أسباب رفض المعارضة السورية مفهوم "العدالة التصالحية".. وبيدرسون يوضح

18 ديسمبر 2020
ترفض المعارضة مصطلح "التصالح" وبقاء النظام بالحكم (فابريس كوفريني/ فرانس برس)
+ الخط -

لا يزال صدى استخدام المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون مصطلح "العدالة التصالحية" خلال إحاطته حول أعمال اللجنة الدستورية السورية أمام مجلس الأمن، أمس الأول الأربعاء، يرخي بظلاله على المشهد السياسي المحيط بالعملية السياسية، وذلك بعد انتقاد المعارضة السورية من مستويات مختلفة استخدام المصطلح خشية اعتماده في وثائق الأمم المتحدة الخاصة بالشأن السوري، والبناء عليه كمنهج في مسار الحل السياسي، وهو ما استدعى من بيدرسون إصدار بيان توضيحي قال فيه إن استخدام ذلك المفهوم منشؤه "خطأ فنّي".

وتخشى المعارضة السورية، وحتى السوريون الموالون للثورة، من أن يؤدي اعتماد المصطلح إلى زيادة البعد عن تطبيق سلال القرار 2254 بسلاله الأربع التي حددها المبعوث الأممي السابق إلى سورية ستيفان دي ميستورا، وهي الحكم الانتقالي، وصياغة الدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب، بعدما نجح النظام بدعم من حلفائه في الالتفاف وتجاوز سلة الحكم الانتقالي، والقفز مباشرة إلى سلة الدستور بما يخالف القرار الأممي.

وعلى ذلك باتت المقارنات مشروعة حول عدد من المصطلحات التي من المفترض أن تدخل ضمن مرحلة الحكم الانتقالي، لجهة عدم تبديلها والالتفاف على ترتيب أولوياتها في سياق الحل، أو عند تطبيق سلة الحكم الانتقالي التي تصرّ المعارضة على الذهاب إليها، وتقضي بتشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، ليس لرئيس النظام أو رئيس حكومته أي دور فيها، فضلاً عن أنّ مهمة الحكم الانتقالي تهيئة الواقع السياسي في البلاد، من إعداد دستور جديد، والإعداد للانتخابات بموجب الدستور الجديد، ومن ثم الإشراف على انتقال الحكم. 

 

وتبرز في هذا الجانب ثلاثة مصطلحات، الأول والأكثر إلحاحاً على تطبيقه من جهة المعارضة هو "العدالة الانتقالية"، الذي يعالج التعويض على المستويين الخاص والعام تهيئة لتجاوز تبعات النزاع، أما المصطلح الثاني فهو "العدالة التعويضية"، الذي يبحث في تعويض الأفراد المتضررين من النزاع على يد الأطراف بشكل خاص، فيما المصطلح الأخير هو "العدالة التصالحية"، الذي استخدمه المبعوث الأممي غير بيدرسون لأول مرة في سياق مسار الحل السوري، أول من أمس الأربعاء، رغم التصويب بوجود خطأ بالترجمة بين "العدالة التصالحية" و"العدالة التعويضية" من قبل أعضاء داخل قائمة المجتمع المدني الذين قدموا نقاطاً للمبعوث الأممي خلال الجولة الأخيرة من أعمال اللجنة في جنيف باستخدام المصطلح الأخير، وهذا ما أقر به بيدرسون، لكن بشكل غير رسمي.

 

"العربي الجديد" توجّه إلى "رابطة المحامين السوريين الأحرار"، التي تتخذ من مدينة غازي عنتاب، جنوبي تركيا، مقراً لها، وتضم العديد من الحقوقيين والخبراء بالقانون الدولي، واستفسر عن الفروقات بين المصطلحات الثلاثة.

"العدالة الانتقالية"

قدمت الرابطة ورقة شرحت فيها ذلك بالإشارة إلى أنّ "العدالة الانتقالية هي مجموعة التدابير القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. تتضمّن هذه التدابير الملاحقات القضائية، ولجان الحقيقة، وبرامج جبر الضرر وأشكالاً متنوّعة من إصلاح المؤسسات، وهي ليست نوعاً (خاصاً) من العدالة، إنّما مقاربة لتحقيق العدالة في فترات الانتقال من النزاع أو قمع الدولة. ومن خلال محاولة تحقيق المحاسبة والتعويض عن الضحايا، تقدّم العدالة الانتقالية اعترافاً بحقوق الضحايا وتشجّع الثقة المدنية، وتقوّي سيادة القانون والديمقراطية".

