواطنين أصحاب البيوت وشركة "نحلات شمعون" الاستيطانية الإسرائيلية، وذلك في رد كتابي، اليوم الخميس، وفق ما جاء في بيان عممته الحملة الدولية للدفاع عن حي الشيخ جراح بخصوص جلسة ما تسمى محكمة العدل العليا الإسرائيلية مساء اليوم.
وكانت المحكمة ذاتها قد رفعت جلستها في بداية الأسبوع الحالي لإعطاء مهلة لأصحاب البيوت الأربعة المهددين بالطرد منها بقرار قضائي صدر في وقت سابق وشركة نحلات شمعون التي تدعي ملكية تلك المنازل بأوراق مزورة.
ونقل عن محامي الدفاع عن العائلات عدم قبول موكليه أي تسوية مع المستوطنين تتضمن انتزاع حقهم القانوني في ملكية الأراضي والبيوت المقامة عليها.
وعقب تسليم المحكمة كتاب الرفض، عقد لقاء شارك فيه ممثلون عن الجهات الرسمية الفلسطينية المختلفة وممثلون عن القوى الوطنية ومحامون وشخصيات مقدسية للاطلاع على أحدث التطورات في قضية حي الشيخ جراح.
وتبعا لمتطلبات القضية، فإن محامي الدفاع سيقدمون لمحكمة إسرائيلية مختصة وثائق قديمة عثر عليها في ملفات الدولة الأردنية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تثبت حقهم في الأرض والبيوت المقامة عليها.
تجدر الإشارة إلى أن وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية و"الأونروا" وقعتا عام 1954 اتفاقا يقضي ببناء 28 وحدة سكنية للاجئين فلسطينيين طردوا من منازلهم في مدن فلسطينية احتلت عام 1948.
وكان أصحاب هذه الوحدات قد لجأوا إلى مدينة القدس، وعندما تسلموا هذه الوحدات تنازلوا عن حقوقهم في مساعدات وكالة "الأونروا" مقابل تسجيل ملكيتهم للوحدات السكنية بعد ثلاث سنوات، وهو ما لم ينفذه الأردن و"الأونروا" مرجعين ذلك للعدوان الإسرائيلي في 5 حزيران/ يونيو 1967، الذي انتهى باحتلال إسرائيل الضفة الغربية.
ولا تزال عائلات الشيخ جراح بحاجة إلى وثائق رسمية من المملكة الأردنية الهاشمية،كي تواجه ادعاءات المستوطنين، علماً أن الوثائق الحالية لا تحمل أختاماً رسمية.
وكانت وزارة الخارجية وشؤون المغتربين الأردنيين قد أكدت، في الـ21 من إبريل/ نيسان الماضي، أنه جرت وعلى مدى سنوات عملية بحث دقيقة ومطولة في سجلات الدوائر الرسمية الأردنية عن الوثائق التي تبيّن قيام وزارة الإنشاء والتعمير الأردنية سابقاً بإبرام عقود تأجير وحدات سكنية لعدد من أهالي حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة في العام 1956.
وأوضحت الوزارة، على لسان الناطق الرسمي السفير ضيف الله الفايز، في بيان، أنه جرى في العام 2019 وفي هذا العام تسليم السفارة الفلسطينية في عمان، بناءً على طلب من الجانب الفلسطيني، نسخاً مصدقة من كافة الوثائق التي تم العثور عليها، وهي عبارة عن عقود إيجار ومراسلات وسجلات وكشوفات بأسماء المستأجرين، وكذلك تم تسليم السفارة نسخة مصدقة من الاتفاقية بين وزارة الإنشاء والتعمير ووكالة "الأونروا" عام 1954، وأنّ عملية البحث مستمرة عن وثائق تعود لأكثر من ستين عاماً.
ويأتي قرار محكمة الاحتلال اليوم، بعد عدة قرارات بشأن إخلاء عائلات حي الشيخ جراح، رفضت خلالها استئنافات قُدّمت لها. وعلى الرغم من مرور أكثر من أربعة عقود على القضية، فإن محاكم الاحتلال لم تناقش ملكية الأرض بل اكتفت بوثيقة تقدّمت بها الجمعيات الاستيطانية، وثبت عدم وجود أي أصل لها في الأرشيف العثماني، تدعي من خلالها تسجيل الأرض وملكيتها في العام 1972، وبررت المحاكم حكمها لصالح الجمعيات الاستيطانية بحجة التقادم.
وكانت محكمة إسرائيلية قد أصدرت قراراً بإخلائها وأمهلت ساكنيها حتى الثاني من مايو/ أيار الجاري، لتنفيذ القرار الذي يطاول هذه العائلات ويربو عدد أفرادها على 500 نسمة ليحل مكانهم مستوطنون.
من جانبهم، أكد ممثلو العائلات المهددة بالإخلاء في حديث لـ"العربي الجديد"، أن موقفهم من البداية كان واضحاً وجلياً وهو الرفض القاطع للاقتراح الذي تقدم به المستوطنون بشأن إنهاء الصراع بين الطرفين، وجددوا عدم اعترافهم بما يدعيه المستوطنون من ملكية للأرض المقامة عليها منازلهم، في مقابل اعتراف المستوطنين بهم "مستأجرين محميّين".
وقال المحامي سامي ارشيد: "قدمنا للمحكمة إشعاراً بأن الأطراف لم يتوصلوا لتسوية، ونحن بانتظار قرار المحكمة الذي قد يصدر في أي لحظة اليوم، وربما يؤجل لوقت لاحق".
ويطالب الأهالي، كما قال صالح ذياب، وهو من أفراد العائلات المهددة بالإخلاء، لـ"العربي الجديد"، بالحصول على مزيد من الوقت لتقديم بيانات جديدة تؤكد ملكيتهم للأرض التي أقيمت عليها منازلهم مطلع خمسينيات القرن الماضي، بموجب اتفاق بين وكالة الغوث ووزارة الإنشاء والتعمير الأردنية، مقابل تخلي تلك العائلات عن بطاقات المؤن التي كانت بحوزتهم، فيما شدد على "أنه أياً كان قرار المحكمة، فلن نرحل عن منازلنا ولن نسلمهم إياها مهما كان الثمن".
وكان حي الشيخ جراح قد شهد على مدى الأيام القليلة الماضية مواجهات واشتباكات عنيفة مع قوات الاحتلال التي بادرت للاعتداء والهجوم على الأهالي مستخدمة شرطة الخيالة والمياه العادمة وحتى الرصاص المطاطي، ما أوقع، الليلة الماضية فقط، أكثر من ثلاثين إصابة، في وقت دعا الحراك الشبابي المقدسي إلى مزيد من الحشد في الحي دعماً للعائلات المهددة هناك، في إطار حملة "أنقذوا حي الشيخ جراح".
وتهدف هذه الحملة إلى لفت الأنظار لما يتعرض له الحي من هجمة استيطانية شرسة، حيث شهدت الحملة تفاعلاً كبيراً من قبل النشطاء ورواد مواقع التواصل الاجتماعي.
وحققت الحملة انتشاراً واسعاً جداً، وتضامناً عالمياً كبيراً، وتحديداً من مؤسسات حقوقية، مثل مؤسسة العفو الدولية ومؤسسة الأورومتوسطية وغيرها، مع وجود تحرك على الأرض، حيث نظمت الجالية الفلسطينية في ألمانيا مسيرة شعبية.