اسم جديد اقتحم مشهد التنظيمات السلفية الجهادية في الشمال الغربي من سورية، أطلق على نفسه اسم "جيش القعقاع بن عمرو التميمي"، حسبما ذكر في بيان مقتضب نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي، من قبل مؤسس هذا التنظيم المدعو أبو المعتصم زبداني. وأثار البيان تساؤلات حول الهدف من إعلان هذا التنظيم، في ظل جمود مناطق النفوذ القائمة، وذلك فيما تؤكد مصادر مطلعة أن هذا التنظيم "وهمي" ولا وجود له على الأرض.
ومع بروز "جيش القعقاع"، أعلن فصيل "أسود جبل الزاوية" الصغير الانضمام إلى التنظيم الجديد، وظهرت قبل أيام مجموعة أشخاص في تسجيل مصور بلباس عسكري، يعلنون فيه انضمامهم إلى "الجيش" للوقوف في مواجهة قوات النظام والمليشيات الإيرانية المساندة لها في محافظة إدلب ومحيطها. وتنتشر في الشمال الغربي من سورية عشرات التنظيمات المتشددة التي تدور في فلك ما يُعرف بـ"السلفية الجهادية" أكبرها "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) التي تسيطر على جل محافظة إدلب. ولكن هذه التنظيمات متباينة في الرؤى والأهداف، ويُغرق بعضها بالتشدد خصوصاً تنظيم "حراس الدين"، الذي تحاول "الهيئة" تحجيم دوره في الشمال الغربي من سورية.
لا وجود فعلياً للتنظيم الجديد على الأرض في ريفي إدلب وحلب
وتكشف مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" أن "لا وجود فعلياً للتنظيم الجديد على الأرض في ريفي إدلب وحلب"، غير أنها أضافت: "ربما تريد هيئة تحرير الشام استقطاب عناصر من فصائل المعارضة السورية في الشمال السوري عبر هذا التشكيل، في خطوة تهدف إلى التمدد أكثر في منطقتي درع الفرات وغصن الزيتون التابعتين لهذه الفصائل". وتشير المصادر إلى أن المؤسس المفترض لهذا الجيش "هو من العناصر الذين هُجّروا من ريف دمشق في جنوب سورية إلى الشمال السوري". وتشير إلى أن اسمه سليمان دالاتي، وينحدر من مدينة الزبداني الواقعة في ريف دمشق الشمالي الغربي، مشيرة إلى أنه "حاول التقرّب من هيئة تحرير الشام، بعد وصوله إلى الشمال السوري، غير أن الأخيرة لم توله أي اهتمام"، موضحة أنه "حاول تشكيل فصيل من مجموعة من المقاتلين بيد أنه لم يجد أي جهة يمكن أن تدعمه مالياً وعسكرياً". وتعتبر المصادر أن "ما يقوله دالاتي عن وجود 40 ألف مقاتل تحت إمرته أمر لا يقبله المنطق. هو شخص مغمور، يبحث فقط عن شهرة إعلامية لا أكثر ولا أقل، وعن لفت انتباه هيئة تحرير الشام إليه".
وشهد الشمال الغربي من سورية خلال السنوات الماضية الإعلان عن ولادة تنظيمات وتشكيلات إسلامية عدة تحت مسميات مختلفة كان آخرها "كتائب خطاب الشيشاني"، التي استهدفت دوريات روسية على الطريق الدولي حلب ـ اللاذقية "أم 4" في محافظة إدلب، ولكنها سرعان ما كانت تختفي.
