التعديلات الدستورية.. الجيش والسيسي

27 ابريل 2019
+ الخط -
انصب الاهتمام، في وسائل الإعلام وفي أحاديث المعارضة المصرية، حول المادة 140 في الدستور المصري، المتعلقة بمدة انتخاب رئيس الجمهورية، وتغييرها من أربع سنوات إلى ست، وعمل مادة انتقالية تتيح لعبد الفتاح السيسي الترشح مرة أخرى، والبقاء في السلطة حتى العام 2030. وفي هذا التركيز على المادتين، تم إغفال الحديث عن مواد أخرى، تمثل جوهر التوازنات بين المؤسسة العسكرية وبين السيسي، والتي صيغت على أساسها هذه التعديلات التي أتاحت للمؤسسة العسكرية أن تفرض سيطرتها أكثر فأكثر، حتى على مؤسسة الرئاسة، والتي يعتبر السيسي مندوب المؤسسة العسكرية فيها، وإنما تجنبا لأي صراع مستقبلي أو انفراد للسيسي بالسلطة، ضمنت المؤسسة العسكرية هيمنتها من خلال هذه التعديلات الدستورية. وتمثلت الهيمنة في الآتي:
نصّت المادة 234 في دستور 2014 على أن وزير الدفاع يتم تعيينه بعد موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وتسري أحكام هذه المادة لدورتين رئاسيتين، اعتبارا من تاريخ العمل بالدستور. وقد اعتبر بعضهم أن هذه المادة تحصين لمنصب وزير الدفاع الذي كان يشغله السيسي حينها. ولكن عند إمعان النظر، تجد أن المادة تعني أن تعيين وزير الدفاع مقرون بتعيين المجلس الأعلى للقوات المسلحة دورتين رئاستين فقط، والتي كانت حينها ثماني سنوات، بما يعني، بعد انقضاء تلك المدة، يكون لرئيس الدولة وحده الحق في تعيين وزير الدفاع. ولتفادي هذا الأمر، جاءت التعديلات الدستورية لتحذف جملة "تسري أحكام هذه المادة لمدة دورتين رئاسيتين"، ولتجعل عملية تعيين وزير الدفاع مقرونة بموافقة المجلس العسكري بصفة دائمة، وأحد اختصاصاته وحده، وأيضا فيها نوع من محاولة الهروب من مصير صبحي صدقي (وزير الدفاع السابق) الذي لم ينفعه التحصين الذي كان معدّا في الأساس للسيسي، حينما كان وزيرا للدفاع، وقد أطاح السيسي به منفردا.
في المقابل، حصل السيسي على ما يريد بتغيير المادة المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية، والتي تسمح له بالبقاء في السلطة إلى 2030. وفي المقابل، حصلت المؤسسة العسكرية على 
ما هو أهم، فطبقا للمادة 200: أصبحت القوات المسلحة المنوط بها صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها.. إلخ. وفي هذا النص، تم حسم الصراع التاريخي الذي كان بين الرئاسة ووزارة الدفاع، ففي كل مرة كان ينشأ صراع بينهما كان يحسم لصالح رئاسة الجمهورية (مثل ما حدث بين الرئيس جمال عبد الناصر ووزير الدفاع المشير عبد الحكيم عامر، ثم أنور السادات ورئيس الأركان الفريق سعد الدين الشاذلي، وأخيرا بين الرئيس حسني مبارك ووزير الدفاع عبد الحليم أبو غزالة). ولكن المؤسسة العسكرية بسطت، بهذه التعديلات الجديدة، سيطرتها على مؤسسة الرئاسة، وأكدت أنها الحامية للدستور، ما يتيح لها التدخل في أي وقت بدعوى حمايته، وإزاحة من في السلطة، حتى لو كان السيسي نفسه، ما يعني دسترة عملية الانقلابات العسكرية. في المقابل، يتعارض نص مدنية الدولة المذكور في تلك المادة مع المادة الثانية في الدستور، والتي تنص على أن الشريعة هي المصدر الأول للتشريع. ولكن تمت صياغة هذه الجملة من أجل أيضا دسترة الانقلاب على أي رئيس مدني مستقبلا، أيا كانت خلفيته.