"العدالة التعويضية"

أما العدالة التعويضية، فقد أشارت إليها الرابطة في توضيحها بأنها "نوع من أنواع العدالة بمفهومها العام والواسع، وتعني تعويض الأشخاص المصابين بالجراح تعويضاً عادلاً عن جراحهم وإصاباتهم، وبالتالي فإنّ التعويض العادل يتناسب مع الأضرار التي لحقت بالشخص، ولكنها خالية تماماً من مفهوم المحاسبة والملاحقة القضائية لمن ارتكب الانتهاكات، وبالتالي لا تعتبر مرحلة انتقالية بين مرحلتين، بل هي عملياً تتحقق في مرحلة واحدة فقط دون أي تغيير أو انتقال، وتقوم فقط على فكرة جبر الضرر الذي يأتي بعد تحقيق الاعتراف بالأذى الذي تعرّض له ضحايا الانتهاكات ومعالجتها".

"العدالة التصالحية"

توسعت الرابطة في توضيحها لـ"العربي الجديد"، في شرح أبعاد مصطلح العدالة التصالحية، بالإشارة إلى أن هذا النوع من العدالة "يقوم على تنحية فكرة العقاب أو القصاص وتقوم على مشاركة جميع أطراف الصراع وتركز على الضحايا فقط دون البحث بمسببي الانتهاكات، وتركز كثيراً على إصلاح العلاقات بين الأطراف المتنازعة وصولاً إلى مشاركتهم جميعاً في حوار وتفاوض للوصول إلى تسوية عادلة، وبالتالي هي تختلف عن العدالة التعويضية وتتشابه مع العدالة الانتقالية بكونها مرحلة بين مرحلتين، تنهي المرحلة السابقة وتبدأ بمرحلة لاحقة"، واشترط الفقه القانوني أن تتضمن العدالة التصالحية ثماني خطوات، وهي:

الاعتراف وكشف الحقيقة ووصف الانتهاكات التي جرت.

الإقرار بالمسؤولية عن الانتهاكات بشكل صريح.

الأسف والاعتذار الصادق من قبل مرتكب الانتهاكات.

إعادة الأراضي والموارد والحقوق إلى أصحابها قبل سنوات النزاع.

جبر الضرر مادياً فقط مع الاعتراف بأنه لا يعالج جميع الأضرار.

إعادة تصميم المؤسسات السياسية والقانونية للدولة لتمكين المظلومين أو الذين وقع عليهم الانتهاك من المشاركة في حوكمة الدولة.

الامتناع عن الظلم وارتكاب الانتهاكات مستقبلاً وضمان عدم تكرار الانتهاكات كذلك.

المعاملة بالمثل.  

 

ومن تفسير المصطلح الأخير "العدالة التصالحية"، يتوضح أنّ إمكانية اعتماده ضمن أطر الحل السياسي في الملف السوري، لا سيما من قبل الأمم المتحدة، قد تفضي إلى وضع خطط وبرنامج جديد للحل يقوم على المصالحة بين الأطراف، ما يعني إمكانية العمل على إبرام مصالحة بين النظام والمعارضة، ما يبقي النظام في الحكم، الأمر الذي ترفضه المعارضة السورية بالمطلق، بالتشديد على تطبيق القرار الدولي كاملاً بما يتضمن من هيئة حكم انتقالي وتطبيق "العدالة الانتقالية" خلال هذه المرحلة، بهدف الوصول إلى نظام حكم جديد للبلاد يطيح النظام الحالي.

وكان الصحافي السوري علي عيد قد كشف، أمس الخميس، عن اجتماع لغرفة للمجتمع المدني السوري، مع المبعوث الأممي حضره عيد، تطرق للحديث حول مصطلح "العدالة التصالحية" الذي ورد خلال إحاطة بيدرسون، علماً أن هذه الغرفة ليست جزءاً من قائمة المجتمع المدني ضمن اللجنة الدستورية، بحسب ما أشار إليه الصحافي السوري خلال بث على صفحته عبر "فيسبوك".

 

خطأ في الترجمة؟

وقال عيد إنه عند سؤال بيدرسون عن ورود المصطلح في إحاطته بما يحمل من أبعاد خطيرة على مسار الحل السياسي السوري، أقر المبعوث الأممي بوجود خطأ في الترجمة بين "العدالة التصالحية" و"العدالة التعويضية"، مقراً كذلك بأنّ المصطلح الأخير هو الذي استخدم خلال تلقيه للمقترحات والتوصيات من الأطراف الثلاثة داخل اللجنة الدستورية في الجولة الماضية من الأعمال.

