الزوج الصامت بسلامته

25 مايو 2016

(إيلي كنعان)

+ الخط -

ما زلت أذكر طرفةً قديمةً قرأتها في مجلةٍ نسائيةٍ متخصصةٍ من تلك المجلات التي كنت أتصفح صفحاتٍ خاصةً فيها تهمني، مثل قضايا قلوب الفتيات المراهقات، وتصميمات الأزياء، والنصائح المنزلية على غرار كيف تتخلصين من رائحة السمك في يديك، تلك الطرفة كانت عن سؤالٍ يسأله أحدهم، كيف تعرّف إن كان الرجل والمرأة اللذان يجلسان في حديقة عامةٍ مخطوبين أو متزوجين؟ فكان الرد أنه، في حال الخطوبة، يتحدث الرّجل، وتنصت المرأة، أما في حالة الزواج، فيحدث العكس، حيث تتحدّث المرأة وينصت الرجل.

يختلف زوج صديقتي عن هذه القاعدة، فقد اعتقدت أن طبعه سيتغير بعد الزواج، مثل ما تعتقد كثيرات بسذاجةٍ مفرطةٍ، أو يبالغن بالثقة في قدراتهن على تغيير طباع الزوج، عملاً بالمقولة الشهيرة التي رددتها ماري منيب في الأفلام القديمة، حين أدت دور الحماة باقتدار: زوجك على ما تعوّديه، وابنك على ما تربيه. ولذلك، أفرطت في الثقة بأنها سوف تعوّده على طباعها، وعلى ما تحب، وهي تحب أن تثرثر وتحكي. وحين تثرثر وتحكي، فهي تضحك وتتحرّك وتدور، وتُضحك كل من حولها، وتستحوذ على المكان قبل الشخوص، فهي تُضحك طوب الأرض حسب تعبيرها، ولا تترك أمراً ليمر مرور الكرام، من دون أن تحلّله، وتقوم بتشريحه بدءاً من الأخبار السياسية والتطورات الاجتماعية، مروراً بأكلة البامية التي أحرقتها جارتها، وانهال عليها زوجها ضرباً أمام الجيران، فحملت ما تبقى منها في الوعاء، وألقتها فوق رأسه.

 باختصار، هي امرأة حية، لا تحب أن تتحوّل إلى كائن ساكن، يؤدي ما عليه بروتينٍ قاتل، ولا تعترف بأن الزواج مقبرة المرأة، وعليها أن تسلم للأمر الواقع بأنها أصبحت أماً، لكنه يريدها أن تعيش هذا الدور أن تحمل همّ الغد، ولا تضحك، ولا تعلق بسخريةٍ ولا تطلق "القفشات" التي تجعلها سيدة أية "قعدة" بلا منازع.

هي تختلف عنه في نظرتها إلى الحياة، فهو يحمل كل هموم الدنيا فوق رأسه، وهي تأخذ كل الأمور ببساطة، وتعرف أن الغد المقبل سيكون أصعب. ولذلك، تريد أن تعيش يومها، لكنه يبدو قلقاً طوال الوقت، ويوزع تكشيرته في كل مكان طوال الوقت، فلماذا تضحك، وقد استغله صاحب السوبرماركت الذي يقع أسفل البناية التي يقطنان بها، وباع له علبة السمن، وقد تبقى ثلاثة أشهر على انتهاء تاريخ صلاحيتها، وهي لا تحتاج السمن في مطبخها كثيراً؟ ولذلك، سوف تتلف، وتلقيها في القمامة، قبل أن تستهلك نصفها، ويخسر هو نصف ثمنها، ما يؤثر على ميزانية البيت. وهو، في النهاية، لا يجد المال في الشارع، ليفقده بهذه السهولة، فيبدأ في نعت العالم بالكذب وانعدام الضمير.

أتعبتها نظرته إلى الحياة، وتحوله إلى زوجٍ صامت في حضرتها، وفي كل مكان، حتى حين تجمع مغامرات طفلتهما الوحيدة التي قادها حظها العاثر إلى هذا العالم المقيت، حسب تعبيره، وترويها للصديقات والأصدقاء، فيقضون الساعات، وهم يتضاحكون على حركاتها، وما قامت به من شقاوة محببة.

تقول إنه أتعبها، وإنها غير قادرة على الاستمرار مع زوج مثله، خصوصاً أنها نشأت بلا أب، وحملت مسؤولية البيت مع أمها المطلقة، واعتقدت أن زوجها سيعوّضها حنان الأب وحضوره، وهي تستغرب كيف ظلت تحب هذا الزوج، سبع سنوات قبل الزواج، لتكتشف في النهاية أنها كانت تحب "أبا الهول".

تساءلت وهي تمسح دموعها: هل مرآة الحب عمياء، أم أن ثقتها بنفسها، وبأنها، كما قالت، تُضحك طوب الأرض، جعلاها لا ترى أنه يختلف عنها، وأنه رجل صامت، صامت إلى درجة الموت، إلى درجة الرتابة، إلى درجة شعورها بالوحدة معه، وفي حضرته، وأنها تتنفس الصعداء، حين يقرّر الخروج من البيت، بعد أن يستيقظ من قيلولته، لكي تصبح وحدها، فتمارس ضحكها وبراءتها، وتلقي بنكاتها على صاحباتها، عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تجمعها بصديقاتٍ افتراضياتٍ، ينتظرنها على مدار الساعة، لتمارس معهن حياةً ليست كالحياة؟

دلالات
سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.