إدارة بايدن: 4 سنوات من الخدمة في مشروع ترامب
هل من المبالغة المُفرطة القول إنّ سنوات إدارة جو بايدن في حكم أميركا كانت تمهيدًا لعودة دونالد ترامب إلى الحكم، وتهيئة الطريق لتنفيذ مشروعه للشرق الأوسط، والذي واجه رفضاً عربيّاً في حينه؟
يكشف التأمّل الهادئ لحصيلة سنوات بايدن وإدارته الديمقراطية أنّ هذه الإدارة فعلت كلّ ما في وسعها لجعل مرفوضات ترامب مقبولة، أو بتعبير أدق إزالة (أو إضعاف) كلّ المواقف غير المتناغمة مع المشروع الأميركي لإعادة صياغة الشرق الأوسط، كما طرحه ترامب، وواصل بايدن تنفيذه، حتى وإن كانت إدارته لم تحتفظ بمسمّاه كما روّجته الإدارة السابقة "صفقة القرن" التي كانت الورقة الأخيرة التي ألقى بها ترامب قبل رحيله عن البيت الأبيض في عام 2020، واختار لها اسم "خطة السلام"، وخرجت بنودها صادمة للعرب، إلى الحدِّ الذي جعل منها وقوداً لحالة الحماس وتمني نجاح منافسه الديمقراطي جو بايدن في ذلك الوقت.
كاد خطّة سلام دونالد ترامب تكون متطابقة مع خطة الجنرالات الصهاينة التي يجري تنفيذها حالياً في شمال غزّة وجنوبها، في محاولةٍ لفرض واقع جغرافي وديموغرافي جديد، يوسّع من حدود الاحتلال ويقلّص الوجود البشري الفلسطيني، وهو ما تتصدّى له المقاومة الفلسطينية ببسالة، وهو أيضاً ما كانت الظروف العربية تسمح بالمجاهرة برفضه قبل أكثر من أربع سنوات، وكما ورد في صفقة ترامب التي صدمت الجميع، والتي تلقّاها نتنياهو في ذلك الوقت بفرحة طفلٍ مدلّل منحوه لعبة نادرة، فاندفع يعلن أنّ "ترامب أعظم صديق حظيت به "إسرائيل" في البيت الأبيض، وأن خطته التي تتضمن نزع سلاح المقاومة الفلسطينية هي حدث تاريخي يشبه اعتراف الرئيس الأميركي هاري ترومان بدولة إسرائيل في عام 1948".
في ورقة تقدير موقف جديدة صدرت عن معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب بعنوان "صفقة القرن، إلى أين تؤدي؟" في ذلك الوقت/ جاء أنّ فرص تحقيق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحلِّ النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين ضئيلة جداً وتوازي الصفر. وقالت الورقة إنّ دلالات الخريطة تعني دولة فلسطينية غير متواصلة جغرافياً، مقسّمة إلى ستة كانتونات مُحاطة تماماً بإسرائيل؛ سيطرة إسرائيلية على كلّ المحاور التي تربط بين المناطق الفلسطينية؛ سيطرة إسرائيلية أمنية وسيادية على الغلاف، بما في ذلك المعابر الخارجية (معبر اللنبي على نهر الأردن ومعبر رفح مع مصر).
كان التصوّر الأميركي الإسرائيلي أنّ الخطّة تتضمّن مرحلة انتقالية من أربعة أعوام، انتظاراً لمتغيّرات سياسية ستدفع السلطة الفلسطينية إلى التخلّي عن موقفها الرافض للخطة في بداية طرحها، إذ يمكن تلخيص هذه المرحلة الانتقالية في بند واحد، إزالة العقبات الكبرى أمامها، والمقصود بالطبع القضاء على المقاومة الفلسطينية، وهذا بالضبط ما قامت به إدارة جو بايدن على النحو الذي يمكن معه القول إنّ منجزها الوحيد هو العمل على تنفيذ تلك المرحلة الانتقالية التي حلم بها نتنياهو واليمين الديني المتطرّف، الذي تجسّده حكومة نتنياهو إسرائيلياً، وإدارة ترامب أميركياً، وهو ما تجده يتحرّك أمامك على الأرض منذ 14 شهراً هي عمر العدوان الأميركي الإسرائيلي على غزّة والضفة الغربية وجنوب لبنان، والذي يركز حالياً على فرض الخرائط التي وضعها ترامب في خطته.
على أنّ ما أنجزته إدارة بايدن تجاوز مسألة فرض الجغرافيا الجديدة بالقوة العسكرية إلى تطويع المواقف العربية الرسمية على النحو الذي يجعلها تعلن قبولها ما أعلنت رفضه قبل أربع سنوات، حين انعقد اجتماع طارئ لوزراء خارجية الدول العربية في الأول من فبراير/ شباط 2020، وانتهى إلى رفض خطّة ترامب بالإجماع، كما أعلن أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.
الحاصل حالياً أنّ واشنطن وتل أبيب نفذتا الجانب المتعلّق بجغرافيا غزّة كما وردت في خطة ترامب، وعلى الأخص الجزء المتعلّق بالمعابر، إذ صار إلغاء معبر رفح، ومعه معبر صلاح الدين، بين مصر وغزّة، واقعاً متحقّقًا، لا تقوى مصر على تغييره أو التصدّي له بطريقة عملية، تتعدّى التصريحات الدبلوماسية المرتعشة التي تطلقها في العلن، بينما تسلُك عكسها في الواقع، كما أنّ ما ينفذه الاحتلال في مدن الضفة الغربية وبلداتها هو بعينه ما تضمنّته خطّة ترامب لتقطيع أوصال الجغرافيا الفلسطينية في دولة أو كيان منعدم السيادة على حدوده، وغير مسموح له بالتسليح.
على ضوء ذلك، لا يجد هذا الأسى على سقوط هاريس وعودة ترامب لرئاسة أميركا ما يسنده أو يبرّره على أرض الواقع، وعلى نحو خاص، فيما يتصل بالسياسة الأميركية تجاه الصراع في الشرق الأوسط، والتي لم تتغيّر بذهاب الديمقراطيين وعودة الجمهوريين والعكس. كما أنّ الأمر ليس مفاجئًا على الإطلاق، إذ كان بادياً أنّ عودة ترامب سهلة وميسّرة، منذ مناظرته مع بايدن، والتي علقت عليها حينها بالقول إنّه يمكن توقع فوز كاسح لمرشح أقصى اليمين الأميركي ترامب من دون أن تحتاج خبرات كبيرة في لوغاريتمات اللعبة الانتخابية، ومن دون أن تبذل جهداً كثيراً في تحليل أداء منافسه الرئيس الحالي جو بايدن.