وقاحة المدير العام لمنطقة الشرق الأوسط
سألتْ قناة الجزيرة، وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، عن دور واشنطن في مذبحة النصيرات التي أودتْ بحياةِ 274 شهيداً فلسطينيّاً، والمعروفة في الخطاب الصهيو-أميركي بعملية تحرير أربعة أسرى، فردّ بالقول إنّه لا يستطيع كشف أسرار، لكن إدارته عملت مع إسرائيل على تخليص الرهائن الأربعة وساعدتها بما لديها من معلوماتٍ عنهم.
قبل ذلك بيومين، كشفَ الإعلام الإسرائيلي أنّ قائد القيادة المركزية الأميركية "سنتكوم"، الجنرال مايكل إريك كوريلا، زارَ تل أبيب نهاية الأسبوع الماضي، لوضعِ خطّةِ مذبحة عملية النصيرات، لكن الصادم حقًا أنّ هذا ترأس على أطراف المذبحة اجتماعاً ضمّ قادة عسكريين عرب ورئيس أركان الجيش الصهيوني، هرتسي هاليفي. وبحسب موقع أكسيوس الأميركي، قال مصدران مُطلعان، إنّ الأخير التقى الاثنين الماضي في البحرين جنرالات رفيعي المستوى من البحرين والإمارات والسعودية والأردن ومصر لمناقشة التعاون الأمني الإقليمي، برعاية قائد القيادة المركزية الأميركية الجنرال مايكل إريك كوريلا، "بعيداً عن الأضواء، ولم يجر الكشف عن اللقاء، بسبب الحساسيات السياسية في المنطقة". ... والخلاصة كما يُوضّح الموقع أنّ "الحوار العسكري والتعاون بين إسرائيل والدول العربية مستمرّ في ظلّ القيادة المركزية الأميركية".
بالعودة إلى تصريحاتِ بلينكن في القاهرة وعمّان، وفي حواره المليء بالمساخر والوقاحاتِ مع قناة الجزيرة، يكرّر وزير الخارجية الأميركي، أنّه لن يٌسمح لحركة حماس بتقرير مصير هذه المنطقة ومستقبلها، وأنّه سيطرح في الأسابيع المقبلة أفكاراً لكيفيةِ الحكم في غزّة بعد انتهاء الحرب، وهذا الخطاب بعيداً عن أنه يضع صاحبه في مرتبةِ سفير متعصّب للكيان الصهيوني، فإنّه مهين لما يُسمّى النظام الرسمي كلّه، الذي لا يرى فيه هذا الصهيوني المهووس سوى موظفين ينفّذون الرؤى والتعليمات الأميركية لتنفيذِ تصوّراتها لوضعِ المنطقة.
هنا يبدو بلينكن، وهو يتحدّث عن غزّة، سياسيّاً وجغرافيّاً، بعد انتهاء القتال، وكأنّه أحد الغزاة الأوائل الذين أبادوا الهنود الحمر، وقد اكتشفَ فجأة مساحة خالية اسمها فلسطين، فقرّر أن يستعمرها ويُعيّن من يختاره لإدارتها، بوصفه المدير العام للمنطقة العربية وصاحب الكلمة الأولى والأخيرة في شؤونها.
يطرح تناول بلينكن الوقح للمقاومة الفلسطينية واعتبارها مسؤولة عن مشكلات الكوكب كلّه أسئلة مهمّة مثل: هل ترى المقاومة الفلسطينية حركة تحرّر وطني أم تنظيماً إرهابيّاً؟
سيردّ بلينكن: بالتأكيد تنظيم إرهابي.
حسنًا: لماذا تعرض صفقة على تنظيم إرهابي وتنتظر ردّه عليها، وكيف تتوقّع من هذا التنظيم أن يسلّمك ما لديه من أسرى فوراً وينهي القتال، بينما أنتَ لا تكف عن القول إنّ المطلوب بعد استعادة الأسرى القضاء على هذا التنظيم نهائيّاً واستبعاده تماماً من معادلات المستقبل؟
الشاهد أنّه حين يعرض وزير الخارجية الأميركي وقفاً فوريّاً لإطلاق النار هو يعني أن تُسلّم فصائل المقاومة الوطنية الفلسطينية ما لديها من أسرى صهاينة فوراً، ثم تنتظر ما يقرّره الصهيوني، إن كان راغباً في مزيدٍ من الحرب، مزيد من المجازر والمذابح والتدمير والإبادة الجماعية، أو يكتفي بهذا القدر وينتقل إلى مرحلةِ اختيار من يحكم غزّة ويدير شؤونها.
ينفي هذا الموقف الواضح في انحيازه ومخادعته عن الجانب الأميركي صفة الوسيط، ويجعله الطرف المباشر في العدوان والتفاوض على إنهاء العدوان، وهو ما يفرض على الوسيط العربي أن يتذكر أنّه عربي، ويُواجه هذا الانحياز الأميركي المتغطرس بدعم المبدئين الأساسيين للجانب الفلسطيني: الوقف الدائم للعدوان، وليس الفوري إلى حين الحصول على الأسرى كما يرغب الاحتلال، والانسحاب الكامل من قطاع غزّة، وليس من المناطق المأهولة الصالحة للحياة فقط.