"الحب" في زمن الحرب

25 أكتوبر 2014
+ الخط -

فجأةً، تلاقت الأهداف وتوحّد الخصوم وجلسوا وتفاهموا، أو تفاهموا من دون أن يجلسوا، على هدف واحد، في هذه المرحلة على الأقل، يعمل الجميع لتحقيقه. الجميع باتوا في خندق واحد، يتسع لإيران وأميركا وإسرائيل وحزب الله. هذا ما تؤشّر إليه مجريات الأمور في سورية والعراق في الأشهر القليلة الماضية، إذ باتت هذه الأرض جامعة للأضداد في معركة واحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، الآخذ بالتمدد شرقاً وغرباً وجنوباً.
مجريات يمكن اختصارها بمعطيات متوفرة للجميع، لكن عند جمعها في سياق واحد تصبح أكثر وضوحاً. على سبيل المثال، الكل يعلم أن حزب الله يقاتل في سورية، إلى جنب نظام بشار الأسد. لكن، في الآونة الأخيرة، صبَّ كل اهتماماته على مقاتلة "داعش"، الذي يعتبره الخطر الوجودي الأول للحزب، انطلاقاً من اعتبارات عقائدية، أولاً، واستراتيجية ثانياً. حتى إن الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، توجّه إلى الجبهة الشرقية، على الحدود اللبنانية مع سورية، لتفقد المقاتلين، للإشارة إلى الأولوية التي يمنحها الحزب لهذه المعركة حالياً، ولا سيما أن الزيارة ذكّرت بجولات كان يقوم بها الأمناء العامون للجبهة الجنوبية، في ظل المعارك مع قوات الاحتلال الإسرائيلي.
لكن، هذا كان في السابق، أما اليوم فيبدو أن الحزب وإسرائيل يتشاركان الأهداف نفسها. هذا ما يمكن استنباطه من كلام وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه يعالون، قبل يومين، حين أشار إلى أن دولة الاحتلال بدأت تعد الخطط لاغتيال أبو بكر البغدادي، الأمير المفترض لتنظيم الدولة الإسلامية. وقال إن "إسرائيل تقدم كل ما لديها من معلومات حول تحركات التنظيم، ليس فقط لأميركا وحلفائها الأوروبيين، بل، أيضاً، تقدم هذه المعلومات للدول العربية المشاركة في التحالف".
ها هو الخندق يتّسع، فالتحالف الدولي الجديد استطاع جمع "الأعداء"، أقله على الورق، رسمياً، فيما جمعت الأهداف المشتركة المتحاربين في معركة واحدة. إلى الآن، لا تزال المعركة في مراحلها الأولى، ولا يزال التنسيق افتراضياً، أو تلقائياً، فلكل من الأطراف المجتمعة الأهداف المختلفة التي تدفعه إلى خوض المعركة، وخدمة أهداف "العدو". لكن، قد لا تستمر الأمور على هذا النحو طويلاً، وخصوصاً عند إدراك أن معارك التحالف الجوية غير قابلة لتحقيق أي انتصارات حقيقية في الحرب ضد "الدولة الإسلامية"، وأن كسب الحرب، إذا كان هذا هو المطلوب فعلياً، يحتاج إلى قوات برية على دراية بتضاريس الأرض التي يتمدد فيها "داعش".
هذه الخلاصة وصلت إليها الولايات المتحدة مبكراً، وهي لا تنفك تشير إلى أن الغارات الجوية لا تحقق الأهداف المطلوبة. وبدأت، فعلياً، تعد العدة لمواجهة برية، لكنها لا تزال تبحث عن الجنود لخوض هذه المعركة. والجنود في هذه الحال لا يجب أن يكونوا من جنس وعرق واحد، فها هي في الشمال العراقي تستعين بعناصر البشمركة الذين بدأت تلقي لهم بالسلاح الكفيل بدعم مواجهتهم مع "داعش"، إلا أن ميدان المعركة لا يقتصر على الشمال العراقي، فهناك الشمال والغرب السوريان أيضاً، واللذان يحتاجان إلى عناصر مدربة ومجهزة للقتال، تحت الغطاء الجوي للتحالف المضاد لـ "الإرهاب". وتحت هذا الغطاء، قد يجتمع من كانوا ولا يزالوا على اللائحة الأميركية "للإرهاب"، فالمعركة تحتاج تضافر الجهود، والخندق، الآن، يتسع للجميع. ومن غير المستبعد أن يلجأ التحالف إلى "خبرات" حزب الله في المعركة ضد "الدواعش"، تماماً كما سبق له أن استعان في الخبرات الإيرانية في المعركة ضد "طالبان" في أفغانستان وصدام حسين في العراق.
لا شيء سيكون مستغرباً في المرحلة المقبلة من عمر المعركة، فهذا موسم "الحب" في زمن الحرب... على "داعش".

 

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".