18 نوفمبر 2024
هذه الأزمة بين نيروبي ومقديشو
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
تدخل فصول الأزمة الدبلوماسية بين الصومال وكينيا أسبوعها الثالث، بعدما استدعت نيروبي سفيرها في مقديشو بغرض التشاور، وأمرت سفير مقديشو بمغادرة نيروبي، نتيجة طرح عطاءات كينية في مؤتمر لندن بشأن نفط الصومال، في مطلع فبراير/شباط الماضي، حسب مزاعم كينية. أزمة سياسية، وإن بدت، في مقدمتها، أنها سحابة صيف عابرة، إلا أن معطياتها تشي بأن شيطانا ما في التفاصيل، لتتجه الأمور من سيئ إلى أسوأ، إلى درجة أن الخارجية الكينية صرّحت أنها تدرس خيار فرض عقوبات على الصومال، ما لم يستجب لمطالب كينيا بشأن تقديم اعتذار للسلطات في نيروبي.
تبدو السلطات الصومالية في القصر الرئاسي أنها قابعة في أتون أزمة دبلوماسية مع جارتها كينيا، ولأول مرة يسجل نزاع دبلوماسي بين الدولتين، وتحاول السلطات في مقديشو ضبط النفس، وإمساك العصا من الوسط، منعاً للذهاب نحو تصعيد دبلوماسي، فنأت بنفسها عن فتح صراع سياسي مع كينيا التي تحتضن ربع مليون لاجئ صومالي في مخيماتها بالقرب من الحدود.
أثار خيار الدبلوماسية الهادئة الذي أبدته مقديشو سخط كثيرين في الشارع الصومالي، وفوجئ به آخرون، في ظل سقف التوقعات الذي كان سائداً بشأن توقيف استيراد نبتة القات المخدّرة، والتي تدرّ دخلاً باهظاً في الاقتصاد الكيني، إلى جانب طلب الصومال من الاتحاد الأفريقي، سحب القوات الكينية من البلدات الواقعة في جنوب الصومال، الأمر الذي سينال من أرصدة البلدين في الحرب على حركة الشباب التي باتت تهدد أمن كينيا أكثر من الصومال الذي أدمن فواجع التفجيرات والاغتيالات.
شكّل الرئيس الكيني، أهورو كينياتا، لجنة حكومية لبحث حلول سياسية لإنهاء الأزمة
الدبلوماسية، ما يعني أن الرئاسة الكينية تتمسك بخيار التهدئة مع مقديشو، على الرغم من أنها لم تعِد سفيرها إلى مقديشو، إلا أن ما هو مشكل حقاً أن تصدر تصريحات متناقضة من الرئاسة الكينية وأعضاء من الحكومة في نيروبي، حيث تتبنّى الخارجية الكينية تصعيداً دبلوماسياً مع الصومال، بينما تذهب الرئاسة الكينية إلى خيار آخر، وهو إيجاد فرص حل للأزمة الراهنة، ما يوحي بأن كينيا تمارس سياسة "العصا والجزرة " بشأن ترويض مقديشو، للخضوع لمطالبها السياسية، وأولها تقديم اعتذار رسمي لكينيا، والإفصاح عن ما دار في أروقة مؤتمر لندن بشأن النفط، خصوصا العطاءات الكينية النفطية، على الرغم من نفي مقديشو أنها قدّمت حصص نفط كينية في المؤتمر.
كينيا دولة ذات ثقل سياسي وتوازن استراتيجي في القرن الأفريقي، وتحتضن منظمات دولية كثيرة تعمل من نيروبي لتنفيذ مشاريع أممية في الصومال، بالإضافة إلى أن نيروبي أضحت سوقاً اقتصادية لتجار صوماليين كثيرين يمتلكون اليوم عقاراتٍ ضخمة، ويشكلون ريعاً للاقتصاد المحلي، فإذا استمرت الأزمة الراهنة بين البلدين، فإن هذا الاقتصاد مهدّد بانكماش، أو على الأقل ذهاب رؤوس الأموال الصومالية الباحثة عن الأمان إلى دولة أخرى، وليست إثيوبيا بعيدة، وهذه تشهد اليوم تحولات استراتيجية ومصالحة شاملة، أفضت إلى عودة المعارضة الإثيوبية إلى الداخل، بعد عقود في المطاردات والمنفى.
ليست مصلحة الصومال حالياً في إحداث عداوة إقليمية، أو هدم الجدار الخارجي لعلاقاته التي لم تشهد يوماً فتوراً دبلوماسياً مع الجوار، خصوصاً نيروبي. وعلى الرغم من ذلك، ليس من
مصلحته أيضاً التهاون بشأن الدفاع عن ترابه وسيادته، فإذا خُيّر بين حماية سيادته واستقلاله والحفاظ على علاقاته الدبلوماسية مع نيروبي، فحماية أرض الأجداد أولى من الابتزاز الكيني، والقفز عليها يتولد منه سخط محلي وغضب جماهيري. أما إذا اقتضت الضرورة السياسية دخول مفاوضات بناءة، فهذا الباب مفتوح للحكومة الفيدرالية، لإقناع الجارة، والعودة من خندق القطيعة الدبلوماسية التي ستضر بمصالح البلدين الأمنية والاقتصادية.
يخيّل إلى كثيرين أن كينيا التي نأت بنفسها عن الحراك السياسي، والمتغيرات الجيوسياسية التي شهدتها دول القرن الأفريقي، منذ يوليو/تموز عام 2018، عزلت نفسها عن محيطها الإقليمي، فلم يجدِ غيابها عن هذا الحراك نفعاً، بل تفيد مصادر دبلوماسية بأنها غاضبة من مقديشو بحكم توجهها نحو هذا المسار، على الرغم من أن حكومة مقديشو رأت فرصةً مواتيةً لترميم علاقاتها الخارجية في مشاطرة جيرانها بإحداث توازن سياسي جديد في منطقةٍ، ظل بركان الأزمات مشتعلا فيها منذ عقود.
