كشف "الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة" الفلسطيني (أمان)، اليوم الأربعاء، عن تدخلات من مكتب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في قضايا فساد تصل إلى هيئة مكافحة الفساد، ومعالجتها خارج إطار القانون والجهات المختصة، ووصلت في أحد الملفات إلى مفاوضة رجل الأعمال عبد المالك جابر، المتهم بقضية تبييض تمور المستوطنات، لابتزازه للتنازل عن أملاك وأراضٍ لصالح شركة مسجلة باسم أفراد أمن، أحدهم مرافق في مكتب الرئيس.
وقال مستشار مجلس إدارة "أمان" لشؤون الفساد عزمي الشعيبي، خلال تقديمه لجزء من تفاصيل التقرير السنوي حول واقع النزاهة ومكافحة الفساد للعام 2022 في مدينة البيرة وسط الضفة الغربية، إنه وبسبب وجود خلافات بين رجل الأعمال عبد المالك جابر، والسلطة الفلسطينية، واتهامه في بعض الأحيان بالعلاقة مع القيادي الفتحاوي المفصول محمد دحلان، فقد كان هذا الملف فرصة لتصفية الحسابات معه كونه شريكا في إحدى الشركات المتهمة بالقضية.
وأكمل الشعيبي بالقول إن مفاوضات بدأت بشكل مباشر من مكتب الرئاسة، وبحضور المستشار القانوني للرئيس، وقد تم الطلب من رجل الأعمال التنازل عن شركته وأراضٍ له لشركة صغيرة، تم تشكيلها وتسجيلها باسم شخصين، أحدهما مرافق في مكتب الرئيس، والآخر ضابط في جهاز الأمن الوقائي.
وقال الشعيبي: "أشخاص عاديون يريدون أخذ أرضٍ وشركة تقدّر بعشرات الملايين، وبمفاوضات بحضور رسمي ومحامين عن المتهم"، ثم علق: "هذا شخص لديه قضية، فليتم تحويله إلى المحكمة، لماذا يتم التفاوض معه للتنازل عن أملاكه مقابل لملمة الموضوع؟".
من جانب آخر، أكد الشعيبي لـ"العربي الجديد" أن ائتلاف "أمان" كان بالأصل أحد الأطراف المبلغين عن قضية التمور، والتي أساءت لسمعة السلطة الفلسطينية مع الحكومة التركية، حيث كانت الأخيرة قد أعطت كوتا للتمور الفلسطينية معفاة من الضريبة، وما حصل أن بعض الأشخاص أساؤوا استخدام الأمر بجلب تمور من المستوطنات، والحصول على شهادات منشأ من أطراف في وزارة الزراعة، وتصديرها على أنها تمور فلسطينية.
وأضاف الشعيبي أن ذلك تم بالشراكة ما بين أطراف في القطاع الخاص وأطراف حكومية، وبدلاً من إحالة أحد الأطراف في القطاع الخاص إلى المحكمة، جرت مفاوضته خارج إطار النيابة أو هيئة مكافحة الفساد، وإنما من أشخاص داخل مكتب الرئيس، مؤكداً امتلاك "أمان" لكل الأوراق المتداولة بين الأطراف، بمن فيهم محامون يدافعون عن رجل الأعمال.
وفي المقابلة مع "العربي الجديد"، أكد الشعيبي وجود أكثر من حالة يجري فيها تدخل أشخاص من داخل مكتب الرئيس في جرائم فساد، وهم ليسوا جهة اختصاص، وليس مسموحاً لهم ذلك وفقاً للقانون، لأن هيئة مكافحة الفساد مؤسسة مستقلة، والنيابة العامة جهة لا يجب أن تسمح لأي أطراف سياسية بالتدخل في قراراتها وفي مجرى القضايا التي تحقق بها.
ولفت، خلال استعراضه لتقرير "أمان"، إلى أن هيئة مكافحة الفساد حوّلت العام الماضي 8 ملفات تتعلق بكبار موظفين إلى النيابة العامة، أي لمن يصنّفون برتبة وزير، أو وكيل وزارة، أو وكيل مساعد، أو مدير عام، أو سفير، أو من يعملون في مرتبة القضاء والنيابة، ولكن النيابة لم تحول إلا ملفاً واحداً إلى محكمة جرائم الفساد، لمتهم بدرجة سفير في إحدى الدول.
