العجوز في مواجهة داعش

11 ديسمبر 2015
+ الخط -
قد يصبح الوجود العسكري الأوروبي في ليبيا حتمياً في المرحلة المقبلة. يدرك الأوروبيون ضخامة البلاد (1.759.541 مليون كيلومتر مربّع)، لكنهم لا يريدون سوى الساحل، والبدائل العسكرية المحلية حتى الآن محدودة، في ظلّ استحالة الاعتماد على عناصر نظام العقيد المخلوع معمّر القذافي. يعلم الأوروبيون أن تدفّق اللاجئين إلى القارة العجوز من جهة ليبيا يعني مشكلة كبيرة، اتّسع مداها مع بروز دور تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على السواحل الليبية، لناحية سرت، المُطلّة على البحر الأبيض المتوسط.
تُعدّ ليبيا محوراً بالغ الأهمية، وسط المنطقة الممتدة من مصر إلى المغرب، لامتلاكها الجزء الأكبر جغرافياً من الشواطئ الإفريقية على البحر الأبيض المتوسط، ولقرب جزيرة لامبيدوزا الإيطالية منها، ومن تونس، وهي الجزيرة التي يتوافد إليها معظم اللاجئين الآتين من ليبيا إلى أوروبا. تكمن أهمية ليبيا في أنها البلاد التي تحتاج إليها أوروبا لضبط تدفّق اللاجئين من إفريقيا، مع الأخذ بالاعتبار مواجهة السلطات التونسية والجزائرية والمغربية عمليات تهريب اللاجئين، كل في مواقعهم.
لكن الوضع لا يتوقف عند حدود ضبط طرق اللجوء من إفريقيا، فأعداد اللاجئين تبقى قليلة نسبياً، قياساً على تدفّق أندادهم من شرقي البحر المتوسط، من جهة تركيا وسورية وحتى لبنان. باتت أوروبا أكثر "إيماناً" بأن المرحلة المقبلة من مواجهة "داعش" ستنتقل من الدفاع إلى الهجوم، فقريباً ستجتاز دول في القارة مرحلة الدفاع والصدّ، وتنتقل إلى الهجوم في الداخل والخارج. وإن كان الثلاثي، فرنسا وبريطانيا وألمانيا، قد بدأ يُشارك في الغارات الجوية ضد "داعش" في سورية والعراق، إلا أن ليبيا تُعدّ تحدياً أكثر خطورة للأوروبيين.
بالتالي، تسعى أوروبا، عبر بوابة إيطاليا، من خلال مؤتمر روما المُخصص لبحث المسألة الليبية، المقرّر غداً الأحد، إلى تأمين غطاء دولي واسع، يشمل تحديداً روسيا والولايات المتحدة، لضمان مشاركتها أعباء القضية الليبية. من الطبيعي إظهار موسكو وواشنطن "ترددهما" في شأن المؤتمر، معوّلين على ترك الملف بيد الأوروبيين. لروسيا والولايات المتحدة اهتمامات شرق أوسطية وخليجية وإيرانية، أكثر أهمية حالياً من ليبيا. وبما أن وجود "داعش" في ليبيا لا يُشكّل "خطراً" على واشنطن، ولا على موسكو، فإن على الأوروبيين التعامل معه بمفردهم تقريباً.
تقريباً، لأن الاستعانة بدول الجوار الليبي، مثل تونس والجزائر ومصر، دونها عقبات. يمكن لهؤلاء إقفال الحدود أقلّه والمساهمة لوجستياً فقط، كما أن الوضع المصري بات مختلفاً عما كان عليه منذ عام. فلو سُئل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، عن احتمال دفع الجنود المصريين إلى ليبيا، لوافق من دون تردّد، غير أن التحديّات الكبيرة التي تواجهها مصر، لتوسع أعمال تنظيم "ولاية سيناء" الموالي لـ"داعش"، وتعرّض أماكن جغرافية بعيدة عن سيناء لاعتداءات، بدّلت من أولويات السيسي، إلى حدّ ما. ما حداه إلى المطالبة بالدعم الأوروبي، محذّراً من إمكانية تحوّل مصر إلى "دولة هجرة"، قائلاً "لكم أن تتخيّلوا كم سيزيد عديد اللاجئين في أوروبا". لن يأتي جيش مصري من الشرق، على ما يبدو، لمساندة الأوروبيين ميدانياً.
وبموازاة ليبيا، المفككة حتى الآن، سياسياً وشعبياً، تبدو الديمقراطية التونسية جديرة بالاقتداء بها، لكنها تعاني المعاناة الليبية عينها، لجهة تعرّضها لعمليات إرهابية عدة في العام الحالي. أيضاً، لن يتمكّن الجيش التونسي من التحرّك خارج البلاد، مع استمرار حالة الطوارئ فيها.
سيستلزم هذا الأمر تسخير أوروبا دول جنوبي القارة، كإيطاليا واليونان وإسبانيا للتدخّل في ليبيا، خصوصاً أن المسار السياسي الليبي سيأخذ وقتاً، وفقاً لمجريات الحوارات والمفاوضات المتنقّلة بين المغرب وسويسرا. والوقت ليس عامل ترف للأوروبيين، بل يُمكن تفهّم استعجالهم في الملف الليبي، ومحاولتهم تداركه قبل فوات الأوان، فليبيا، لا سورية، ستكون العنوان الأبرز لأوروبا في عام 2016.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".