الرد الإيراني ودرس إبريل

03 اغسطس 2024
+ الخط -

ليل 13 ـ 14 إبريل/ نيسان الماضي، أطلقت إيران صواريخَ ومُسيّراتٍ في اتجاه إسرائيل، ردّاً على مهاجمة الإسرائيليين القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع الشهر نفسه. لم تُؤدّ هذه الهجمات إلى أذى حقيقي للاحتلال، لكنّها رسمت خريطةً أمنيةً جديدةً في الاستراتيجيات العسكرية في الشرق الأوسط. أوّلها الهجوم الإيراني المباشر على إسرائيل، ولو أنّ مثل هذا الهجوم البعيد جغرافياً يستلزم تقنيات أكثر تطوّراً. ثانيها، القدرة الأميركية في تأمين مظلّةٍ أمنيةٍ واسعةٍ لإسرائيل، بمشاركة دول غربية وعربية. وثالث تلك الاستراتيجيات، تأكيد الحاجة الإيرانية إلى الاقتراب أكثر من الإسرائيليين جغرافياً، والحديث هنا مُتعلّق بحزب الله بالدرجة الأولى، وبالحشد الشعبي بالدرجة الثانية.

أظهر درس ليلة الردّ الإيراني أنّ طهران لا تزال بعيدةً عن اللحاق بالتقنيات العسكرية، ويتعلّق السبب بالدرجة الأولى بالعقوبات المفروضة عليها، التي جعلت من الحصول على التقنيات اللازمة، وحتّى على المواد الخام، أمراً شبه مستحيل. كما أظهر الدرس نفسه أنّ حاجة إيران إلى منظومةٍ متكاملةٍ من الفصائل في العراق وسورية ولبنان واليمن، آلت في نهاية اليوم إلى صياغة خطّ دفاع أساسي عن طهران حيال أيّ هجوم مباشر عليها. وفي المقابل، وفي غياب أيّ دعم روسي وصيني جدّي للإيرانيين، فإنّ أحداثاً، على سبيل المثال، مثل مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي بتحطّم طائرة، والتشكيك بحصول هجوم صاروخي على طهران أدّى إلى خطيئة إسقاط طائرة ركّاب مدنية أوكرانية، والعجز عن حماية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنيّة، كلّها تُظهِر نقاط ضعف واسعة النطاق لإيران، وإن رفضت الإقرار بها، في مكابرة تقليدية لصياغة مفهوم القوّة.

تُدرك إيران أنّ الحاجة إلى الردّ على اغتيال هنيّة في أرضها، وإن لم تعترف إسرائيل باغتياله رسمياً الأربعاء الماضي، يستوجب عملياً حَراكاً أكثرَ حدّةً ممّا حصل في ليل 13 ـ 14 إبريل/ نيسان الماضي. وتحتاج طهران لذلك إلى الاستعانة بالفصائل الموالية لها، ما يُنتج مخاطرةً لا يمكن التكهّن بمداها، في ظلّ الاستعدادات الأميركية المستمرّة للدفاع عن إسرائيل، وأيضاً في ظلّ تحضيرات إسرائيل لمثل هجومٍ كهذا.

ماذا يعني ذلك؟... يعني أنّ طهران التي تمكّنت بصعوبة من إقناع شعبها بقدرتها على حماية البلاد، أقلّه في تلك الليلة من إبريل، باتت ملزمةً بالردّ بقسوة أكثر إن أرادت تخفيف المُعارَضة الداخلية ضدّ النظام. يكفي النظر إلى إسرائيل بالذات؛ إنّ استخدام منطق القوّة في أسبوع الاغتيالات أخيراً، أعاد رفع مستويات التأييد الشعبية لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وخفوت مُعارَضته، وإن كان مثل هذا التأييد محكوماً بمسار العلاقة بين قادة اليمين الإسرائيلي المُتطرّف والقيادات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، كما تجلّى في مسألتي معتقل سدي تيمان ومعسكر بيت ليد.

تريد إيران الردّ على إسرائيل بمستوى من القوّة أكبر ممّا فعلت في إبريل الماضي، مع منح مساحةٍ أكثر لانخراط فصائلها الموالية في هذا الردّ. غير أنّ أحد دروس 13 ـ 14 إبريل أيضاً أنّ إسرائيل لن تتردّد في تغيير استراتيجتها، من انتظار الهجوم إلى المبادرة بحملة استباقية، مع التأكيد أنّ مثل هذه الحملة الإسرائيلية لا يُمكن حصولها ما لم يومَض ضوءٌ أخضرُ في واشنطن، وما لم تكن قد تأمّنت شبكة الأمان الأميركية لها. أمّا في مقابل أيّ ضربة إيرانية ضعيفة أو مشابهة لضربة إبريل الماضي، فهو احتمال قيام الاحتلال بمهاجمة الأطراف الموالية لإيران كلّها، في لبنان وسورية والعراق واليمن، بما يضمن عجزها عن مواجهته، وفقاً له، وأيضاً يُضعف موقف إيران السياسي، واستطراداً يسمح بإثارة قلاقل داخلية، لا يريدها قطعاً الرئيس الجديد مسعود بزشكيان. تبقى نافذة صغيرة مفتوحة؛ الدور الأميركي، الذي أضحى، وللمفارقة، مطلوباً لدى الإيرانيين وسيطاً مع الإسرائيليين، وأيضاً لمنع نتنياهو من الجنوح شرقاً.

6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".