ولفت عيد إلى أنّ الحاضرين في اللقاء مع بيدرسون لم يكتفوا بهذا الإقرار والإجابة، وطالبوا بإجابة مكتوبة على شكل بيان توضيحي لهذه المسألة، إلا أن رد بيدرسون على هذا الطلب، بحسب عيد، اقتصر على إلقاء مهمة التوضيح على الحاضرين في الاجتماع معه، بالتصويب على أن ما ورد ليس إلا "خطأً في الترجمة".

بيدرسون يوضح

لاحقاً، أصدر مكتب المبعوث الأممي إلى سورية توضيحاً بشأن تداول مصطلح العدالة التصالحية، قال فيه إن "خطأ فنياً غير مقصود أدى إلى وصف بعض أعضاء الثلث الأوسط (المجتمع المدني) على أنهم طرحوا نقاطاً خلال الجلسة الأخيرة للجنة الدستورية تتعلق بالعدالة التصالحية".

وأوضح أن هؤلاء الأعضاء "لم يستخدموا هذا المصطلح في بياناتهم المكتوبة والشفوية، والبيان الخاص الذي أشارت إليه الإحاطة في الواقع لم يذكر سوى العدالة التعويضية في سياق الحديث عن السكن والأراضي وحقوق الملكية".

وكان بيدرسون وخلال إحاطته الأخيرة، الأربعاء الماضي، حول الجولة الأخيرة من أعمال اللجنة الدستورية، قد أشار إلى أنه تلقى مقترحات ونقاطاً من الوفود الثلاثة إلى اللجنة، قائلاً إن "بعض أعضاء المجتمع المدني من الثلث الأوسط قدموا نقاطاً تتعلق بشروط العودة الآمنة والطوعية والكريمة للاجئين، وقضايا أخرى ذات صلة، مثل إعادة المساكن والأراضي والممتلكات، والعدالة التصالحية، والآليات الدستورية المستقلة والحيادية ذات الصلة، بينما قدم أعضاء آخرون مداخلات حول عدد من القضايا، على سبيل المثال الحاجة لمواجهة الإرهاب، والعقوبات، والسيادة وسلامة الأراضي". 

 

إلا أن ستة من أعضاء قائمة "المجتمع المدني" داخل الهيئة المصغرة للجنة، أصدروا بياناً، أمس الخميس، صوّبوا فيه ما قالوا إنها أخطاء تم فهمها من مداخلتهم، كما ورد في إحاطة المبعوث الأممي في مجلس الأمن.

وذكر البيان أنه "ورد في النسخة الإنكليزية من الإحاطة أنّ بعض أعضاء وفد الثلث الثالث قدموا نقاطاً، منها ما تحدث عن (restorative justice)، وهو ما تمت ترجمته في النسخة العربية بـ(العدالة التصالحية)، وهذا المصطلح لم يرد في أي كلمة من كلماتنا أثناء الجولة الأخيرة، فقد قدمنا مداخلات حول العدالة الانتقالية (Transitional Justice)، وكلماتنا مسجلة، وبعضها قد تم طبعه وتوزيعه على الموجودين في الجولة".

وأضاف البيان "كما قدم ستة من أعضاء الثلث الثالث ورقة عن عودة اللاجئين، تم فيها استخدام مصطلح (العدالة التعويضية) خلال الحديث عن حق اللاجئين باسترداد ممتلكاتهم، وألا يُلجأ للتعويض إلا في حال تعذر الرد كالتالي: "ضمان حقوقهم في أن يستعيدوا أي مساكن أو أراضٍ أو ممتلكات حُرموا منها بطريقة تعسفية أو غير قانونية، وأن يُعتبر الرد سبيل الإنصاف المفضل، وعنصراً أساسياً من عناصر العدالة التعويضية".

كذلك رد كل من رئيس "الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة"، نصر الحريري، ورئيس "هيئة التفاوض السورية"، أنس العبدة، على استخدام مصطلح "العدالة التصالحية" من قبل بيدرسون بالانتقاد والمطالبة بسحبه، كما أصدرت منظمات حقوقية وجهات سياسية عدة بيانات ضد إدراج المصطلح والمطالبة بالتراجع عنه وحذفه من وثائق الأمم المتحدة الخاصة بالشأن السوري. 

المساهمون