المعتز بالله عبد الفتّاح ومشمش

25 مايو 2017
+ الخط -
أحيانا، يكون الاسم نكاية فاضحة في صاحبه، وأحيانا ييسّر له بعض الطرق، فقد روي عن أم مشمش أنها كانت ترسل الولد مشمش للعمل في "مغاسل" رجال الأعمال مساء، لغسل الأموال والسير نظير "جعل" من براطيل قنوات رجال المخابرات، بشرط أن يسرّب إلى السادة المشاهدين ما تريده السلطات بلطفٍ وخفةٍ وسهوكة وتديّن ما إن لزم الأمر.. مع بعض الآيات الكريمات والأحاديث الشريفة بالطبع، من دون أن يثقل أو يتفاصح على السادة المشاهدين بمصطلحات العلوم السياسية، وأدرك الولد مشمش العفريت سر الطبخة اللذيذة السهلة والميسرة، مع الإعلانات، وسمنة روابي، وخصوصا وهو يعمل سنّيداً صغيراً بجوار كتف الدكتور عماد الدين أديب وتوجيهاته وتضميناته وأوامره.
أحيانا، كان يلزم الأمر بعض المصطلحات السياسية "الحرّاقة" لزوم الرجوع إلى المصادر (وتقليب) المصطلح السياسي إن لزم الأمر، حتى "توتّك" الولد مشمش في الصّنعة (والتقليب) و(القلب)، وخصوصا بعدما وجد الولد مشمش نفسه أمام البوابات السبع المفتوحة لجنة (الانقلاب) الذي كان أستاذه الدكتور عماد الدين أديب في القلب من بهاراته وخيوطه الغامضة وعيشه وملحه وضباطه، حتى بعدما أتت الأكلة روائحها، سافر هو الآخر إلى "عمرة طويلة" للغرب، تاركا الولد مشمش، وقد اشتدت عظامه، وصار لاعبا أساسيا في الفريق، وفارق الدكة، فارتاح قلب أم مشمش جدا. فلم يعد مشمش في حاجة للمصطلح، ولا في حرج من الثورة وثوّارها، ولا حتى يردّد مساءً آية كريمة أو حديثاً شريفاً، لزوم إرضاء السادة المشاهدين، أو صاحب القناة، فالولد مشمش صار عفريتا، ويقلّب مصطلحاته، ميدانيا، بخفة نادرة، مرة بالباريه ومرة بالبدلة الكاكي، ومرة ببدلات رجال الطاقة النووية، ومرة وراء ماكينة حصاد قمح عملاقة لها قدرة (درْس) عشرين مليون فدان، (بس فين النفس اللي تاكل وتعمل فطير؟).
وأخيرا، بدأ الولد مشمش في تغيير قصّات الشعر، مستوعبا كل المذابح التي مرّت عليه خلال ثلاث سنوات، من دون أن يختلّ المصطلح، ومن دون أن يضجر، ومن دون أن يهتز للدم المراق، وهو يجري بالكاميرا من قناة السويس الجديدة إلى قمح ملايين الأفدنة والصحراء التي تضحك بالخضرة، "يا صحرا لمهندس جاي".
تنقّل مشمش من مشروع إلى مشروع دونما ملل، حتى بات الولد مشمش لا تصدمه، ولا تصدّه مذبحة، ولا أي قانون فوق أو تحت دستوري، ولا رابعة ولا نهضة ولا قضاء ولا صحافة، ولا حتى غياب دستور، ولا حتى الجن الأزرق.
استطاع مشمش بلغة سياسية "أستك" أن يتعايش مع الحال، وأحب الموجة وتبهلل فيها، راكنا السياسة ومصطلحاتها "في دكة اللباس". وها هو الولد مشمش قد كبر واخضرّ شاربه، وانتقل من مجرد "عرّيف" صغير في كتّاب الدكتور عماد الدين أديب إلى شيخ مقام وصاحب عمود، واستطاع أن "يشيل" برنامجا بنفسه، ومن حر عرقه ومصطلحاته.
وها هو الولد مشمش في الباخرة في قناة السويس الجديدة، وفي الطائرة المحلقة فوق العواصم كافة، وفي أميركا مع أحمد موسى (راس براس)، وخلف غبار المشاريع النووية السلمية يحصد ويزرع الورد والريحان والقمح، ويغني للصحراء من فوق الدبابة، يد تزرع الورد، ويد تمسك السلاح، ولا يرد على الشامتين، حينما يقولون فيه شعرا، كنوع من جرّ الشكل والتغامز:
يا أم مشمش أريحينا من المشمش/ فقد بالت ركائبه على العنّاب والفستق.
ولكن مشمش كان قد ركب الفرطاقة، وشرخ بعيدا في اللجّة.
720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري