أحمدي نجاد يصل إلى غزة

04 يونيو 2019
+ الخط -
لم يكن محض مصادفة أن تعود لغة التهديد بتدمير تل أبيب، والوعيد بإبادة إسرائيل، إلى صدارة المقابلات والخطب الاحتفالية، المخصّصة لمناسبة يوم القدس العالمي، بعد أن غابت هذه النبرة عن الخطاب الإيراني منذ انقضاء عهد أحمدي نجاد. وليس من قبيل توارد الخواطر أن تتزامن هذه الإنذارات الفارغة، من وكيلين عتيدين لطهران، أحدهما في غزة والآخر في بيروت، بتحقيق أمنيةٍ ظلت تراود خيال الملايين عقودا طوالا، بالقضاء على الغدّة السرطانية في المنطقة.
في مقابلة متلفزة معه، بهذه المناسبة الإيرانية، قال قائد حركة الجهاد الإسلامي، زياد نخالة، إن حركته ستطلق ألف صاروخ ثقيل على تل أبيب، كل يوم ولعدة أشهر متواصلة، إذا وقعت الواقعة التي نرجو ألا تتأخر كثيراً، فيما قال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في خطاب له في اليوم التالي، إن مقاتليه قادرون على إبادة إسرائيل، ومعها القوات الأميركية في المنطقة، إذا نشبت الحرب ضد الجمهورية الإسلامية التي استثمرت جيداً جداً في هذين الذراعين المسلحين، وفي غيرهما، واذّخرتهم جميعاً ليوم كريهةٍ كهذا.
يودّ المرء أن يصدّق هذه البشرى التي لامست شغاف قلبه، قبل أن تطرق مسامعه، وأن يحتفي بهذا التحول الانقلابي في موازين القوى بين الأمة وأعدائها، لولا أنه كان قد شبع كثيراً من خيبات الأمل المتتالية. كما يصعب على المرء في المقابل أن يتغافل عن الغاية الوظيفية لمثل هذه الجعجعة التي تنمّ عن الذعر، أكثر مما تنطوي على القوة، حتى وإن استمطر الاتهامات عليه قناطير مقنطرة، وجرى وصفه بالانهزامي فاقد الثقة بالوعد الإلهي "تغيير وجهة الشرق الأوسط وقلب المعادلة".
سنتجنب السجال حول جدية ما قاله زعيم حزب الله عن مسألة الإبادة، فالرجل الذي قال بعد حرب العام 2006 "لو كنت أعلم" أدرى بما لديه من أسلحة مخبوءة، ومن مفاجآت حربية، وذلك كي ندير الحديث نحو ما قاله زياد نخالة عن طفرة ممكناته العسكرية، المقدر لها الانطلاق من مرابضها في قطاع غزة، إذا ما ارتكبت إسرائيل "حماقة"، أو ربما إذا طالبته إيران بتسديد فاتورة دعمها الحركة الأكثر تماثلاً، بين نظيراتها الغزّية، مع الراعي الحصري لها، من دون أن نقع في محذور التهوين من عزيمة الأمة.
إذ لا يسعنا سوى المصادقة على صحة ما كشف عنه، لسبب غير معلوم، خليفة رمضان شلّح، من سرٍ حربي خطير، إن لم نقل من سلاح استراتيجي، كان ينبغي أن يظل طي الكتمان حتى تأتي اللحظة المواتية، ولا يحقّ لأحد الارتياب بقدرة حركة الجهاد على ضرب تل أبيب، بكل ما ترمز إليه تلك المدينة من دلالاتٍ تاريخية، وهو أمر فعلته حركتا حماس والجهاد من قبل، إلا أن المشكلة لا تقع في نطاق الاستطاعة، وإنما تتمثل في إطار الكلفة التي لا يقدر على حمْلها القطاع المحاصر المنهك، ولا يتوجب على قاطنيه دفعها أصلاً، وغالبيتهم تعيش على نظام البطاقة التموينية.
إذا كان لمثل هذه التهديدات المتطايرة من غزة ولبنان أن تومئ إلى وحدة الجبهات، والتضامن مع الجمهورية الإسلامية، ظالمة أو مظلومة، فإن السؤال هو: ماذا بعد أيها القوم؟ وماذا عن رد فعل الذئاب المتحفزة لتسديد الحساب المؤجل؟ هل تودّون تحفيز عدوانيتها بصورة أعمق وأشمل، وجباية ثمن أفدح، وخصوصاً أننا نعي الفوارق الهائلة في قوة النيران التدميرية، والتفوّق الصارخ في القدرات التكنولوجية، وندرك سلفاً التبعات المترتبة على الانجرار إلى حرب بالنيابة عن دولةٍ اعتادت خوض معاركها عبر وكلاء، والتنصّل من المسؤولية؟
إن لم يكن لحزب الله شركاء يعتد بهم في لبنان، وكان حسن نصر الله صاحب قدرةٍ كليةٍ على تجاوز الجميع حوله، بما في ذلك الدولة اللبنانية، فكيف لحركة الجهاد المنافسة على صدارة المشهد، انتزاع قرار الحرب من أيدي "حماس"، والاستخفاف بوجود شريك كبير لها، وازنٍ وذي مسؤولية أولى في غزة، وتذهب هكذا من رأسها إلى حربٍ ليست حربها؟ ثم ماذا ستقول آنذاك لمن ستقتلهم الغارات وتدمّر بيوتهم المتواضعة؟
دلالات
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
45AB6A9D-38F9-4C2C-B413-9E5293E46C8D
عيسى الشعيبي

كاتب وصحافي من الأردن

عيسى الشعيبي