لماذا فشل الحوار الوطني في مصر؟

11 مايو 2023

منسق الحوار الوطني ضياء رشوان يتحدث في افتتاح الحوار الوطني في القاهرة(3/5/2023/فرانس برس)

+ الخط -

أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إطلاق الحوار الوطني، في إفطار الأسرة المصرية في رمضان العام الماضي (2022)، ثم لم يتغيّر أي شيء يوحي بأن السلطة الحالية ستغير من مسارها الذي تسير فيه وارتضته لنفسها. فبين تنازلات المعارضة المجانية وغطرسة السلطة، ظلّ الوضع كما هو عليه من دون تغيير، فالمعارضة التي هرولت إلى الحوار تعلم هذا جيداً، وتعلم أن الأمر في مجمله ما هو إلا مسرحية هزلية. فقد سبقت انطلاق الحوار مفاوضات ومطالب قدّمتها المعارضة للسلطة، من بينها الإفراج عن مائة سجين سياسي، إلا أن النظام رفض ذلك، فخفضت المعارضة العدد، وطالبت بالإفراج عن 37 معتقلاً، فرفض النظام ذلك أيضاً، فطالبت المعارضة بالإفراج عن سجين واحد، وهو ما لم يحدُث، بل اعتقل النظام آخرين ينتمون إلى الأحزاب المدنية التي تشارك في الحوار. وعلى الرغم من الطريقة التي فرضت بها السلطة الحوار واختيار أجندته إلى جانب ترسيم حدود حمراء لا يمكن تخطّيها، وهو ما هو جاءت ترجمته في اللاءات الثلاث التي رفعها رئيس الحوار ضياء رشوان، وهي أنه لا حديث عن الدستور، أو عن السياسة الخارجية، وكذلك الأمن القومي. وأوضح ذلك من اللحظة الأولى عدم جدّية الأمر، وأنه مسرحية هزلية أو مناورة سياسية يقوم بها النظام لكسب مزيد من الوقت.

قد يطرح سائلٌ سؤالاً: لماذا حدّد النظام هذه الخطوط الحمراء الثلاثة؟ الإجابة أن عدم الحديث عن الدستور معناه عدم مناقشة أي مشروع أو خطّة محتملة لانتخابات حرّة ونزيهة في مصر، أو مناقشة ترشح الرئيس من عدمه، ما يعني أن الرئيس متمسّك بكرسيه كما خطط له في دستوره المعدل عام 2019 للاستمرار في السلطة حتى عام 2030. وبالتالي، لا حديث عن أي تبادل سلمي للسلطة في مصر. وتأتي النقطة الثانية، وهي مسألة السياسة الخارجية، فمنع الحديث فيها حتى لا تُناقش شبكة العلاقات الإقليمية التي أقامها الرئيس لنفسه، وأصبح مديناً لها. وبالتالي، يسدّد تلك الفواتير من خلال التفريط في عدد من الأصول الخاصة بالدولة، إلى جانب عدم مناقشة مسألة القروض التي أُغرِقَت الدولة فيها، وهي جزء من صميم السياسة الخارجية. وبالتالي، الرسالة الواضحة أنه لا مساس بشبكة العلاقات الخارجية بالرئيس، حتي ولو على حساب الدولة ومقدّراتها. بينما تأتي النقطة الثالثة، وهي الخاصة بالأمن القومي، لتوضح نقطة واحدة، سيطرة المؤسّسة العسكرية على مسار الأمور، ومن قبلها إحكام الرئيس قراراته في عقد الاتفاقيات التي يراها مناسبةً من وجهة نظره، وليس من وجهة نظر أحد. ما يعني أن البعد الإقليمي والأخطاء المرتكبة في التعامل معها لا يجوز مناقشتها، أو الحديث حولها، فالرئيس هو الشخص الوحيد الذي لديه الحق، وهو الذي يدرك كل شيء، وهو الذي لا يجوز ولا يسمح لأي أحد أن يحاسب خططه ويناقش قراراته في ما يتعلق بالدولة ومستقبلها وحاضرها. ولا عجب في ذلك، فمجلس الشعب المنوط به القيام بهذا الدور عُطِّل، أو، بمعني آخر، أصبح منبطحاً وغير قادر على فعل ذلك، بل وتفويض الرئيس منفرداً في القيام بهذه المسألة. الأعجب من هذا أن المعارضة التي هرولت للجلوس إلى مائدة الحوار الوطني قبلت بهذه الخطوط الحمراء، متعلّلة في ذلك كله بسعيها للإفراج عن المعتقلين السياسيين. على أن ورقة المعتقلين السياسيين هي أشبه بقميص عثمان لتبرّر تلك المعارضة جلوسها إلى الحوار. وفي الوقت نفسه، ردّ النظام عليها وأبطل حجتها تلك، حينما اعتقل عدداً من أسرة النائب أحمد طنطاوي ومؤيديه، وهو الذي أعلن رغبته في الترشّح لانتخابات الرئاسة المقبلة. ويثير العجب أكثر استمرار تلك المعارضة المنبطحة في مسرحية هزلية، من دون أن تتخذ موقفاً من هذا الاعتقال، أو تهدّد بالانسحاب من الحور الوطني على أقل تقدير.

