جهاديو تونس بين التوبة والإنكار

30 ديسمبر 2016
+ الخط -
يحتدم الجدل في تونس بشأن عودة الجهاديين التونسيين الذين التحقوا في صفوف الحركات الأصولية في العراق وسورية للقتال تحت راية الإسلام. ويفترض احتدام الجدل ضمناً أن الأوضاع في البلدين آخذة بالاستقرار، وبالتالي، صار لزاماً على الدولة التونسية أن تجد حلاًّ لاستيعاب هؤلاء في بلدهم، بعد أن أمضى بعضهم سنواتٍ في ميادين القتال إلى جانب "داعش" أو جبهة النصرة. وتقول إحصاءاتٌ إن هؤلاء نحو خمسة آلاف، في حين تفيد أرقام أخرى بأنهم ثمانمئة. وبغض النظر عن العدد الحقيقي، فإننا إذا أضفنا إليهم عدداً تقديرياً لعائلاتهم في تونس، فلن يقلّ عدد المعنيين بالجهاديين عن خمسة آلاف أو أكثر من الأخوة والآباء والأمهات والأقارب.
تختلف الآراء في تونس بشأن طرق التعامل مع هذه المشكلة الاجتماعية والأمنية والسياسية. ولكنْ، هناك رأيان واضحان في تناقضهما، وفي تصدّرهما الجدل الدائر، ويتصارعان في إيجاد حل نهائي، فحين ترى حركة النهضة الحل الأمثل في فتوى التوبة للجهاديين، وقبول عودتهم، وهي فتوى فقهية قد لا تصلح في قضيةٍ شائكة مثل التي يواجهها المجتمع التونسي اليوم، فالتوبة لله تكون بين المؤمن وربه، ولا علاقة لها بما يجري على الأرض من تفاعلاتٍ سياسية وأمنية، وقد تصلح أحياناً في ارتكاب المعاصي البسيطة، ولكنها تبدو، في سياق العنف السائد على مستوى المنطقة، مسألة تثير السخرية، فكيف تكون التوبة لقاتل وقاطع رؤوس ومفجر أبرياء، ومن يضمن توبة من مارس القتل وارتكاب الكبائر التي تمت باسم الله والشريعة في أحيانٍ كثيرة. والرأي الآخر والذي تطرحه الأحزاب السياسية اليسارية والقومية، ومنظمات المجتمع المدني ووسائل إعلام ومثقفون، يتلخص في عدم قبول عودة هؤلاء الجهاديين قطعاً إلى تونس، ومنهم من يزيد على ذلك بأن تتم محاكمتهم من الدول التي قاتلوا على أرضها. ويقفز هذا الرأي فوق القانون وأحكامه، ويحاول أصحابه، عبر البرلمان، تمرير تعديل في الدستور التونسي الذي يحظر سحب الجنسية من المواطن التونسي، ويحظر منع المواطن من العودة إلى وطنه تحت أي حجة، سواء كان مجرماً جنائياً او أمنياً.
لا شك في أن بروز حركة النهضة إلى الممارسة السياسية العلنية نتيجة انتصار الثورة الشعبية التونسية، ونجاحها في أن تكون أكبر الأحزاب في تونس، وأكثرها تنظيماً، وأقواها قدرات بشرية ومالية وفاعلية في الوسط الشعبي، وتأييدها الاختراقات الإسلامية في الثورة السورية، بعد أقل من عام على الحراك الشعبي السلمي في سورية، لا شك في أن ذلك كله ساهم، إلى حد كبير، في تشجيع الشباب التونسيين على الالتحاق في جبهات القتال في سورية والعراق. وتتحمل الحركة، في هذا السياق، مسؤولية اندفاع الشباب التونسيين إلى الهجرة للقتال في بلاد أخرى. وعليها الآن، مع بقية المكونات السياسية للمجتمع التونسي، أن تجد حلاًّ لهذه المعضلة الحقيقية، عبر حلول خارج الشرع الديني، وخارج انتهاك الدستور وحقوق الإنسان، لكي يستطيع المجتمع التونسي أن يحافظ على تماسكه، من غير إيجاد أسبابٍ جديدةٍ تجعل العنف الداخلي في تونس مرشحاً للتفاعل.
إنكار حق هؤلاء الجهاديين في العودة سيدفعهم إلى التسلل إلى تونس، أو الانتشار في بلدان أخرى، يزرعون فيها القتل، وإلى قيامهم بعمليات انتقامية ضد المجتمع الذي أنكر حقهم في العودة. تستطيع الدولة التونسية قبول عودتهم، والتحقيق معهم، ومحاكمتهم حسب القانون، وإعادة تأهيل من لم تكن يداه ملوثتين بالدماء في مؤسساتٍ ترعاها أجهزة الدولة وتراقبها. هؤلاء مواطنون تونسيون ولدوا ونشأوا في تونس، وتقع على المجتمع التونسي الجديد مسؤولية التعامل معهم في نهاية الأمر، على الرغم من إنكار بعض النُخب التونسية وجود هذا النموذج في مجتمعهم، انطلاقاً من نظرة اصطفائية وتطهرية واستعلائية ساذجة لصورة المجتمع التونسي.
8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.