2011 هو العدو فاحذروه
الإلحاح المستمر على أنّ العام 2011 هو المتهم الأول والوحيد في كلّ ما يجري بمصر والدول العربية، انتقل من كونه مجرّد أداة من أدوات التخويف من الاحتجاج والثورة إلى عقيدة مستقرة ومبدأ ثابت لدى كلّ المستبدين، بحيث صاروا يردّدون نصوصه كما لو كانت كلامًا منزّلًا من السماء، أو نظرية علمية ثبتت صحتها بالتجربة المعملية والعملية.
كالعادة، كان 2011 حاضرًا في حديث رأس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، أمس إلى جمهوره في محافظة المنيا بصعيد مصر، صبيحة تنفيذ قرار الزيادة الجديدة في أسعار الوقود، ليحدّث الناس عن الإخلاص للوطن، وللدولة، التي هي الحكومة.
مجدّدًا، يعلّق السيسي جثة 2011 في سقف القاعة ويرميها بالكلام المعاد، لكنه هذه المرة يذهب أبعد مما سبق في اعتبار"مؤامرة الثورة" كلّها تأسست على صناعة حالة من العداء بين الشعب السعيد والحكومة، ويطلب من المواطنين أن يعضّوا على حكومتهم بالنواجز كي لا يتسلّل الأعداء مرة أخرى.
يذكّرهم العام 2011، دائماً، بالقدرة الشعبية المدهشة على إحداث التغيير، وصناعة الحراك المزلزل لعروش نخرة، فلماذا لا يكرهه المستبدون ويحذرون منه، وينفقون ببذخ، حدّ السفه، على معركة قتل فكرة الثورة في عقول الجماهير، وإشعال النار فيهما، الفكرة والرؤوس؟
داخليًا ومحليًا، يقبع 2011 في قفص الاتهام، مسؤولًا عن فشل الفاشلين، فهو الذي بنى سد النهضة وأضاع حقوق مصر في النيل، وهو الذي صنع الخراب الاقتصادي وأدى لانهيار العملة المحلية وارتفاع حجم الدين العام لألف سنة قادمة، كما أنه يقف وراء التضخم والكساد والغلاء والجوع والفقر والمرض، والكوارث الطبيعية والصناعية وحوادث القطارات وانهيار الكباري الجديدة والإرهاب في سيناء وتلوّث الغذاء وشح الدواء... باختصار 2011 رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه أيها المصريون، وصفقوا صفقة كبيرة، كما طلبت سيدة المجتمع المدني الجديد بالمنيا من الجمهور، للجنرال الذي يحارب هذا العام الرجيم ويتعقبه في كل مكان.
على أنّ 2011 يصلح أيضًا للاستعمال في الملفات الدولية والإقليمية، باعتباره عام الربيع العربي الذي تسبّب في الخصام بين مصر وشقيقاتها وجاراتها، المخدوعات في العام 2011 والمنتمين له من الأشرار الذين أفسدوا حقول العنب التي كانت طارحة في العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وقد حان الوقت لكي يكتشف الأشقاء والأصدقاء أنّ حراك الجماهير العربية في ذلك العام كان بقصد تدمير الجسور وقطع اللحمة بين الأنظمة العربية والإقليمية، وها هي الغمامة قد انقشعت وتبدّدت سحب الشك والخلاف حين سطعت الابتسامات العريضة على محيا مبعوثي الجنرال الذي كشف المؤامرة.
وفي توقيت واحد مع هذه اللقطات الدافئة تأتي مشاهد استعادة الحب الضائع بين النظام العربي ونظام بشار الأسد، الذي عادت تعزف له الموسيقى في عواصم عربية، وتأتي إليه الوفود البرلمانية والقوافل الحزبية الثورية من كلّ فج عميق، بعد أن أنعم الله على الأمة بافتضاح مؤامرة الربيع العربي التي كادت تعصف بتاريخ الأمة وجغرافيتها، وتجعل للكيان الصهيوني في كلّ بلد عربي قدمًا، وتدخل العرب في تحالفات عسكرية مع هذا الكيان تحت مظلة القيادة المركزية الأميركية.
فالحمد لله الذي كشف الغمة وأنقذ الأمة وردّ الوعي إلى كلّ الأطراف التي كانت تتباهى بالقرب من الربيع العربي وثوراته، وتتغنّى به، وتكتب فيه الملاحم والمعلقات، فأفاقت من هذا الكابوس وفرّت منه لتبحث عن مصالحها في تلك المساحات المشتركة بينها وبين الحكومات التي قامت على أنقاض هذا الربيع، وعرفت أنّ العدو الحقيقي ليس ذلك الذي يحتل فلسطين، وإنما هو ذلك العام (2011) الذي احتل أحلام وطموحات الجماهير الشريرة التي تحلم بتغيير وديمقراطية وكرامة إنسانية.