29 سبتمبر 2017
أنقذوا حلب، أنقذوا سورية
نداء يتكرّر كلما تشتد المصائب، ويجد الناس أنفسهم عاجزين عن درئها، أو التخفيف من فواجعها. ولا يوجّه هذا النداء الّا عندما يستحيل الإنقاذ. منذ بدأت الثورة السورية، والمجازر وعمليات القتل والفتك بالناس تواجهنا بقسوتها ووحشيتها، فنروح نصرخ بالنداء: أنقذوا أطفال الغوطة. أنقذوا القصير. أنقذوا اليرموك. أنقذوا داريا.... وأخيراً أنقذوا حلب. ولم نسأل أنفسنا لمن نوجه هذا النداء. هل نريد من القتلة، وهم في سورية النظام وروسيا وإيران والمليشيات التابعة وداعش والقوى التي تفرض حصارها على المواطنين والتي تفتك بهم بالطائرات والبراميل والغازات السامة بلا رأفة، هل نريد من هؤلاء أن ينقذوا الناس المعرّضين لوحشيتهم، أم نريد من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والدول العربية أن يهبّوا لنجدة أهل سورية، أم نريد من الشعوب العربية المسحوقة فقراً وقمعاً أن تزحف نصرةً للسوريين، أم نريد من الأمم المتحدة أن ترسل جيوشها، وتأخذ قراراتها لوقف القتل والتدمير والتجويع بحق الشعب السوري، أم نريد من شعوب العالم أن تعلن رفضها القتل بمظاهراتٍ صاخبة، بعد أكثر من خمس سنوات من استمرار القتل، أم نقصد أن نرسل دعاءً إلى الله في ملكوته، ليرسل طيراً أبابيل، تحمي أرواح أطفال سورية من الذبح والتشظي؟
أم إننا نريد فقط، نحن الأحياء الشهود، على المذبحة التي فاقت كل المذابح، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بشاعة وسادية ونزفاً للدماء، أن نعلن حزننا وكآبتنا، فلعل في ذلك ما يريح ضمائرنا ويجنبنا السقوط في كآبة العاجز المهلكة للنفس؟ أم أننا نريد أن نسجّل موقفاً سياسياً رافضاً قد يسجله التاريخ، إذا ما تيسر للشعوب المظلومة أن تكتب بعض صفحاته في المستقبل، أو يكون مصيره النسيان أو التشويه، إذا ما انتصر القتلة الذين نصرخ بنداء الإنقاذ من وحشيتهم؟ أم إننا نقوم بتحشيد عواطف الشعوب في العالم، ضمن إطار حملة سياسية وإعلامية منظمة، نواجه بها وحشية العالم؟
في مايو/ أيار من عام 1981، ذهبت الى بلفاست في إيرلندا الشمالية، لأجري تحقيقاً صحافياً عن إضراب الجوع للسجناء الجمهوريين الإيرلنديين حتى الموت. وكان هذا الحدث قد استقطب اهتمام العالم أجمع شهوراً، من مارس/ آذار، حين بدأ بوبي ساندس إضرابه الذي انتهى بموته جوعاً، إلى أكتوبر/ تشرين الأول، ومات فيه عشرة من السجناء تباعاً. كانت بلفاست، في تلك الشهور، قبلةً لكل الميديا العالمية من الولايات المتحدة الأميركية إلى الصين، ومن أوروبا إلى أميركا اللاتينية وإيران. قابلت في زيارتي تلك عائلات المضربين عن الطعام، وسجناء سابقين خاضوا تجربةً مماثلة فترة أقل وفئات مختلفة من مواطني بلفاست، المؤيدين للحركة الجمهورية. واستطعت مقابلة عضو قيادي في الجيش الجمهوري الإيرلندي المحظور من السلطات البريطانية وسياسيين من حركة "شن فين"، وهي الجناح السياسي للحركة الجمهورية، ومن هؤلاء رئيس تلك الحركة لاحقاً، جيري آدامز.