المعارضة المنبطحة هي الخاسر الوحيد، فقد بدت في منظر مخجل أمام الشعب، وفقدت ما كان لديها من قليل من احترام

روى محمد حسنين هيكل، رحمه الله، لأحد المقرّبين منه، أن نائب الرئيس حسني مبارك، اللواء عمر سليمان، في أثناء الانتفاضة الثورية في يناير (2011)، تواصل معه وطلب منه أخذ رأيه في عملية الحوار الوطني المزمع إقامته مع المعارضة في مصر في ذلك الوقت للوصول إلى حلّ ينهي الأزمة القائمة، فردّ هيكل قائلاً: هل يسمح سيادة النائب أن يرسل إليّ مسودة الحوار الوطني مكتوباً، حتى أستطيع أن أكوّن رأياً سديداً في هذه المسألة. ثم فوجئ هيكل بأنه تلقى مسوّدة مكتوباً فيها نتائج الحوار الوطني، وهو لم يكن قد بدأ بعد. حينها أدرك هيكل نية النظام المبيتة، على حد تعبيره. فعل هذا نظام مبارك في ظل وجود ملايين موجودين في الشوارع، فما بالنا بنظام السيسي الذي أغلق المجال العام، وليس هناك ما يُجبره على أن يمرّر للمعارضة أي مطلب، أو يقوم بأي تنازلات.

المعارضة المنبطحة هي الخاسر الوحيد في هذه المسألة، فقد بدت في منظر مخجل أمام الشعب، وفقدت ما كان لديها من قليل من احترام، كما لم يُقم النظام لها أي وزن أو يحترم لها كلمة أو أي مطلب، واعتقل أشخاصاً منتمين إلى أحزاب مشاركة في الحوار، وجديدها تشميع أحد منازل رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، إلى جانب اعتقال أحد أعضاء حزب المحافظين في اليوم نفسه. أما المستفيد الوحيد من مسرحية الحوار تلك فهو النظام نفسه، فقد اكتسب مزيداً من الوقت ومزيداً من الشرعية، وبدا أمام القوى الغربية المختلفة أنه يسعى للإصلاح والتغيير، وأن هناك محاولة انفتاح جادّة مع المعارضة، وبالتالي يستطيع من خلال ذلك شراء مزيد من الوقت، والسعي للحصول على قروض جديدة، حتى يستطيع أن يتجاوز بها أزمته الاقتصادية العميقة، التي ستؤدّي إلى إسقاطه عاجلاً أو آجلاً.

BA733789-23B4-4A69-9D4A-CB7E100A9A4B
تقادم الخطيب

أكاديمي، باحث مصري في جامعة برلين، مشارك في الحراك السياسي المصري منذ 2006؛ ومسؤول ملف الاتصال السياسي في الجمعية الوطنية للتغيير سابقاً.