"داعش".. الإسلام في خطر

15 اغسطس 2014

عناصر من داعش في سورية

+ الخط -


ساد الظن في منطقة الشرق الأوسط أن القمع والإرهاب بلغ ذروته مع نظامي حافظ الأسد وصدام حسين، ولم يخطر في بال أحد أن أياماً أكثر رعباً سوف تأتي. واعتقد العالم أن جرائم التطهير الطائفي والعرقي انتهت في ختام المأساة اليوغسلافية، ولن تقبل البشرية رؤية أحدٍ يجيز لنفسه حقَّ تهجير جماعاتٍ بشرية أصيلة، ويقتلعها من ديارها بقوة السلاح، مهما كانت المبررات والدوافع.
هل كان أحد يعتقد أن المنطقة ستعيش زمناً تفرض فيه جماعات باسم الإسلام الجزية على المسيحيين في هذا الشرق، الذي تشكل المسيحية فيه مكوناً رئيسياً وجزءاً من شخصيته الثقافية والاجتماعية وهويته الوطنية على مر العصور؟
يمكن للمرء أن يقول، اليوم، من دون تردد أو مبالغة، أن الإسلام في خطر، وهو يواجه محنةً كبرى، لم يسبق له أن عرفها حتى في فترات الانحطاط التي عاشتها الأمة في عصور غابرة، وإذا لم يتحرك المسلمون بسرعة، فإن دينهم وشخصيتهم، حاضرهم وتاريخهم وماضيهم معرض لخطر كبير.
الخطر، اليوم، على الإسلام من داخل الإسلام، وليس من خارجه، وأعداؤه، اليوم، مسلمون من بلاد المسلمين، وليسوا جيوشاً قادمة من الخارج. هؤلاء من يقدمون أنفسهم على أنهم "البرابرة الجدد".
آن للمسلمين أن يتوقفوا عن عقد المؤتمرات والندوات التي تدعو إلى حوار الأديان، ويكفوا عن الخطابة في المساجد بشأن تسامح الإسلام، فذلك لا يفيدهم، بعد الآن، في شيء، لأن هناك نفراً منهم يرتكب جرائم موصوفة، ويجد من يؤيده ويدعمه بالمال والفتاوى.
ماذا ينفع المسلمين الدفاع عن صورتهم أمام الاعلام الغربي، وهناك من يصفّ مسلمين آخرين في طوابير على جدران المساجد، ويطلق عليهم النار في ظهورهم، بدعوى أن إسلامهم ليس الإسلام الصحيح؟ وفوق ذلك، يقوم بتصوير عمليات الإعدام وبثها على "يوتوب"، وهو يتفاخر ويتلذذ بهذه الجرائم؟
نحن أمام نفر من المسلمين مرضى نفسياً، وهؤلاء ليسوا أقلية، ولم يعودوا مختبئين في مغاور تورا بورا، بل صاروا يسيطرون على حواضر عربية كبيرة من الموصل إلى حلب، وتحولوا قوة اقتصادية كبيرة، بعدما وضعوا أيديهم على مصادر الثروات، وهم يتقدمون كل يوم، منذرين بتفجير المنطقة.
إذا كان هؤلاء يكفرون المسلمين، ويفتون بجلدهم وإعدامهم، فما الذي ينتظر أبناء الطوائف الأخرى؟ لا توجد إجابة أكثر صراحة مما قاموا به في حلب والرقة والموصل ضد المسيحيين واليزيدية وغيرهم.
 تبين أن هؤلاء ليسوا أقل دموية من بشار الأسد الذي لم يتورع عن استخدام السلاح الكيماوي ضد أطفال الغوطة، وقتل قرابة ألف في ليلة واحدة قبل عام. وعلى الرغم من تلك الجريمة الموصوفة استمر في الحكم وواصل القتل، وبقي "العالم الحر" يتفرج عليه، وهو يتفنن في مجازره ضد الأبرياء العزل في سورية.
لن يكون أبو بكر البغدادي أفضل من بشار الأسد، بل هو وجه العملة الآخر، فإذا كان العالم عاجزاً عن إيقاف الأسد عند حد، فلماذا سوف يكلف نفسه العناء ليواجه البغدادي، وإذا كان الأسد قد أعاد انتخاب نفسه، ولم يمنعه أحد، فلماذا لا يعلن البغدادي نفسه خليفة؟ ومما لا شك فيه أن البغدادي اعتمد هذا القياس وهذه القدوة.
مضى زمن الكلام الإنشائي، ودفن الرؤوس في الرمال والتهرب من تحمل المسؤولية، تحت بند أن هناك فئة جانحة، لا تمثل الإسلام والمسلمين، انحرفت عن طريق الحق. لا أحد يصدق هذا الخطاب اليوم، وهو يرى بأم عينه أن الفئة الضالة باتت تياراً عريضاً، ومن كانوا يعيشون في المغاور يحكمون مدناً عريقة، مثل الرقة والموصل، وهم في طريقهم إلى تفجير المنطقة برمتها بإثارة حروب عبثية، لن تقف عند إعادة رسم الخرائط، كما هو حاصل، الآن، في العراق وسورية، فمعركة "داعش" مع الأكراد قدمت المبرر لتوسيع رقعة سيطرة الأكراد على مساحات شاسعة من العراق وسورية، بدعم غربي صريح.
قدم "داعش" المبرر لتخلي العالم عن الشعب السوري، وكان المستفيد نظام الأسد، وها هو يعيد الكرة في العراق، ليخرج الأكراد هم الرابح الأكبر من المعادلة.

شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري.
بشير البكر