وحول هذه التطورات، يوضح الباحث في مركز "جسور" للدراسات المختص بالجماعات الإسلامية عباس شريفة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التنظيم الجديد "فكرة إعلامية قام بها مجموعة من الشباب لا إمكانيات عندهم"، مضيفاً: "ربما تكون هيئة تحرير الشام تقف وراء الفكرة". ويبدي ملاحظته بأن ظهور "هذه الفكرة جاءت بالتزامن مع تأخر الكتلة المالية لفصائل الجيش الوطني، وبدء تسرّب الكثير من العناصر من الجبهة الوطنية للتحرير (تجمع لفصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب)، والجيش الوطني في ريف حلب الشمالي". ويعتقد "أن الهدف من وراء الإعلان عن التنظيم الجديد دفع العناصر في فصائل المعارضة للانشقاق والانضمام إليه". ويشير شريفة إلى أن "طريقة الإعلان عن الجيش هزيلة جداً"، مضيفاً: "هذه الخطوة لا وجود لها على الأرض، ولكنها محاولة من أحد الأطراف، على الأغلب هيئة تحرير الشام، لخلخلة وضع فصائل المعارضة السورية في الشمال السوري".
ولم يصدر تعليق من قبل قيادة "الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية على إعلان تشكيل "جيش القعقاع"، ما يؤكد أنه غير موجود فعلياً في الشمال السوري. ويقول المتحدث الرسمي باسم "الجيش الوطني" الرائد يوسف حمود في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنه "لم نرصد على الأرض أي وجود للتشكيل الجديد في مناطق سيطرتنا" في شمال سورية.
ما يقوله دالاتي عن وجود 40 ألف مقاتل تحت إمرته أمر لا يقبله المنطق
وتنضوي فصائل المعارضة في ريف حلب الشمالي في "الجيش الوطني" الذي لطالما وُجّهت اليه انتقادات بسبب فشله في ضبط الأمن في مناطق سيطرته التي يقع أغلبها تحت سيطرة فصائل غير منضبطة، خصوصاً في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية في ريف حلب الشمالي الغربي. ولا تسمح هذه الفصائل المرتبطة بالجيش التركي بظهور أي تنظيمات متشددة في مناطق سيطرتها، وهو ما يقلل من أهمية الإعلان عن تأسيس "جيش القعقاع"، في الشمال الخاضع لسيطرة "الجيش الوطني".
ولطالما دخلت فصائل المعارضة السورية خلال السنوات الماضية في احتراب ونزاع عسكري مع "هيئة تحرير الشام" في محافظة إدلب التي تديرها "الهيئة" من خلال ما يسمّى بـ"حكومة الإنقاذ"، بينما تدير الفصائل مناطق سيطرتها من خلال ما يسمّى بـ"الحكومة المؤقتة" التابعة لـ"الائتلاف الوطني السوري".
وحول التشكيل الجديد المعلن، يرى المحلل مصطفى الفرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "استجرار أسماء من التاريخ لتسمية فصائل لا يصب في صالح الثورة السورية، خصوصاً أن النظام وحلفاءه الروس والإيرانيين يستغلون هذا الأمر للفتك بالشعب السوري". ويلفت إلى "أن الأعمال القتالية في سورية باتت محكومة بتوازنات دولية. هناك خطوط عريضة وُضعت من قبل قوى إقليمية ودولية مشتركة في الصراع على سورية، وتم التأكيد عليها أخيراً خلال اجتماعات حلف شمال الأطلسي التي جرت في 14 يونيو/حزيران الحالي، وخلال القمة الروسية الأميركية في جنيف التي جمعت الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي جو بايدن". ويؤكد أن "مناطق النفوذ الحالية ستظل ثابتة وموجودة حتى ينضج الحل السياسي، ومن ثم ما الفائدة من تشكيل تنظيمات عسكرية جديدة؟". ويوضح أن هناك مجموعة من الأسئلة تتعلق بالتشكيل الجديد لا أجوبة لها من قبيل: أي جهة ستقدم له الدعم اللوجستي، وأي خطوط إمداد سيسلك، وأي منطقة يتمركز بها، وما أهدافه وما مسرح عملياته، وهو ما يطرح علامات استفهام كثيرة حول هذا التشكيل في الشمال السوري.