وأكد الشعيبي أن الهيئة حين تحول مثل هذه الملفات، تكون قد أجرت تحريات وجمعت استدلالات، وتأكدت من أمور كثيرة، وقامت باستدعاء لأشخاص، مشيراً إلى أن "أمان" حصل على تلك المعطيات من المحكمة والسلطة القضائية، وفي المقابل رفضت النيابة العامة تزويد الائتلاف بأية معلومات.
وتابع الشعيبي: "بتحليلنا ومعلوماتنا بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، نستطيع القول إن النظام السياسي كان على علم بها، من خلال سيطرته على الحكم، وله مصلحة فيها لأسباب متعددة، كحماية الأشخاص الموالين، أو استخدام السلطة لابتزاز أو الانتقام من المعارضين".
وأشار الشعيبي إلى أن هيئة مكافحة الفساد، وفقاً للقانون الخاص بها، لا علاقة بينها وبين مكتب الرئيس، وهي ليست مسؤولة أمامه، وليس للرئيس أو أي سلطة التدخل في عملها، ولكن جزءاً من القضايا تذهب إلى الرئاسة للاستشارة، أو يتم الاتصال من مكتب الرئيس بالهيئة للاستفسار عن بعض القضايا، وتصبح معالجة بعضها خارج إطار الهيئة بتسويات خارج إطار القانون.
وأكد أن ذلك ناتج عن سيطرة أطراف سياسية على منظومة الرقابة مثل الهيئة، والنيابة لكن بشكل أكبر، حيث إن النيابة تعمل كما يرى الشعيبي، باعتبارها جزءاً من السلطة التنفيذية، وباعتبارها تابعة للسلطة التنفيذية، وليست جزءاً من السلطة القضائية كما هو منصوص عليه القانون الأساسي.
وهذا الملف واحد من العديد من الملفات التي ناقشها تقرير "أمان" السنوي للعام 2022، تحت شعار "الاحتلال والانقسام والفساد السياسي، حلقة مغلقة يغذي كلٌّ منها الآخر"، والذي أوصى بضرورة تبني استراتيجية عامة إصلاحية لتعزيز النزاهة السياسية كمدخل ضروري لمكافحة الفساد، من خلال الإعلان فوراً عن موعد لإجراء الانتخابات العامة، وتشكيل حكومة وطنية لاستعادة الحياة الديمقراطية، ومدخل ضروري لإنهاء الانقسام، وتجفيف البيئة الحالية المعززة للفساد السياسي. وكذلك دعوة جميع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني لإنشاء وقيادة تحالف وطني واسع، للعب دور محوري في فرض عملية إصلاح جدية تُعلي المصلحة الوطنية فوق أيّ اعتبارات أخرى، من خلال تشكيل لجنة وطنية للإشراف على عملية الإصلاح من شخصيات عامة مستقلة، تحظى بثقة واحترام المواطنين الفلسطينيين.
وكان الشعيبي قال خلال المؤتمر، إن هيئة مكافحة الفساد كشفت تورط ثلاثة مسؤولين في وزارة الزراعة والمالية بالقضية، وتورط ست شركات، وأربعة موزعين، وتسعة بيوت تقوم بالتعبئة، وإن لدى الهيئة أسماءهم جميعاً. ولكن بحسب الشعيبي، فإن أحد الأشخاص المتورطين تمت تسوية الأمر معه خارج إطار القانون وأغلق الملف المفتوح بحقه، دون توفر تفاصيل الاتفاق، وما الذي قدمه مقابل ذلك.
واعتبر الشعيبي أن مثل هذه القضايا تستخدمها السلطة السياسية من خلال السيطرة على السلطة الرقابية كالنيابة، خصوصاً وأن من قاد المفاوضات ليست النيابة، وحين لم يوافق رجل الأعمال، تم الطلب من النيابة البحث عن قضايا ضد رجل الأعمال، ومنها تحريك قضية وفق قانون غسل الأموال والتهرب الضريبي تعود لعشرة أعوام، وكأن الجهات الرسمية لم تكن تعلم بها.
وفي المقابل، أكد الشعيبي أن الموظفين في وزارة الزراعة والمالية لم يحاسبوا، معتبراً أن ذلك يعني، في حال وجود تدخلات سياسية لصالح أفراد، فإنهم يفلتون من العقاب.