والواضح أن غياب وساطة إقليمية لرأب الصدع بين الدولتين، خصوصا من أديس أبابا، يوحي بأن نزاعاً خفياً يدور في الكواليس، أو ربما تخمّن دول الجوار أن هذه الأزمة الدبلوماسية مجرّد رياح عابرة، لا تستدعي تدخلاً أو وساطة إقليمية، على عكس ما يراه خبراء، أنها معضلة تتجه نحو القتامة، فإذا كانت الهيئة الحكومية للتنمية (الإيغاد) التي تضم في عضويتها الصومال وكينيا لم تتحرك بعد لإخماد فتيل الأزمة السياسية بين الدولتين، فالراجح أن جليد التوتر سيظل سيد الموقف، وعنوان وسائل الإعلام الكينية والصومالية.
تبدو السلطات الصومالية في القصر الرئاسي أنها قابعة في أتون أزمة دبلوماسية مع جارتها كينيا، ولأول مرة يسجل نزاع دبلوماسي بين الدولتين، وتحاول السلطات في مقديشو ضبط النفس، وإمساك العصا من الوسط، منعاً للذهاب نحو تصعيد دبلوماسي، فنأت بنفسها عن فتح صراع سياسي مع كينيا التي تحتضن ربع مليون لاجئ صومالي في مخيماتها بالقرب من الحدود.
أثار خيار الدبلوماسية الهادئة الذي أبدته مقديشو سخط كثيرين في الشارع الصومالي، وفوجئ به آخرون، في ظل سقف التوقعات الذي كان سائداً بشأن توقيف استيراد نبتة القات المخدّرة، والتي تدرّ دخلاً باهظاً في الاقتصاد الكيني، إلى جانب طلب الصومال من الاتحاد الأفريقي، سحب القوات الكينية من البلدات الواقعة في جنوب الصومال، الأمر الذي سينال من أرصدة البلدين في الحرب على حركة الشباب التي باتت تهدد أمن كينيا أكثر من الصومال الذي أدمن فواجع التفجيرات والاغتيالات.
شكّل الرئيس الكيني، أهورو كينياتا، لجنة حكومية لبحث حلول سياسية لإنهاء الأزمة
كينيا دولة ذات ثقل سياسي وتوازن استراتيجي في القرن الأفريقي، وتحتضن منظمات دولية كثيرة تعمل من نيروبي لتنفيذ مشاريع أممية في الصومال، بالإضافة إلى أن نيروبي أضحت سوقاً اقتصادية لتجار صوماليين كثيرين يمتلكون اليوم عقاراتٍ ضخمة، ويشكلون ريعاً للاقتصاد المحلي، فإذا استمرت الأزمة الراهنة بين البلدين، فإن هذا الاقتصاد مهدّد بانكماش، أو على الأقل ذهاب رؤوس الأموال الصومالية الباحثة عن الأمان إلى دولة أخرى، وليست إثيوبيا بعيدة، وهذه تشهد اليوم تحولات استراتيجية ومصالحة شاملة، أفضت إلى عودة المعارضة الإثيوبية إلى الداخل، بعد عقود في المطاردات والمنفى.
ليست مصلحة الصومال حالياً في إحداث عداوة إقليمية، أو هدم الجدار الخارجي لعلاقاته التي لم تشهد يوماً فتوراً دبلوماسياً مع الجوار، خصوصاً نيروبي. وعلى الرغم من ذلك، ليس من
يخيّل إلى كثيرين أن كينيا التي نأت بنفسها عن الحراك السياسي، والمتغيرات الجيوسياسية التي شهدتها دول القرن الأفريقي، منذ يوليو/تموز عام 2018، عزلت نفسها عن محيطها الإقليمي، فلم يجدِ غيابها عن هذا الحراك نفعاً، بل تفيد مصادر دبلوماسية بأنها غاضبة من مقديشو بحكم توجهها نحو هذا المسار، على الرغم من أن حكومة مقديشو رأت فرصةً مواتيةً لترميم علاقاتها الخارجية في مشاطرة جيرانها بإحداث توازن سياسي جديد في منطقةٍ، ظل بركان الأزمات مشتعلا فيها منذ عقود.
والواضح أن غياب وساطة إقليمية لرأب الصدع بين الدولتين، خصوصا من أديس أبابا، يوحي بأن نزاعاً خفياً يدور في الكواليس، أو ربما تخمّن دول الجوار أن هذه الأزمة الدبلوماسية مجرّد رياح عابرة، لا تستدعي تدخلاً أو وساطة إقليمية، على عكس ما يراه خبراء، أنها معضلة تتجه نحو القتامة، فإذا كانت الهيئة الحكومية للتنمية (الإيغاد) التي تضم في عضويتها الصومال وكينيا لم تتحرك بعد لإخماد فتيل الأزمة السياسية بين الدولتين، فالراجح أن جليد التوتر سيظل سيد الموقف، وعنوان وسائل الإعلام الكينية والصومالية.
دلالات
الشافعي أبتدون
الشافعي أتبدون: إعلامي وباحث صومالي حاصل على ماجستير الصحافة من المدرسة العليا للصحافة والتواصل في باريس، صدر له كتاب "الفيدرالية في الصومال: أطماع التقسيم وتحديات الوحدة". لديه أبحاث ومقالات منشورة في مواقع ومراكز عربية وأجنبية.
الشافعي أبتدون
مقالات أخرى
24 أكتوبر 2024
03 سبتمبر 2024
18 اغسطس 2024