هوامش على شهادة فاطمة فؤاد

02 يوليو 2022

(إنجي أفلاطون)

+ الخط -

مخيفة الشهادة التي دوّنتها قبل أيام الناشطة اللبنانية فاطمة فؤاد، عن تعرّضها للاغتصاب في عام 2020 من مغنٍّ فلسطيني، وبمشاركة ومساعدة من مغنية مصرية (نشرت تدوينة نفت فيها الاتهامات بحقها وأوضحت أنها تعرّضت هي أيضاً للاغتصاب من الشخص نفسه)، مخيفة لما تضمّنته من سرد وقائع وأحداث وسلوكيات وعنف نفسي وجسدي لم يسبق أن تحدّثت عنه أية ناجية من اللواتي سجّلن شاهداتٍ عن حالات اغتصاب وعنف تعرّضن لها، خصوصاً وأن واقعة فاطمة فؤاد حدثت في مكان عام، وعلناً وبحضور مئات الأشخاص، ومعرفة عدد كبير بالواقعة من دون أن يخطر لأحدٍ كشف مرتكبيها وفضحهم سابقاً. والحال أن الشهادة قد أثارت أسئلةً كثيرة عما يحدث في الوسط الفني والثقافي العربي عموماً، والمؤسسات الفنية والثقافية البديلة تحديداً، وعن حال شباب ما بعد الربيع العربي والواقع الذي يعيش فيه.

النقطة الأولى هي المنظومة الثقافية التي تحكُم مؤسسات يفترض أنها بديلة (ثقافية وفنية وتنموية وحقوقية) تحدُث انتهاكات بحق النساء العاملات والفاعلات فيها (هناك شهاداتٌ سابقةٌ عن فتيات وسيدات تعرّضن للتحرّش والانتهاك من مديرين أو متنفّذين أو مدرّبين)، وتتداخل ضمنها العلاقات ويتشابك فيها السلوك الشخصي مع العام، ما يحوّل المؤسسات البديلة المستقلة إلى مؤسساتٍ لا تختلف في الآليات التي تحكُم عملها عن المؤسسات الرسمية في الدول المحكومة من الأنظمة الاستبدادية، من حيث المحاباة ومداراة الفساد واحتكار التمويلات لصالح فئات محدّدة، تكاد تكون متشابهةً في ذائقتها وأساليبها وانتماءاتها، وما يحدُث داخل هده المؤسسات وشبكة علاقاتها وتمويلها، إلى آخر كل الأسئلة التي ترد إلى الذهن، بعد قراءة تدوينة فاطمة فؤاد، ثم قراءة ما تلا التدوينة من سردياتٍ رواها أشخاصٌ على تماسّ مع تلك المؤسسات، وكشفت، في أغلبها، حجم الفساد والشخصانية والسلطوية في السلوك والممارسة ضمن آليات العمل المؤسّساتي البديل.

النقطة الثانية عن الجيل الذي تنتمي إليه الناشطة، جيل ما بعد الربيع العربي، فقد تمكّنت، في شهادتها، من أن تنحّي جانباً نموذج الضحية المثالية البريئة الذي عادة ما يغلّف شهادات ضحايا الانتهاكات لكسب المزيد من التعاطف، وهذه جرأةٌ نادرةٌ تُحسب لها في مجتمع محكوم بسلسلة من القيود المجتمعية التي تنادي بالتستّر على المعصية (في حالة فاطمة، المخدرات والجنس والمثلية)، لكن شهادتها كشفت الستار، من جانب آخر، عن حال الشباب الذي حلم بالربيع العربي، وشارك في محاولات التغيير، لكنه لم يجن من تلك المحاولات سوى اليأس والإحباط، بعد أن تحوّل الربيع إلى كابوسٍ أنهك بلدانه، وأنهك شعوب تلك البلدان، لا سيما الشباب ممن ضاعت أجمل سنوات حياتهم وأكثرها إنتاجاً واكتساباً لخبرات الحياة والعمل، حيث لم يحمل لهم العقد الزمني بعد الربيع العربي سوى الكارثة تلو الأخرى، حين دعم المجتمع الدولي الأنظمة المستبدّة لتتمسّك بسلطتها، وساعدها على الفتك بشعوبها ودعم الثورات المضادّة التي غيّرت مآلات الثورات العربية، ودعم الدول العميقة في تثبيت سلطاتها، ما جعل الربيع العربي، بكل الأثمان المهولة التي دفعها شبابه، مجرّد ذكرى يحتفى بها سنويا ًعبر شبكات التواصل الاجتماعي بكثير من التحسّر والأسى.

النقطة الثالثة، أن الواقعة التي سجلتها في شهادتها ليست استثنائية، سوى في تدوينها، إذ ثمّة تطرّف، لم يعد خافياً، في الحريات الفردية عربياً، يقابل التطرّف في رفضٍ أكثر اتساعاً وظهوراً ووضوحاً لكل ما يتعلق بحرية الجسد، خصوصاً مع حالة التعاطف التي يشهدها مثليّو الجنس أو عابرو الجندر على مستوى العالم، وكأن الحرية التي كانت أحد أهم مطالب الربيع العربي (الرأي والفكر والتعبير والاعتقاد والتخلص من الاستبداد)، وهزمت مع هزيمة الثورات، تم استبدالها بحرية التطرّف، سواء التطرّف الليبرالي أو التطرّف الديني، وهو ما يحدُث دائماً لدى الشعوب التي تتعرّض لنكساتٍ أو هزائم كبيرة، فكيف الحال مع شعوب الربيع العربي التي تعرّضت وتتعرّض لوحشيةٍ لم يسبق لها مثيل، وتعيش حالياً تحت ظل أوضاع معيشية كارثية تدفعها إلى الانحياز نحو أقصى أنواع التطرّف في حالة احتجاج وتمرّد على مسارات حياتها، فتلجأ إما إلى مزيد من التمسّك بقيم ماضوية، تؤدي بها إلى التطرّف في الرأي والسلوك، أو إلى تبنّي قيم نيو ليبرالية متطرّفة في العلاقة مع الجسد والمخدّرات والكحول وغيرها.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.