"رسائل من اليرموك" والنقد العشوائي

04 ديسمبر 2015

مشهد من فيلم "رسائل من اليرموك"

+ الخط -
لو أن مشاهداً يمتلك قليلاً من الإنسانية، في النمسا مثلاً، أو في قرية نائية في تونس، شاهد فيلم "رسائل من اليرموك" للفلسطيني رشيد مشهراوي، فسوف يحبّه بالتأكيد، ولن يكترث كثيراً لـ "برنيطة" مخرجه، رشيد مشهراوي، وأحد شخوصه، كما اكترث الفلسطينيون الذين شنوا حرباً شعواء ضد الفيلم ومخرجه. ولو كان هذا المشاهد مثقفاً سينمائياً، ومراكماً معرفة جدية بأصول النقد السينمائي، ومشاهداً متمرساً للسينما، لأعجبه الفيلم، وسجّل انتقادات فنية من داخل الفيلم، لا من خارجه، لها صلة بالرؤية البصرية في التعامل مع موضوع إنسانيّ وسياسيّ حساس. ولربما ذهب بعيداً، وتناول خيارات المخرج، في تقديمه تلك التركيبة النصية والبصرية، ومدى نجاح الكتابة الفيلمية، أو فشلها، وضعف المونتاج، وخيار المخرج لاستهلاك من زمن الفيلم حيّزاً مملاً في إظهار نفسه شخصية رئيسية في فيلمٍ يتحدّث، في موضوعه وشخوصه، عن قضية ذات تعقيدات شائكة، استدعت مشاعر خاصة، ولا سيما لدى الفلسطينيين السوريين، وضخّمت الشعور بالبارانويا لديهم، والإحساس بالعزلة والقهر والتخلي وعدم الاكتراث.
سبق رشيد مشهراوي في تناول مخيم اليرموك المحاصر سينمائياً الممثل الفلسطيني محمد بكري، في فيلمه الروائي القصير سيئ الصيت "يرموك" الذي كان كارثة أخلاقيةً، قبل أن يكون كارثة فنية، ما أثار فيضاناً من النقد والشتائم غير اللائقة بحقه. إذا استثنينا ما كتبته الناقدة السينمائية المصرية، أمل الجمل، في صحيفة الحياة، فإن مقالات النقد التي تناولت الفيلم جاءت سطحية، بلا قيمة نقدية، ركّزت على موضوعات خارج الفيلم، تبدي تعاطفاً مع الشخصية الرئيسة للفيلم، المصور الفلسطيني الشاب نيراز سعيد، والذي اعتقلته أجهزة النظام السوري في الثاني من أكتوبر/ تشرين أول الماضي خارج مخيم اليرموك. وتتهم المقالات بطريقة تتسم بالجهل بتفاصيل الموضوع، وبعدم الجدية بالبحث المخرج بسرقة جهود نيراز وأصحابه المصورين في اليرموك. والبروز إعلامياً على ظهورهم، وما إلى ذلك من الاتهامات، ذات النزعة العشائرية والعصبوية الجهوية، واحتكار الألم. وليس غريباً أن يشارك أحد تلك المقالات الهجومية عشرات على صفحات "فيسبوك" من فلسطينيي سورية، وأن يتهم رشيد مشهرواي بالتخلي عن نيراز سعيد، الذي بحسب روايات بعضهم، فتح الطريق لرشيد للسفر إلى المهرجانات، باسم مأساة مخيم اليرموك.
تكمن المشكلة، دائماً، في الخلط بين النقد الفني الجدي الذي قدمته بحق أمل الجمل للفيلم والشتائم والاتهامات الباطلة التي جاءت في مقالات الكتاب الفلسطينيين، فلم يتخل رشيد عن نيراز، وهذه حقيقة تؤكدها معطيات كثيرة، ولم يمتنع رشيد عن ذكر نيراز ودوره، رغبة في الاستئثار بالمجد والشهرة، فقد حصل اتفاق بين نيراز ورشيد على عدم ذكره في المقابلات، أو غيرها، كما عمل رشيد وغيره، ويعملون من أجل إطلاق سراح نيراز. وقبل اعتقاله بشهور، أمّن رشيد جواز سفر فلسطينياً لنيراز للسفر، بعد خروجه من سورية، كما أرسل إليه، قبل اعتقاله، مبلغاً يساعده في السفر إلى حين يلتقيه في الخارج.
ربما أخطأ رشيد ونيراز في أنهما لم يوقّعا عقداً مسبقاً لدور كل منهما في الفيلم، وحقوق كل الأطراف المالية والأخلاقية وحقوق الملكية. ولكن هذا كله لا يستحق كل هذه الهجمة. أما تلك الفكرة السطحية والجاهلة التي تقول إن رشيد فعل، كما فعل أسامة محمد في فيلم "ماء الفضة"، وسرق عمل المصور، فهذه تفتقد الحد الأدنى من فهم الصناعة السينمائية. المصور هو المصور وليس المخرج، ولو كان المصور يريد أن يكون مخرجاً، لقام بإخراج ما يصوره. المخرج هو صاحب الرؤية، أصاب أم أخطأ، والمونتاج هو الإخراج الثاني للفيلم، كما يقول غودار. وعلينا أن نتذكّر تجربة المخرج الكردي من تركيا، يلماظ غوناي، المتوج في مهرجان كان، والذي أخرج أكثر من فيلم روائي من سجنه، بإرشادات منه لمساعده في الخارج، ووقّع اسمه عليها مخرجاً.
8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.