كان الجمهوريون، في حملتهم الإعلامية، يطلقون شعار "أنقذوا السجناء من الموت"، مثلما يطلق اليوم السوريون، ومن يتحالف معهم، الشعار نفسه، كلما سقطت مدينةٌ تحت وطأة الموت. كان سؤالي إلى جميع الذين قابلتهم في بلفاست، وهم كثر، مَن الذي سينقذ السجناء المضربين عن الطعام من الموت؟ هل هي مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء آنذاك، التي رفضت مطالب السجناء، وفي مقدمتها الاعتراف بهم سجناء سياسيين، أم الولايات المتحدة الأميركية، حيث هناك حوالي 12 مليون أميركي من أصل إيرلندي؟ أم المعسكر الإشتراكي؟ أذكر أن الجواب جاء من مناضل عجوز جمهوري في نهاية السبعينيات من عمره. قال لي: لن ينقذهم أحدٌ من هؤلاء، فالعالم لا يسمع الّا نداء مصالحه. هي حملة لفضح ثاتشر، وكسب الدعم. ولكن ليس لنا سوى عزيمتنا وتنظيم حملتنا، هنا وفي العالم الخارجي. وخصوصاً لدى المهاجرين الإيرلنديين في أميركا والعالم إلى أن يتوقف موتنا.
أم إننا نريد فقط، نحن الأحياء الشهود، على المذبحة التي فاقت كل المذابح، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بشاعة وسادية ونزفاً للدماء، أن نعلن حزننا وكآبتنا، فلعل في ذلك ما يريح ضمائرنا ويجنبنا السقوط في كآبة العاجز المهلكة للنفس؟ أم أننا نريد أن نسجّل موقفاً سياسياً رافضاً قد يسجله التاريخ، إذا ما تيسر للشعوب المظلومة أن تكتب بعض صفحاته في المستقبل، أو يكون مصيره النسيان أو التشويه، إذا ما انتصر القتلة الذين نصرخ بنداء الإنقاذ من وحشيتهم؟ أم إننا نقوم بتحشيد عواطف الشعوب في العالم، ضمن إطار حملة سياسية وإعلامية منظمة، نواجه بها وحشية العالم؟
في مايو/ أيار من عام 1981، ذهبت الى بلفاست في إيرلندا الشمالية، لأجري تحقيقاً صحافياً عن إضراب الجوع للسجناء الجمهوريين الإيرلنديين حتى الموت. وكان هذا الحدث قد استقطب اهتمام العالم أجمع شهوراً، من مارس/ آذار، حين بدأ بوبي ساندس إضرابه الذي انتهى بموته جوعاً، إلى أكتوبر/ تشرين الأول، ومات فيه عشرة من السجناء تباعاً. كانت بلفاست، في تلك الشهور، قبلةً لكل الميديا العالمية من الولايات المتحدة الأميركية إلى الصين، ومن أوروبا إلى أميركا اللاتينية وإيران. قابلت في زيارتي تلك عائلات المضربين عن الطعام، وسجناء سابقين خاضوا تجربةً مماثلة فترة أقل وفئات مختلفة من مواطني بلفاست، المؤيدين للحركة الجمهورية. واستطعت مقابلة عضو قيادي في الجيش الجمهوري الإيرلندي المحظور من السلطات البريطانية وسياسيين من حركة "شن فين"، وهي الجناح السياسي للحركة الجمهورية، ومن هؤلاء رئيس تلك الحركة لاحقاً، جيري آدامز.
كان الجمهوريون، في حملتهم الإعلامية، يطلقون شعار "أنقذوا السجناء من الموت"، مثلما يطلق اليوم السوريون، ومن يتحالف معهم، الشعار نفسه، كلما سقطت مدينةٌ تحت وطأة الموت. كان سؤالي إلى جميع الذين قابلتهم في بلفاست، وهم كثر، مَن الذي سينقذ السجناء المضربين عن الطعام من الموت؟ هل هي مارغريت ثاتشر، رئيسة الوزراء آنذاك، التي رفضت مطالب السجناء، وفي مقدمتها الاعتراف بهم سجناء سياسيين، أم الولايات المتحدة الأميركية، حيث هناك حوالي 12 مليون أميركي من أصل إيرلندي؟ أم المعسكر الإشتراكي؟ أذكر أن الجواب جاء من مناضل عجوز جمهوري في نهاية السبعينيات من عمره. قال لي: لن ينقذهم أحدٌ من هؤلاء، فالعالم لا يسمع الّا نداء مصالحه. هي حملة لفضح ثاتشر، وكسب الدعم. ولكن ليس لنا سوى عزيمتنا وتنظيم حملتنا، هنا وفي العالم الخارجي. وخصوصاً لدى المهاجرين الإيرلنديين في أميركا والعالم إلى أن يتوقف موتنا.