نخبة وجيوش وجنرالات وبيانو ومنافع

01 يونيو 2023
+ الخط -

هل افتضح أمر ما كنّا نظنّه الكابوس فصار حقيقةً لا تثير الخجل، لا في أمر النخبة فقط، بل أيضا في من كنّا نسميه الشعب، أي شعب كان، فانتهى أمر ذلك الشعب بعدما أصبح كالحطب لنار جنرالات الجيوش، بعدما كان، في ما مضى، موضع الغناء والأفلام والتمثيليات من المحيط إلى الخليج، وبعد ما سكتت النخبة تماما أو أصبحت غير موجودة، إلا في هامش بورصات المال أو بجوار كتف عبد الحليم قنديل خلف الجيوش الزاحفة ضد شعوبها، حتى آخر قطرة دم من دماء قوى الشعب العاملة، سواء كان الشعب في تونس أو الخرطوم أو أم درمان أو جامعة الدول العربية أو سورية "الممانعة"، فهل أصبحت الجامعة، من أسبوع، عربية تماما، وخصوصا بعد ما اتّحدت كل الأعلام والمدافع ووجهات نظر النخب العربية على الضرورة الماسّة لعودة سورية إلى لحمة جامعة الدول العربية، كي تهتزّ المنابر بالنداءات والشعارات والمدافع، إن لزم الأمر.

ويا حبّذا لو ساق عبد الحليم قنديل دبّابة من قناة اكسترا رأسا إلى تل أبيب، بعدما أعيدت الكرامة تامّة إلى الدولة القومية من المحيط إلى الخليج، وصار لخليفة حفتر ورثة "في جمع خردة الحروب" في الشرق الليبي العروبي جدا تحت إدارة المخابرات المصرية وعروبة القبائل المحاربة والمتعاونة وصارت سيناء أيضا عربية الأرومة من رفح حتى نفق أحمد حلمي، وأحكمت دبابات الجنرال عبد الفتاح البرهان تماما على الخرطوم وغرب السودان تماما، سواء وهو بالشال الأبيض أو وهو بالزي العسكري، وحضر إلى المشهد بعصاه والتي تشبه تماما "عصا البشير" وهو يتراقص بها أمام الحرس الجمهوري أو في وديان قبائل الشرق السوداني أو الغرب أو الشمال أو الجنوب. ولا مانع من مبادلة "ذهب حميدتي" بعصابات فاغنر، ولا مانع أيضا من أن يرتدي الرئيس التونسي العقال العربي في جدّة، وينسى تماما الفقه الدستوري الذي تخصّص فيه، ويتحدث حتى بلغة حِمير القديمة، طالما أبو الغيط يسند الجامعة بظهره بعدما تنازل عن كل مخصّصاته المالية للموظفين البسطاء في الجامعة. المهم أن نبدأ مرحلة جديدة في الغناء واللحن والتمثيلية والفيلم السينمائي والصورة الغنائية على سبيل "عوّاد باع أرضه" أو الأغنية الوطنية "يا صحرا لمهندس جاي". ولا مانع أبدا من الجزء الثاني لفيلم "الأرض" بشرط أن تسند البطولة رأسا إلى محمد رمضان، كي يمسح من تاريخه الفني السنج والمطاوي ويبدأ في تلك المرحلة الوطنية الفنية الجديدة للجامعة العربية، ويستمع جيدا لمقولات عبد الحليم قنديل وعلي الدين هلال بعد حصوله على جائزة النيل بعد أيام هو ويحيى الفخراني وأشرف زكي والمستشار عبد المجيد محمود.

ومن أراد أن يعرف ويستزيد عليه الإنصات جيدا لحلقات "الحوار الوطني". هذا إن كان صاحب بصيرة، أما إن كان أعمى البصيرة، والعياذ بالله، فعليه أن يتزوّد بأغاني "بعرور" أو يتابع أعمال الخيرات في قنوات المشايخ، مثل حفر بئر أو زرع فسيلة نخل أو تربية يتيم. أما من يريد أن يزايد على أمته العربية فعليه أن يتأمل ما فعلته الثورات العربية من خراب في الشام أو في اليمن، أو أن يتأمّل ما حدث للغة العربية نفسها في مدارس مصر الجديدة والمهندسين والإسكندرية وسانت فاتيما.

نحن أمام أفق عربي جديد، وسوف لا يخاف المسافر فيه من الخرطوم إلى أم درمان إلا من الذئب على غنمه، وخصوصا بعد أن يمزّق حفتر جواز سفره الليبي أمام منصّة برلمان الشرق، ويطمئن الشعب تماما إلى اختيارات نخبته، وتوزّع الجوائز على الفائزين في القاعات، ويجري اختيار الأطباء والمهندسين وعلماء النفس واللغة والهرومنطيقا تحت إشراف الجنرالات الذين يعرفون في كل شيء، والشعب لا يتكلم إلا فقط في ما يعرفه، لأن الحقيقة غائبة عنه تماما، وما عليه سوى طاعة الأمر، حتى أمر التمثيليات التي يجري طبخها بمعرفة المخابرات وما لديها من أسرار غائبة عن الجميع، حتى الممثلين يتم ترشيحهم للأدوار بمعرفة الجيوش، وما النخبة سوى "شغّيلة" داخل الأجهزة العارفة.

ولا يوجد هناك ما يدعو المواطن إلى القلق أو الخوف على مصيره معنا، لأن المدافع معنا والشعب معنا والبرلمان معنا والنخبة معنا والقصّة معنا والقصيدة معنا واللوحة التشكيلية معنا ومحمد رمضان معنا والبيانو معنا وعمر خيرت معنا والدستور معنا، وتغييره معنا، والله أيضا معنا، ومن يريد الكفر والعياذ بالله، فذنبه في رقبته، ومن يريد الهجرة، فالباب يفوّت جملين.

720CD981-79E7-4B4F-BF12-57B05DEFBBB6
عبد الحكيم حيدر

كاتب وروائي مصري