لم يكن في دستور 2014 نصٌّ على وجوب تعيين نائب لرئيس الجمهورية، ولذا إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية المؤقت سلطاته، حل محله رئيس مجلس الوزراء، وعند خلو المنصب، لأي سببٍ، يحل محله بالصلاحيات ذاتها، أقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا، كما نصت المادة 233. ولكن في التعديل الجديد، نصت المادة 150 مكررا، على أن لرئيس الجمهورية أن يعين نائبا له أو أكثر ويحدد اختصاصاتهم.. إلخ، بينما نصت المادة 140 على أن نائب الرئيس أو رئيس مجلس الوزراء يحل محله إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة سلطاته. وثمة تغيير جوهري، حيث لم يتم النص على أن يكون أقدم نواب رئيس المحكمة الدستورية العليا أحد الذين يحلون محل الرئيس، إذا تعذّر قيام رئيس مجلس الوزراء بذلك. ويعود هذا الأمر إلى أن المؤسسة العسكرية تركت للسيسي أمور القضاء المدني، ليقوم بالهيمنة عليها، وكذلك لتعيين رؤساء الهيئات القضائية، بما فيها رئيس المحكمة الدستورية، واحتفظت المؤسسة بشؤون قضائها، وهذا يعني أن نواب الرئيس القادمين أو رؤساء الوزراء سيكونون من المؤسسة العسكرية. وفي هذا تجريد للسيسي من بعض الأمور التي يتحكم فيها، غير أن هذا الأمر قد يولد صراعا بين الطرفين، أحدهما أن السيسي لا يثق في أحد، ويحاول قدر الإمكان الاستفادة من الأخطاء التي ارتكبها الرؤساء الذين سبقوه، وبالتالي لن يعيّن أي نائب له، وإذا ما حدث فسيحاول أن يكون ولاء هذا النائب له، وقد يكون مثلا من المخابرات الحربية، وسيحاول بالطريقة نفسها عدم تغيير رئيس الوزراء الحالي، حتى لا يكون مضطرا لتعيين عسكري لرئاسة مجلس الوزراء.
زيادة في الهيمنة وتأمين مصالحها الاقتصادية التي توسعت بعد الانتفاضة الثورية في يناير/
 كانون الثاني 2011، وطبقا للتعديلات، توسعت المؤسسة العسكرية في المحاكمات العسكرية للمدنيين، طبقا للمادة 204، الفقرة الثانية، والتي أضيفت إليها جملة أنه تتم محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري عند حدوث أي اعتداء على منشآت القوات المسلحة، أو التي تحميها، ما يعني أن وضع المؤسسة العسكرية أي مركبة عسكرية أمام أي مقر مدني أو مصنع أو خلافه أمر يدخل في نطاق المنشأة العسكرية، وفي ذلك حماية للاقتصاد العسكري الذي يتوسع ويتمدد، ليلتهم ما تبقى من الاقتصاد المصري.
هذه التعديلات وهذا الدستور مقرون ببقاء السيسي في السلطة، وعند سقوطه ستسقط معه، وهذا ما اعتادت عليه دولة 23 يوليو، فحينما يرحل رئيس يرحل معه دستوره، وكذلك رجاله. لكن الصراع بعدها سيكون مع المؤسسة العسكرية وإمبراطوريتها الاقتصادية وكيفية التفاوض معها وإخراجها من السلطة، وهو ما سيستغرق سنواتٍ من العمل والقدرة على التفاوض واليقظة وامتلاك المشروع والتنظيم السياسيين اللذيْن يتيحان ذلك.
BA733789-23B4-4A69-9D4A-CB7E100A9A4B
تقادم الخطيب

أكاديمي، باحث مصري في جامعة برلين، مشارك في الحراك السياسي المصري منذ 2006؛ ومسؤول ملف الاتصال السياسي في الجمعية الوطنية للتغيير سابقاً.